للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَ السُّنَّةِ الْمَتْرُوكَةِ مَعَ الْقُرْبِ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ السُّنَنِ أَوْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَرَائِضِ مُسْتَحَبٌّ وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَغْسُولَاتِ تُكْرَهُ وَقِيلَ: تَحْرُمُ، وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ فِعْلُهَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ أَعَادَهَا، وَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَوْدَ لَيْسَ لَهُ ابْتِدَاءٌ وَلَا سَبْقٌ لِحَدِيثِ الْجَهَنَّمِيِّينَ عَادُوا حِمَمًا وَلَمْ يَكُونُوا قَبْلَ ذَلِكَ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى السُّنَنِ أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْفَضَائِلِ جَمْعُ فَضِيلَةٍ وَهِيَ مَا فِي فِعْلِهِ أَجْرٌ وَلَا إثْمَ فِي تَرْكِهِ فَقَالَ (ص) : وَفَضَائِلُهُ مَوْضِعٌ طَاهِرٌ وَقِلَّةُ مَاءٍ بِلَا حَدٍّ كَالْغُسْلِ (ش) يَعْنِي أَنَّ فَضَائِلَ الْوُضُوءِ أَيْ خِصَالَهُ وَأَحْوَالَهُ الْفَاضِلَةَ الَّتِي يُثَابُ عَلَى فِعْلِهَا وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَوْضِعٌ طَاهِرٌ فَلَا يُوقِعُ فِي مَوْضِعِ الْخَلَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ النَّجِسَةِ خَوْفَ الْوَسْوَسَةِ وَمِنْهَا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَمِنْهَا اسْتِشْعَارُ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِهِ وَمِنْهَا الْجُلُوسُ الْمُتَمَكِّنُ وَمِنْهَا الِارْتِفَاعُ عَنْ الْأَرْضِ لِئَلَّا يَتَطَايَرَ عَلَيْهِ مَا يَنْزِلُ عَلَى الْأَرْضِ وَمِنْهَا قِلَّةُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ مَعَ الْأَحْكَامِ وَالتَّعْمِيمُ بِلَا حَدٍّ بِسَيَلَانٍ أَوْ تَقْطِيرٍ عَنْ الْعُضْوِ لَا الْمَاءِ الْمُعَدِّ لِلْوُضُوءِ وَإِلَّا كَانَ تَارِكًا لِلْفَضِيلَةِ إذَا تَوَضَّأَ مِنْ بَحْرٍ مَثَلًا وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ وَالْغُسْلُ كَالْوُضُوءِ فِي اسْتِحْبَابِ كَوْنِهِ فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ وَتَقْلِيلِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِيهِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْقَرَوِيِّينَ وَنَقَلَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ.

(ص) وَتَيَمُّنُ أَعْضَاءٍ، وَإِنَاءٍ إنْ فَتَحَ وَبَدْءٌ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَشَفْعِ غَسْلِهِ وَتَثْلِيثِهِ (ش) أَيْ وَمِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ الْبَدْءُ بِيَمِينِ أَعْضَائِهِ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْجَنْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ دُونَ الْأُذُنَيْنِ وَالْخَدَّيْنِ وَالصُّدْغَيْنِ وَالْفَوْدَيْنِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ تَثْنِيَةُ فَوْدٍ جَانِبَا الرَّأْسِ لِاسْتِوَاءِ مَا ذُكِرَ فِي الْمَنَافِعِ فَلَمْ تُقَدَّمْ الْيُمْنَى مِنْ ذَلِكَ عَلَى يُسْرَاهُ وَمِنْ الْفَضَائِلِ أَنْ يَكُونَ الْإِنَاءُ عَلَى يَمِينِ الْمُتَوَضِّئِ إنْ كَانَ مَفْتُوحًا بِحَيْثُ يَتَّسِعُ بِإِدْخَالِ الْيَدِ فِيهِ كَالطَّشْتِ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِأَنَّهُ أَمْكَنُ، وَأَمَّا مَا كَانَ كَالْإِبْرِيقِ فَيُجْعَلُ عَلَى الْيَسَارِ لِيَصُبَّ الْمَاءَ بِيَسَارِهِ عَلَى يَمِينِهِ وَمِنْ الْفَضَائِلِ أَنْ يَبْدَأَ الْمُتَوَضِّئُ فِي مَسْحِ رَأْسِهِ بِمُقَدَّمِهِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلرَّأْسِ بِهَذَا الْحُكْمِ بَلْ جَمِيعِ أَعْضَائِهِ فَلَوْ بَدَأَ بِمُؤَخَّرِهِ أَوْ الذَّقَنِ أَوْ الْمِرْفَقَيْنِ أَوْ الْكَعْبَيْنِ وُعِظَ وَقُبِّحَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَالِمًا وَعَلِمَ الْجَاهِلُ وَلَوْ قَالَ وَبَدْءٌ بِأَوَّلِ أَعْضَائِهِ كَانَ أَشْمَلَ وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْأَوَّلُ عُرْفًا فَأَوَّلُ الْيَدَيْنِ عُرْفًا

