للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ وَنُدِبَ جَمْعُ مَاءٍ وَحَجَرٍ بِمَا ذُكِرَ وَالْمُرَادُ بِالْيَابِسِ هُنَا الْجَافُّ لَا مَا فِيهِ صَلَابَةٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِجْمَارِ وَالتَّيَمُّمِ فِي اخْتِصَاصِهِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ دُونَ غَيْرِهِ أَنَّ الِاسْتِجْمَارَ رُخْصَةٌ وَهِيَ تَعُمُّ وَالتَّيَمُّمُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا تَعُمُّ وَأَيْضًا الْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِجْمَارِ إزَالَةُ الْعَيْنِ وَهِيَ تُزَالُ بِكُلِّ جَامِدٍ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ، فَإِنَّهُ طَهَارَةٌ وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِطَهُورٍ وَجِنْسُ الْأَرْضِ مُطَهِّرٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» .

وَلَمَّا لَمْ يَعْتَبِرْ الْمُؤَلِّفُ مَفْهُومَ غَيْرِ الشَّرْطِ لُزُومًا أَخْرَجَ مَفَاهِيمَ الْأَوْصَافِ مِنْ الْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فَيَصْدُقُ حُكْمُ الْمُخْرَجِ بِالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَبَيَّنَهُ لَفًّا وَنَشْرًا مُرَتَّبًا فَقَالَ (ص) لَا مُبْتَلٍّ وَنَجِسٍ وَأَمْلَسَ وَمُحَدَّدٍ وَمُحْتَرَمٍ مِنْ مَطْعُومٍ وَمَكْتُوبٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجِدَارٍ وَرَوْثٍ وَعَظْمٍ (ش) أَيْ لَا يَسْتَجْمِرُ بِالْمُبْتَلِّ لِنَشْرِهِ النَّجَاسَةَ وَأَحْرَى الْمَائِعُ، وَإِنْ اسْتَجْمَرَ بِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ الْمَحَلِّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ، وَإِنْ صَلَّى عَامِدًا قَبْلَ غَسْلِهِ أَعَادَ أَبَدًا وَمَا قِيلَ فِي الْمُبْتَلِّ يُقَالُ فِي النَّجِسِ وَكَذَا لَا يَسْتَجْمِرُ بِالْأَمْلَسِ كَالزُّجَاجِ الَّذِي لَيْسَ بِمُحَرَّفٍ، وَأَمَّا الْمُحَرَّفُ مِنْهُ وَمِنْ الْقَصَبِ فَيَدْخُلُ فِي الْمُحَدَّدِ وَكَذَا لَا يَسْتَجْمِرُ بِالْمُحْتَرَمِ إمَّا لِطَعْمِهِ أَوْ لِشَرَفِهِ أَوْ لِحَقِّ الْغَيْرِ فَالْأَوَّلُ كَالْمَطْعُومِ وَلَوْ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالْعَقَاقِيرِ وَغَيْرِ الْخَالِصِ مِنْ النُّخَالَةِ وَالْمِلْحِ وَالْوَرَقِ الْمُنَشَّى وَالثَّانِي كَالْمَكْتُوبِ لِحُرْمَةِ الْحُرُوفِ وَلَوْ بَاطِلًا كَالسِّحْرِ وَلَوْ تَوْرَاةً، وَإِنْجِيلًا مُبَدَّلَةً لِمَا فِيهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَاؤُهُ لَا تُبَدَّلُ إنَّمَا الْبَاطِلُ مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ تَحْرِيفٍ وَكَذَا لَا يَسْتَجْمِرُ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَوْهَرٍ لِلسَّرَفِ وَكَذَا لَا يَسْتَجْمِرُ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ أَوْ وَقْفٍ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ وَيُكْرَهُ بِمِلْكِهِ لِإِهَانَةِ الْمَسْجِدِ وَالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَجْمِرَ فِي حَائِطٍ يَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْزِلُ الْمَطَرُ عَلَيْهِ أَوْ يُصِيبُهُ بَلَلٌ فَيَلْتَصِقُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بِجِدَارِهِ بَعْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ عَلَيْهِ فَتُصِيبُهُ النَّجَاسَةُ وَخَوْفًا مِنْ إذَايَةِ عَقْرَبٍ بِهِ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ أَوْ يُمْنَعُ الِاسْتِجْمَارُ بِرَوْثٍ وَعَظْمٍ طَاهِرَيْنِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَلَفُ دَوَابِّ الْجِنِّ وَالثَّانِي طَعَامُهُمْ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: وَهِيَ تَعُمُّ) فِيهِ أَنَّ الرُّخْصَةَ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ رُخْصَةٌ فِي الْفِعْلِ لَا فِي الْمَفْعُولِ بِهِ وَحَيْثُ كَانَتْ رُخْصَةً فِي الْفِعْلِ فَتَعُمُّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ أَصْبَغَ يَخُصُّ الِاسْتِجْمَارَ بِالْأَحْجَارِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ» فَقَصَرَ الِاسْتِجْمَارَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ لَا يَتَعَدَّى بِهَا مَا وَرَدَ وَقَاسَ الْمَشْهُورَ غَيْرَهَا مِنْ كُلِّ جَامِدٍ عَلَى الصِّفَةِ الْآتِيَةِ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ فِي الْفِعْلِ لَا فِي الْمَفْعُولِ بِهِ أَيْ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَهِيَ تَعُمُّ أَيْ الرُّخْصَةُ حَيْثُ كَانَتْ فِي الْفِعْلِ لَا فِي الْمَفْعُولِ بِهِ فَهِيَ تَعُمُّ حِينَئِذٍ فَتَدَبَّرَ أَيْ وَقَوْلُهُ: الْأَحْجَارُ مَفْهُومُهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْأَحْجَارَ لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ وُجُودًا (قَوْلُهُ: ضَرُورِيَّةٌ) أَيْ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَيْ فَهِيَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَا يُعْدَلُ عَمَّا وَرَدَتْ فِيهِ وَظَاهِرُ الشَّارِحِ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَيْسَ رُخْصَةً بَلْ عَزِيمَةٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ التَّيَمُّمَ رُخْصَةٌ وَحِينَئِذٍ فَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ أَنَّ الِاسْتِجْمَارَ، وَإِنْ كَانَ رُخْصَةً إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ ضَرُورِيَّةً فَلِذَلِكَ تُوُسِّعَ فِيهِ بِكُلِّ شَيْءٍ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ، فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ رُخْصَةً إلَّا أَنَّهُ ضَرُورِيَّةٌ فَلَمْ يُتَوَسَّعْ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَجِنْسُ الْأَرْضِ مُطَهِّرٌ) أَيْ لَا غَيْرُهُ (فَإِنْ قُلْت) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْأَرْضُ فِي قَوْلِهِ جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ لَقَبٌ وَمَفْهُومُهُ لَا يُعْتَبَرُ (قُلْت) يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَتَى عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ كَمَا هُنَا لَكِنْ يُقَالُ إنَّ الِاسْتِجْمَارَ أَيْضًا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لُزُومًا) أَفَادَ أَنَّهُ قَدْ يُعْتَبَرُ مَفْهُومُ غَيْرِ الشَّرْطِ لَكِنْ لَا لُزُومًا (قَوْلُهُ: مِنْ الْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ) فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الِاسْتِجْمَارِ فَيَكُونَ مَنْدُوبًا أَوْ مُرَادُهُ الِاقْتِصَارَ فَيَكُونَ خِلَافَ الْأَوْلَى.

(قَوْلُهُ: وَالْعَقَاقِيرِ) جَمْعُ عَقَّارٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ وَهُوَ عَطْفُ مُغَايِرٍ إنْ أُرِيدَ بِالْأَدْوِيَةِ الْمُرَكَّبَةَ مِنْ تِلْكَ الْعَقَاقِيرِ وَمِنْ غَيْرِهَا أَوْ مِنْهَا فَقَطْ (قَوْلُهُ: لِحُرْمَةِ الْحُرُوفِ) قَالَ اللَّقَانِيِّ إذَا كَانَتْ مَكْتُوبَةً بِالْعَرَبِيِّ وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَقَالَ عج سَوَاءٌ كَانَ الْكَتْبُ بِالْخَطِّ الْعَرَبِيِّ أَوْ بِغَيْرِهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْحَطَّابِ وَفَتْوَى النَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الدَّمَامِينِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ اخْتِصَاصُ الْحُرْمَةِ بِمَا فِيهِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّ مَا فِيهِ اسْمُ نَبِيٍّ كَذَلِكَ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ يَقْتَضِي أَنَّ الْحُرْمَةَ إنَّمَا هِيَ لِأَسْمَاءِ اللَّهِ فَيُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُ لِحُرْمَةِ الْحُرُوفِ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ آخِرَ الْعِبَارَةِ مَيْلٌ لِكَلَامِ الدَّمَامِينِيِّ وَهُوَ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ لِحُرْمَةِ الْحُرُوفِ نَعَمْ لَوْ قَالَ وَلِمَا فِيهِمَا لِتُنَاسِبَ الْكَلَامَ (قَوْلُهُ: وَأَسْمَاؤُهُ لَا تُبَدَّلُ) أَيْ إنَّ شَأْنَهُمْ لَا يُبَدِّلُونَ أَسْمَاءَ اللَّهِ (قَوْلُهُ: إنَّمَا الْبَاطِلُ مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ تَحْرِيفٍ) أَيْ إنَّ مَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْبَاطِلِ مَا حَرَّفُوهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِشَأْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(فَرْعٌ) اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ تِلْمِسَانَ فِي الْوَرَقِ الَّذِي يَجْعَلُهُ السَّفَّارُونَ فِي الْجُلُودِ هَلْ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ صِيَانَةٌ لَهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْآلَةِ فَهُوَ امْتِهَانٌ انْتَهَى (أَقُولُ) وَالثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ: لِلسَّرَفِ) بِالسِّينِ (قَوْلُهُ: فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ أَوْ وَقْفٍ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ) كَانَ مِنْ دَاخِلٍ أَوْ مِنْ خَارِجٍ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ بِمِلْكِهِ) ظَاهِرُهُ مِنْ دَاخِلٍ أَوْ خَارِجٍ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّقْلِ وَبَعْضُ الْأَشْيَاخِ قَصَرَهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مِنْ دَاخِلٍ وَإِلَّا حَرُمَ (وَأَقُولُ) يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْتِصَاقُ النَّاسِ بِهِ فَيَحْرُمُ وَإِلَّا كُرِهَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ) قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْكَافِي مَحَلُّ الْحُرْمَةِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَأَمَّا بِإِذْنِهِ فَيُكْرَهُ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ أَوْ يُمْنَعُ) أَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ لَا لِلتَّرَدُّدِ أَيْ يُكْرَهُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْحَطَّابُ أَوْ يُمْنَعُ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَلَفُ دِرَابِ الْجِنِّ) فَيَصِيرُ الرَّوْثُ شَعِيرًا أَوْ تِبْنًا أَوْ عَلَفًا (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي طَعَامُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ يُعَادُ بِأَوْفَرِ مَا كَانَ أَيْ يُعَادُ أَعْظَمَ مَا كَانَ مِنْ اللَّحْمِ ثُمَّ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>