بَيِّنَةٌ فِي الثَّوْبَيْنِ أَمْ لَا (ص) أَوْ ضَيَاعَ وَاحِدٍ ضَمِنَ نِصْفَهُ (ش) يَعْنِي إذَا ادَّعَى ضَيَاعَ وَاحِدٍ مِنْ الثَّوْبَيْنِ أَوْ الْقُرْطَيْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا، وَلَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ ضَمِنَ نِصْفَ الضَّائِعِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالضَّائِعِ هَلْ هُوَ الْمَبِيعُ أَوْ غَيْرُهُ فَأَعْمَلْنَا الِاحْتِمَالَيْنِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِي نِصْفِ الْبَاقِي لَا فِي جَمِيعِهِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ (ص) وَلَهُ اخْتِيَارُ الْبَاقِي أَوْ رَدُّهُ (ش) وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا ثُمَّ هُوَ فِيمَا يَخْتَارُهُ بِالْخِيَارِ كَمَا مَرَّ، وَأَوْرَدَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ لُزُومَ كَوْنِ الْمَبِيعِ ثَوْبًا وَنِصْفًا، وَلَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ إلَّا ثَوْبًا، وَأَجَابَ بَعْضٌ بِأَنَّهُ أَمْرٌ جَرَتْ إلَيْهِ الْأَحْكَامُ، وَبِمِثْلِ هَذَا يَقْتَنِعُ بِهِ فِي الْفُرُوعِ الظَّنِّيَّةِ انْتَهَى، وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي اخْتِيَارِ بَعْضِ الْبَاقِي ضَرَرَ الشَّرِكَةِ فَلَا يُرْتَكَبُ، وَقَوْلُهُ وَلَهُ اخْتِيَارُ الْبَاقِي أَيْ كُلِّ الْبَاقِي أَيْ وَلَهُ أَنْ لَا يَخْتَارَ شَيْئًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ النِّصْفَ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنَّمَا لَهُ اخْتِيَارُ الْبَاقِي حَيْثُ كَانَ زَمَنُ الْخِيَارِ بَاقِيًا، وَلَوْ قَالَ كُنْت اخْتَرْت هَذَا الْبَاقِي ثُمَّ ضَاعَ الْآخَرُ فَلَا يُصَدَّقُ وَيَضْمَنُ التَّالِفَ، وَأَمَّا إنْ قَالَ كُنْت اخْتَرْت التَّالِفَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ، وَهَلْ لَهُ اخْتِيَارُ الْبَاقِي أَمْ لَا أَوْ لَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ اُنْظُرْ فِي ذَلِكَ.
ثُمَّ شَبَّهَ فِي التَّشْرِيكِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ ضَمِنَ نِصْفَهُ مَسْأَلَةَ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ (ص) كَسَائِلٍ دِينَارًا فَيُعْطَى ثَلَاثَةً لِيَخْتَارَ فَزَعَمَ تَلَفَ اثْنَيْنِ فَيَكُونُ شَرِيكًا (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَهُ دِينَارٌ عَلَى شَخْصٍ دَيْنًا فَأَعْطَاهُ ثَلَاثَةً لِيَخْتَارَ مِنْهَا وَاحِدًا عَلَى أَنَّ لَهُ أَحَدَهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ ثُمَّ إنَّ الْقَابِضَ لِلثَّلَاثَةِ تَلِفَ مِنْهُ اثْنَانِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ فِي كُلِّ دِينَارٍ ثُلُثٌ فَيَكُونُ لَهُ فِي السَّالِمِ مِنْهَا ثُلُثٌ، وَعَلَيْهِ ثُلُثُ كُلٍّ مِنْ التَّالِفَيْنِ، وَسَوَاءٌ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى التَّلَفِ أَمْ لَا ثُمَّ إنَّهُ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا فَلَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ عَلَى الضَّيَاعِ لِيَبْرَأَ مِنْ ضَمَانِ الثُّلُثَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ ضَمِنَهُمَا أَيْضًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا أَوْ مُتَّهَمًا وَحَلَفَ عَلَى الضَّيَاعِ فَيُحْسَبُ لَهُ دِينَارٌ إنْ أَخَذَهُ قَضَاءً، وَيَكُونُ عَلَيْهِ إنْ أَخَذَهُ قَرْضًا، وَهَذَا إذَا أَخَذَهُ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ قَضَاءً أَوْ قَرْضًا كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ قَبَضَهَا لِيُرِيَهَا أَوْ يَزِنَهَا فَإِنْ وَجَدَ فِيهَا طِيبًا وَازِنًا أَخَذَهُ، وَإِلَّا رَدَّ جَمِيعَهَا فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنْ قَبَضَهَا لِتَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ حَتَّى يَقْتَضِيَ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَهَذَا يَضْمَنُ جَمِيعَهَا إلَّا أَنْ يُثْبِتَ الضَّيَاعَ، وَإِنْ ادَّعَى الدَّافِعُ عَلَيْهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي أَنَّهُ أَخَذَ وَاحِدًا بَعْدَمَا رَآهَا جِيَادًا أَوْ مَا أَخَذَهُ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ الْآخِذُ بِيَمِينِهِ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ فَزَعَمَ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ مِثْلُهُ مَا إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً بِالتَّلَفِ، وَقَوْلُهُ فَيَكُونُ شَرِيكًا تَصْرِيحٌ بِوَجْهِ الشَّبَهِ لِخَفَائِهِ لِأَنَّ وَجْهَ الشَّبَهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا خَفِيٌّ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ ضَائِعٌ لِأَنَّهُ اُسْتُفِيدَ مِنْ التَّشْبِيهِ.
وَقَوْلُهُ فَيَكُونُ شَرِيكًا أَيْ فِيمَا تَلِفَ، وَبَقِيَ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي، وَيَغْرَمُ فِيمَا ضَاعَ ثُلُثَيْ دِينَارٍ مِنْ كُلِّ دِينَارٍ ثُلُثَهُ، وَلَمَّا ذَكَرَ مِنْ شِرَاءِ الثَّوْبَيْنِ وَجْهَيْنِ، وَهُوَ اخْتِيَارٌ فَقَطْ أَوْ اخْتِيَارٌ، وَخِيَارٌ الدَّاخِلَيْنِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدَ ثَوْبَيْنِ كَمَا قَرَّرْنَا ذَكَرَ ثَالِثَ الْأَوْجُهِ، وَهُوَ الْخِيَارُ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ تَكْرَارًا مَعَ مَا مَرَّ فِي أَحْكَامِ الْخِيَارِ مِنْ قَوْلِهِ وَيَلْزَمُ بِانْقِضَائِهِ لِيَسْتَوْفِيَ أَقْسَامَ الثَّوْبَيْنِ الْمَذْكُورَةَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ (ص) وَإِنْ كَانَ لِيَخْتَارَهُمَا فَكِلَاهُمَا مَبِيعٌ، وَلَزِمَاهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَهُمَا بِيَدِهِ (ش) أَيْ وَإِنْ كَانَ اشْتِرَاءَ الثَّوْبَيْنِ عَلَى خِيَارِ التَّرَوِّي فِيهِمَا وَقَبَضَهُمَا لِيَخْتَارَهُمَا مَعًا أَوْ يَرُدَّهُمَا فَادَّعَى -
ــ
[حاشية العدوي]
ضَمَانٌ وَاحِدٌ فَقَطْ (قَوْلُهُ أَوْ ضَيَاعٌ وَاحِدٌ) اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ ضَمَانَهُ إنْ كَانَ لِلتُّهْمَةِ فَكَالتُّهْمَةِ فَكَأَنْ يَضْمَنَ جَمِيعَهُ لِاسْتِحَالَةِ تُهْمَتِهِ فِي نِصْفِهَا، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهَا لَمْ يَضْمَنْ نِصْفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ شَرْطَ اتِّحَادِ تُهْمَةِ ضَمَانِهِ كَوْنُهُ فِي مُشْتَرًى لَهُ، وَمُشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا مُبْهَمًا وَفُضَّ عَلَيْهِمَا وَكَانَ مُشْتَرَاهُ نِصْفَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَصَارَ كَثَوْبَيْنِ أَحَدُهُمَا مُشْتَرًى، وَالْآخَرُ وَدِيعَةٌ ادَّعَى تَلَفَهَا.
(قَوْلُهُ فَأَعْمَلْنَا الِاحْتِمَالَيْنِ) أَيْ اللَّذَيْنِ هُمَا قَوْلُهُ هَلْ هُوَ الْمَبِيعُ إلَخْ أَيْ فَمِنْ حَيْثُ احْتِمَالُ كَوْنِ الضَّائِعِ هُوَ الْمَبِيعُ غَرِمَ نِصْفَهُ، وَمِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ لَيْسَ هُوَ الْمَبِيعَ لَمْ يَغْرَمْ النِّصْفَ الْآخَرَ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ بَيَانُهَا أَيْ بَيَانُ تِلْكَ الصُّورَةِ (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ أَمْرٌ جَرَتْ إلَيْهِ الْأَحْكَامُ) أَيْ كَوْنُهُ لَهُ اخْتِيَارُ الْبَاقِي جَرَتْ إلَيْهِ الْأَحْكَامُ يُقَالُ وَمَا الْأَحْكَامُ الَّتِي جَرَتْ لِكَوْنِهِ لَهُ اخْتِيَارُ الْبَاقِي، وَهَلْ يَصِحُّ الْعُدُولُ لَهُ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ فَالْأَوْجَهُ الثَّانِي الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ وَأَيْضًا إلَخْ (قَوْلُهُ أَمْ لَا) أَيْ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ الْبَاقِي، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا فِي شَرْحِ شب (قَوْلُهُ أَوْ لَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ) اُنْظُرْ فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْيَمِينِ هُنَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ وَجْهُ الْيَمِينِ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ اخْتَارَ التَّالِفَ يُعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى سُنَنِ الِاسْتِقَامَةِ فَيُعَوَّضُ بِإِعْطَاءِ شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَخَفُّ مِنْ الْفَسَادِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ ثُلُثُ كُلٍّ) أَيْ وَضَاعَ عَلَيْهِ ثُلُثُ كُلٍّ إلَخْ (قَوْلُهُ لِيَبْرَأَ مِنْ ضَمَانِ الثُّلُثَيْنِ) أَيْ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَآلَ الْأَمْرُ أَنَّهُ إذَا بَقِيَ لَهُ فِي السَّالِمِ الثُّلُثُ وَضَاعَ عَلَيْهِ الثُّلُثُ مِنْ كُلٍّ مِنْ التَّالِفَيْنِ فَإِنَّهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يُطَالَبُ بِدِينَارِ الْقَرْضِ (قَوْلُهُ لِيَبْرَأَ مِنْ ضَمَانِ الثُّلُثَيْنِ) أَيْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّوْبَيْنِ الضَّائِعَيْنِ.
(قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَ مَا أَخَذَهُ إلَخْ) أَيْ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَ وَاحِدًا بَعْدَمَا أَخَذَ الَّذِي رَآهُ جَيِّدًا فَقَطْ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ رَآهَا كُلَّهَا جِيَادًا (قَوْلُهُ صُدِّقَ الْآخِذُ بِيَمِينِهِ) وَيَمِينُهُ أَنْ يَقُولَ تَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ آخُذَ مِنْهَا وَاحِدًا، وَمُرَادُ الدَّافِعِ يَضْمَنُهُ وَاحِدًا مِنْ الدَّنَانِيرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ وَجْهَ الشَّبَهِ) وَهُوَ مُطْلَقُ الشَّرِكَةِ، وَقَوْلُهُ خَفِيَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَوْجُودٌ إلَّا أَنَّهُ خَفِيَ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ ضَمِنَ نِصْفَهُ يَتَضَمَّنُ الشَّرِكَةَ فِي هَذَا الَّذِي حُكِمَ فِيهِ بِضَمَانِ النِّصْفِ (قَوْلُهُ وَيَغْرَمُ فِيمَا ضَاعَ ثُلُثَيْ دِينَارٍ) أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْ وَيَغْرَمُ بَدَلَ الَّذِي ضَاعَ فِي كُلِّ دِينَارٍ ثُلُثَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَدْفَعُ الدِّينَارَ بِتَمَامِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ لَهُ إلَّا ثُلُثَ السَّالِمِ فَقَطْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَرِمَ فِي الَّذِي ضَاعَ مِنْ كُلِّ دِينَارٍ الثُّلُثُ (قَوْلُهُ لِيَسْتَوْفِيَ أَقْسَامَ الثَّوْبَيْنِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى مَا حَلَّ بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يَشْمَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute