لِتَأْدِيَتِهِ إلَى الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ لِاحْتِمَالِ اسْتِحْقَاقٍ فِيهَا فَلَا يُعْلَمُ مَا يَنُوبُهُ إلَّا فِي ثَانِي حَالٍ، سَنَدُ هَذَا مِنْ بَابِ الْجَهَالَةِ لَا النَّسِيئَةِ فَإِنْ وَقَعَ فَسْخٌ مَعَ الْقِيَامِ وَمَضَى مَعَ الْفَوَاتِ عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ (ص) إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ دِينَارًا أَوْ يَجْتَمِعَا فِيهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ اسْتَثْنَوْا صُورَتَيْنِ مِنْ مَنْعِ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ لِلْيَسَارَةِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ دِينَارًا وَاحِدًا كَشَاةٍ وَخَمْسَةِ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ، وَسَوَاءٌ تَبِعَ الْبَيْعُ الصَّرْفَ أَوْ الْعَكْسُ فَيَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ لِدَاعِيَةِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ. الثَّانِيَةُ أَنْ يَجْتَمِعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي دِينَارٍ كَشِرَاءِ عَشَرَةِ أَثْوَابٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِأَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا وَصَرْفُ الدِّينَارِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَلَوْ سَاوَى الثِّيَابُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَأَعْطَاهُ مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا لَمْ يَجُزْ وَلَا فَرْقَ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ تَبَعِيَّةِ الْبَيْعِ لِلصَّرْفِ أَوْ مَتْبُوعِيَّتِهِ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْأَشْيَاخِ يُعْتَبَرُ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا بِأَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْعَرْضِ ثُلُثَ الدَّنَانِيرِ فَدُونَ فَيَجُوزُ قِيَاسًا عَلَى مُرَاعَاةِ الثُّلُثِ فِي الِاتِّبَاعِ، وَقَوْلُهُ الْجَمِيعُ أَيْ ذُو الْجَمِيعِ، وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا ذَلِكَ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِخْبَارُ بِاسْمِ الذَّاتِ عَنْ اسْمِ الْمَعْنَى.
(تَنْبِيهٌ) :
كَمَا لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْبَيْعِ مَعَ الصَّرْفِ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْقَرْضِ وَالنِّكَاحِ وَالشَّرِكَةِ وَالْجُعْلِ وَمِنْهُ الْمُغَارَسَةُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْقِرَاضُ وَلَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ وَاحِدٍ مَعَ الْآخَرِ (ص) وَسِلْعَةٌ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ إنْ تَأَجَّلَ الْجَمِيعُ أَوْ السِّلْعَةُ أَوْ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ بِخِلَافِ تَأْجِيلِهِمَا أَوْ تَعْجِيلِ الْجَمِيعِ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى فَاعِلِ حَرُمَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُ سِلْعَةٍ لِشَخْصٍ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ حَيْثُ تَأَجَّلَتْ السِّلْعَةُ وَالدِّرْهَمَانِ مِنْ الْبَائِعُ وَالدِّينَارُ مِنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَصَرْفٌ تَأَخَّرَ عِوَضَاهُ أَوْ تَأَجَّلَتْ السِّلْعَةُ فَقَطْ إلَّا إلَى مِثْلِ خِيَاطَتِهَا أَوْ بَعَثَ مَنْ يَأْخُذُهَا وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ أَوْ تَأَجَّلَ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ الدِّينَارُ أَوْ الدِّرْهَمَانِ وَعُجِّلَتْ السِّلْعَةُ وَالنَّقْدُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ يَدُلُّ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِهِ فِي الصَّرْفِ، وَأَنَّهُ مَقْصُودٌ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَلَمْ تَحْصُلْ فِيهِ مُنَاجَزَةٌ وَتَأْجِيلُ بَعْضِ السِّلْعَةِ كَتَأْجِيلِهَا كُلِّهَا.
وَكَذَلِكَ تَأْجِيلُ بَعْضِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ كَتَأْجِيلِ أَحَدِهِمَا، وَأَمَّا إنْ تَعَجَّلَتْ السِّلْعَةُ فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّ السِّلْعَةَ لَمَّا عُجِّلَتْ عُلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْبَيْعُ فَلَمْ يَكُنْ صَرْفًا مُسْتَأْخَرًا لَكِنْ حَيْثُ كَانَ الْأَجَلُ فِي النَّقْدَيْنِ وَاحِدًا وَقَوْلُهُ إلَّا دِرْهَمَيْنِ أَيْ فَدُونَ، وَأَمَّا أَكْثَرُ مِنْ دِرْهَمَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ حِينَئِذٍ مُرَاعًى بِخِلَافِ الدِّرْهَمَيْنِ فَإِنَّهُمَا لِقِلَّتِهِمَا سُومِحَ فِيهِمَا وَعُلِمَ أَنَّ الصَّرْفَ غَيْرُ مُرَاعًى فَأُجِيزَ مَعَ تَأْجِيلِ النَّقْدَيْنِ مَعًا لِأَجَلٍ وَاحِدٍ وَتَعْجِيلِ السِّلْعَةِ وَإِذَا جَازَ تَعْجِيلُ السِّلْعَةِ فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ فَأَوْلَى بِالْجَوَازِ مَعَ تَعْجِيلِ الْجَمِيعِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِتَتْمِيمِ أَقْسَامِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا مَرَّ.