ــ

[حاشية العدوي]

يَقُولُ: وَإِذَا أَتَى بِالْفَرْضِ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ فَقَدْ أَتَى بِالْوُضُوءِ.

(تَنْبِيهٌ) : إذَا غَسَلَ وَجْهَهُ وَقَدْ تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ مَثَلًا، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا قِيلَ يَتَمَادَى فَيَفْعَلُهُمَا بَعْدَ تَمَامِ وُضُوئِهِ وَقِيلَ يَرْجِعُ لِفِعْلِهَا وَلَا يُعِيدُ غَسْلَ الْوَجْهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَامِدًا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِفِعْلِهَا وَلَا يُعِيدُ غَسْلَ الْوَجْهِ (قَوْلُهُ: مَعَ الْقُرْبِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ ح (قَوْلُهُ: حِمَمًا إلَخْ) مُفْرَدُهُ حُمَمَةٌ وِزَانُ رُطَبَةٍ مَا أُحْرِقَ مِنْ خَشَبٍ وَنَحْوِهِ.

(قَوْلُهُ: الَّتِي يُثَابُ عَلَى فِعْلِهَا) هَذَا التَّعْرِيفُ غَيْرُ مَانِعٍ لِشُمُولِهِ السُّنَّةَ فَهُوَ تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْأَقْدَمِينَ، وَأَمَّا لَوْ عَرَّفَ تَعْرِيفًا مُسَاوِيًا لَقَالَ وَهِيَ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ وَخَفَّفَ أَمْرَهُ وَلَمْ يُؤَكِّدْهُ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَهِيَ مَا أُكِّدَ أَمْرُهُ وَأُعْظِمَ قَدْرُهُ (قَوْلُهُ: مَوْضِعٌ طَاهِرٌ إلَخْ) أَيْ إيقَاعُهُ فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ أَيْ طَاهِرٍ بِالْفِعْلِ وَشَأْنُهُ الطَّهَارَةُ فَيَخْرُجُ مَحَلُّ الْخَلَاءِ فَيُكْرَهُ الْوُضُوءُ فِيهِ وَلَوْ طَاهِرًا (قَوْلُهُ: وَقِلَّةُ) أَيْ وَتَقْلِيلُ (قَوْلُهُ: الْجُلُوسُ الْمُتَمَكِّنُ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ وَوَصْفُ الْجُلُوسِ بِالْمُتَمَكِّنِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَكِّنَ مِنْ صِفَاتِ الشَّخْصِ (قَوْلُهُ: بِلَا حَدٍّ بِسَيَلَانٍ) أَيْ عَنْ الْعُضْوِ، وَأَمَّا السَّيَلَانُ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إيعَابِ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ وَإِلَّا كَانَ مَسْحًا وَيُسَامَحُ لِلْمُوَسْوِسِ زِيَادَةً عَلَى عَادَةِ أَمْثَالِهِ وَلَيْسَ النَّاسُ فِي التَّقْلِيلِ سَوَاءً لِاخْتِلَافِ عَادَتِهِمْ إذْ مِنْهُمْ عَظِيمُ الْجِسْمِ الْكَثِيرُ الشَّعْرِ الْيَابِسُ الْبَشَرَةِ وَمِنْهُمْ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ فَاَلَّذِي يَكْفِي الثَّانِيَ لَا يَكْفِي الْأَوَّلَ وَقَوْلُهُ أَوْ تَقْطِيرٍ عَطْفٌ مُغَايِرٍ؛ لِأَنَّ التَّقْطِيرَ أَنْ يَنْزِلَ عَنْ الْعُضْوِ قَطْرَةً قَطْرَةً، وَأَمَّا السَّيَلَانُ عَنْهُ فَهُوَ أَنْ يَنْزِلَ عَنْ الْعُضْوِ كَالْخَيْطِ وَأَتَى بِذَلِكَ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ لَا بُدَّ أَنْ يَسِيلَ الْمَاءُ أَوْ يَقْطُرَ عَنْ الْعُضْوِ ذَكَرَهُ شب (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِيهِ) أَيْ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْغُسْلَ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَإِنَاءٍ إنْ فَتَحَ) لَا مَفْهُومَ لِإِنَاءٍ مَعَ قَيْدِ الِانْفِتَاحِ إذْ الْبَحْرُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَشَفَعَ غَسْلُهُ) وَلَا بُدَّ مِنْ تَخْلِيلٍ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالْمُسْتَحَبِّ وَيَنْوِي بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ الْفَضِيلَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ بَعْدَ أَنْ يَنْوِيَ بِالْأُولَى فَرْضَهُ وَقِيلَ: لَا يَنْوِي شَيْئًا مُعَيَّنًا وَيُصَمَّمُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ لِمُسْبَغَةٍ فَهُوَ فَضِيلَةٌ وَاسْتَظْهَرَهُ سَنَدٌ وَصَحَّحَهُ الْقَرَافِيُّ وَأَقُولُ وَهُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ: دُونَ الْأُذُنَيْنِ) أَيْ فَالتَّنْوِينُ فِي أَعْضَاءٍ لِلتَّعْظِيمِ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه: ٢٠] أَيْ الْأَعْضَاءُ الْعَظِيمَةُ الْمُحْتَاجُ لَهَا فِي التَّصَرُّفِ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِمَا فِي الْيَدِ الْيُمْنَى مِنْ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ وَوُفُورِ الْخَلْقِ وَالصَّلَاحِيَّةِ لِلْأَعْمَالِ مَا لَيْسَ فِي الْيَسَارِ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَاتَمَ يَضِيقُ فِيهَا وَيَتَّسِعُ فِي الْيَسَارِ (قَوْلُهُ: فَوْدٍ) بِلَا هَمْزٍ (قَوْلُهُ: لِاسْتِوَاءِ مَا ذُكِرَ) مُفَادُهُ أَنَّ الْجَنِينَ لَيْسَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ أَيْ فَيَحْمِلُ عَلَى الْجَنْبِ الْأَيْمَنِ مَا لَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْأَيْسَرِ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مَفْتُوحًا) بِحَيْثُ يَتَّسِعُ أَيْ إنَّ الْمُرَادَ بِالْمَفْتُوحِ الْوَاسِعُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَإِنَاءٍ إنْ وَسِعَ وَإِلَّا فَالْإِبْرِيقُ مَفْتُوحٌ وَفِي تَفْسِيرِ الشَّارِحِ الْمَذْكُورِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ فَتَحَ الْمَعْنَى عَلَى الْمُضِيِّ لَا الْمُسْتَقْبَلِ الْمُشْعِرِ بِهِ أَنَّ هَذَا فِي الْمُعْتَادِ أَوْ الْأَضْبَطِ أَمَّا الْأَعْسَرُ فَيَضَعُهُ عَلَى يَسَارِهِ.

(قَوْلُهُ: بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ) وَمُؤَخَّرِهِ بِفَتْحِ ثَانِيهِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ وَالْخَاءِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى مُقْدِمُ وَمُؤْخِرُ مُخَفَّفٌ وَالثَّالِثُ مَكْسُورٌ نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ (قَوْلُهُ: وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلرَّأْسِ) قَالَ فِي ك إنَّمَا خَصَّ الْمُصَنِّفُ الرَّأْسَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَخْفَى مُقَدَّمُهَا أَوْ لِأَجْلِ الْخِلَافِ فَفِي الْمَذْهَبِ قَوْلٌ بِأَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ (قَوْلُهُ: وَقُبِّحَ عَلَيْهِ) أَيْ لِيمَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ عُرْفًا) أَيْ لَا لُغَةً (قَوْلُهُ: فَأَوَّلُ الْيَدَيْنِ عُرْفًا) الظَّاهِرُ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يُوَافِقُونَ عَلَى ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>