(ص) كَدَرَاهِمَ مِنْ دَنَانِيرَ بِالْمُقَاصَّةِ وَلَمْ يَفْضُلْ (ش) تَشْبِيهٌ فِي الْجَوَازِ مُطْلَقًا أَيْ حَالَ التَّأْجِيلِ وَحَالَ النَّقْدِ يَعْنِي
ــ
[حاشية العدوي]
لِاحْتِمَالِ إلَخْ لَا يَقْتَضِي التَّأْخِيرَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْجَهَالَةَ (قَوْلُهُ سَنَدٌ) هَذَا مُقَابِلٌ لِمَا قَبْلَهُ رَدًّا لَهُ أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ هَذَا مَا أَفَادَهُ بَهْرَامُ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَمُقَابِلُهُ يُفْسَخُ وَلَوْ فَاتَتْ ذَكَرَهُ بَهْرَامُ (قَوْلُهُ وَسَوَاءٌ تَبِعَ الْبَيْعُ الصَّرْفَ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ الثُّلُثَ (قَوْلُهُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ) وَمُقَابِلُهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ تَابِعًا لِلصَّرْفِ أَوْ الْعَكْسَ وَالتَّابِعُ الثُّلُثُ فَمَا دُونُ.
وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْيَسِيرِ مِثْلُ أَنْ يَصْرِفَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَيَعْجِزَ الدِّرْهَمُ أَوْ النِّصْفُ فَيَدْفَعَ لَهُ عَرْضًا بِقَدْرِهِ لِلضَّرُورَةِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الصَّرْفُ فِي الدِّينَارِ الْوَاحِدِ تَابِعًا الثُّلُثَ فَأَقَلَّ وَمُنِعَ عَكْسُهُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ تَابِعًا فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ.
(قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْأَشْيَاخِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ بِاسْمِ الذَّاتِ وَهُوَ الدِّينَارُ (قَوْلُهُ قِيَاسًا عَلَى مُرَاعَاةِ الثُّلُثِ فِي الِاتِّبَاعِ) أَيْ فِي اتِّبَاعِ الْعُلَمَاءِ الثُّلُثُ لِمَا هُوَ أَكْثَرُ كَمَا فِي قَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي وَإِنْ حَلَّى بِهِمَا لَمْ يَجُزْ بِأَحَدِهِمَا إلَّا إنْ تَبِعَا الْجَوْهَرَ وَلَوْ قَالَ فِي التَّبَعِيَّةِ لَكَانَ أَوْضَحَ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ تَابِعًا وَقَوْلُهُ عَنْ اسْمِ الْمَعْنَى وَهُوَ الْجَمِيعُ، وَإِنَّمَا كَانَ الْجَمِيعُ اسْمَ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ وَالْبَيْعُ وَالصَّرْفُ مَعْنَيَانِ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْقَرْضِ إلَخْ) ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ يَخْتَصُّ بِأَحْكَامٍ تُخَالِفُ مَا اخْتَصَّ بِهِ غَيْرُهُ فَتَنَافَيَا (قَوْلُهُ إلَّا دِرْهَمَيْنِ) أَيْ فَدُونَ، وَكَانَ الْأَوْلَى التَّنْبِيهَ عَلَى هَذَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ مَا دُونَهُمَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لِخِفَّةِ أَمْرِهِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَصَرْفٌ تَأَخَّرَ عِوَضَاهُ) أَوْ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ مُسْتَأْخِرٌ فِي الدِّرْهَمَيْنِ وَمَا قَابَلَهُمَا مِنْ الدِّينَارِ وَدَيْنٍ بِدَيْنٍ فِي السِّلْعَةِ وَمَا قَابَلَهَا مِنْ الدِّينَارِ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَبَيْعٌ مُعَيَّنٌ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ (قَوْلُهُ وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ) وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَكُنْ صَرْفًا مُسْتَأْخَرًا) وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ بَيْعُ مَا إذَا تَعَجَّلَ النَّقْدَيْنِ، وَتَأَخَّرَتْ السِّلْعَةُ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ كَالْجُزْءِ مِنْ النَّقْدَيْنِ كَانَ تَأْجِيلُهَا تَأْجِيلًا لِبَعْضِهِمَا، وَلَوْ تَقَدَّمَا مَعَ تَأْجِيلِهَا مِنْ بَيْعٍ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ (قَوْلُهُ حَيْثُ كَانَ الْأَجَلُ فِي النَّقْدَيْنِ وَاحِدًا) أَيْ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْأَجَلُ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ أَوْ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ.
(فَائِدَةٌ)
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَسِلْعَةٌ إلَخْ فِي قُوَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّقْيِيدُ لِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ دِينَارًا أَوْ يَجْتَمِعَا فِيهِ فَكَأَنَّهُ لَمَّا اسْتَثْنَى مِنْ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَخْ قِيلَ لَهُ فَهَلْ هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ فَأَجَابَ بِأَنَّ فِي أَفْرَادِهِ تَفْصِيلًا (قَوْلُهُ وَأَمَّا أَكْثَرُ مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ إلَخْ) وَأَمَّا بَيْعُهَا بِدِينَارٍ إلَّا رُبُعَهُ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ نِصْفَهُ فَهُوَ جَائِزٌ نَقْدًا وَمُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا بَيْعًا مَحْضًا (قَوْلُهُ كَدَرَاهِمَ مِنْ دَنَانِيرَ بِالْمُقَاصَّةِ) أَيْ بِشَرْطِ الْمُقَاصَّةِ وَلَا يَحْتَاجُ لِجَعْلِهَا بِمَعْنَى عَلَى؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ بَقَاؤُهَا عَلَى مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ فَالْأَوْلَى عَدَمُ الْعُدُولِ عَنْهُ قَالَهُ