مَا يَفْعَلُ بِالْمُلِدِّ الظَّالِمِ مِنْ الضَّرْبِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِحَقِّ الْوَلَدِ بَلْ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى رَدْعًا وَزَجْرًا وَصِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ
(ص) كَالْيَمِينِ إلَّا الْمُنْقَلِبَةَ، وَالْمُتَعَلِّقَ بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ (ش) التَّشْبِيهُ فِي الْحُكْمِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُحَلِّفُ أَبُوهُ إذَا وَجَبَ لَهُ قِبَلَهُ يَمِينٌ؛ لِأَنَّهُ عُقُوقٌ، وَلَا يَقْتَضِي لَهُ بِهِ إنَّ شَحَّ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَمَا يَأْتِي لِلْمُؤَلِّفِ فِي بَابِ الْحُدُودِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَهُ حَدُّ أَبِيهِ وَفِسْقٌ ضَعِيفٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُنْقَلِبَةً عَلَى الْأَبِ مِنْ الْوَلَدِ كَمَا إذَا وَجَبَتْ يَمِينٌ لِلْأَبِ عَلَى وَلَدِهِ فَرَدَّهَا عَلَى أَبِيهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ جُرْحَةً فِي حَقِّ الْوَلَدِ، أَوْ يَكُونَ الْحَقُّ مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِ الْوَلَدِ كَمَا إذَا ادَّعَى الْوَلَدُ أَنَّ صَدَاقَ ابْنَتَهُ ضَاعَ مِنْهُ، وَالزَّوْجُ يَطْلُبُهُ بِالْجِهَازِ، أَوْ ادَّعَى الْأَبُ إعَارَةَ الِابْنَةِ شَيْئًا مِنْ جِهَازِهَا قَبْلَ السَّنَةِ فَيَحْلِفُ الْوَالِدُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ جُرْحَةً فِي حَقِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لِلزَّوْجِ فِي التَّمَتُّعِ بِشُورَتِهَا.
(ص) وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ كَالْأَخَوَيْنِ، أَوْ الزَّوْجَيْنِ إنْ خَلَا (ش) أَنَّ الْأَخَوَيْنِ إذَا حُبِسَا مَعًا فِي حَقٍّ عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ خَلَا السِّجْنُ مِنْ الرِّجَالِ أَمْ لَا، وَمِثْلُهُمَا الْأَبَوَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَقَارِبِ وَكَذَلِكَ إذَا حُبِسَ الزَّوْجَانِ فِي دَيْنٍ فَطَلَبَ الْغَرِيمُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَطَلَبَ الزَّوْجَانِ أَنْ يَجْتَمِعَا فَذَلِكَ لَهُمَا إنْ كَانَ السِّجْنُ خَالِيًا، وَإِلَّا حُبِسَ الرَّجُلُ مَعَ الرِّجَالِ وَحُبِسَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ النِّسَاءِ فَقَوْلُهُ وَلَمْ يُفَرَّقْ يُقْرَأُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ بَيْنُ؛ لِأَنَّهَا تَتَصَرَّفُ عَلَى لُغَةٍ قَالَ تَعَالَى {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: ٩٤] بِرَفْعِ بَيْنَ فَأَوْقَعَهَا مُتَصَرِّفَةً وَبِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَفَاعِلُهُ عَائِدٌ عَلَى الْإِمَامِ، أَيْ: لَمْ يُفَرِّقْ الْإِمَامُ بَيْنَ مَا ذُكِرَ، أَيْ: لَمْ يُوجِبْ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا (ص) ، وَلَا يَمْنَعُ مُسَلِّمًا، أَوْ خَادِمًا بِخِلَافِ زَوْجَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَحْبُوسَ فِي الْحُقُوقِ لَا يُمْنَعُ فِيمَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسَلِّمُ أَمَّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُعَلِّمُهُ الْحِيلَةَ فِي خَلَاصِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُمْنَعُ، وَلَا يُمْنَعُ أَيْضًا مِمَّنْ يَخْدُمُهُ وَيُبَاشِرُهُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ صَحِيحًا، وَاَلَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ فِيمَنْ اشْتَدَّ مَرَضُهُ اُنْظُرْ الشَّارِحَ، وَقَوْلُهُ: مُسَلِّمًا مَفْعُولٌ ثَانٍ لِ يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ، أَيْ: لَا يَمْنَعُ الْقَاضِي الْمَحْبُوسَ مُسَلِّمًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ إذَا حُبِسَ فِي حَقٍّ فَإِنَّ زَوْجَتَهُ تُمْنَعُ مِنْ أَنْ تُقِيمَ عِنْدَهُ فِي السِّجْنِ بِقَدْرِ مَا يَجْتَمِعُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ السِّجْنِ التَّضْيِيقُ عَلَيْهِ حَتَّى يَدْفَعَ الْحَقَّ لِأَهْلِهِ إلَّا أَنْ تَشَاءَ الدُّخُولَ عَلَيْهِ فِي سِجْنِهِ لَهَا، أَيْ: إذَا سُجِنَ لَهَا وَلَوْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ وَقَوْلُنَا تُقِيمُ إلَخْ يُخْرِجُ مَا إذَا أَرَادَتْ السَّلَامَ عَلَيْهِ فَلَا تُمْنَعُ لِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ، وَلَا يَمْنَعُ مُسَلِّمًا لِشُمُولِهِ الزَّوْجَةَ
(ص) وَأُخْرِجَ لِحَدٍّ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَحْبُوسَ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ لِشَخْصٍ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ لِيُقَامَ عَلَيْهِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَدَّ الْقَتْلِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّكْمِلَةِ وَحِينَئِذٍ تُؤْخَذُ الدُّيُونُ مِنْ أَمْوَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا ضَاعَتْ عَلَى أَرْبَابِهَا، وَلَا يُقَالُ إذَا أُخْرِجَ لِحَدِّ الْقَتْلِ لَا يَعُودُ فَلَا يَصِحُّ دُخُولُ حَدِّ النَّفْسِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَوْلُهُ: لِعَوْدِهِ قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ
(ص) أَوْ ذَهَابِ عَقْلِهِ لِعَوْدِهِ (ش) ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَحْبُوسَ إذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِحَمِيلٍ وَلَعَلَّهُ بِالْوَجْهِ فَإِذَا عَادَ لَهُ عَقْلُهُ عَادَ إلَى سِجْنِهِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي حَبْسِهِ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ عِلْمِهِ (ص) وَاسْتُحْسِنَ بِكَفِيلٍ بِوَجْهِهِ لِمَرَضِ أَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَأَخِيهِ وَقَرِيبٍ جِدًّا لِيُسَلِّمَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَحْبُوسَ إذَا اشْتَدَّ مَرَضُ مَنْ ذُكِرَ فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ الْخُرُوجِ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهِ بِكَفِيلٍ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ يَعُودَ إلَى سِجْنِهِ فَقَوْلُهُ وَاسْتُحْسِنَ فِي نَقْلِ ابْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ قَالَ الْبَاجِيُّ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي وَهُوَ الْقِيَاسُ الْمَنْعُ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ فِي كَلَامِ
ــ
[حاشية العدوي]
احْتَجَّ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ بِمَالِهِ عَلَى سَيِّدِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ الضَّرْبِ وَغَيْرِهِ) ، أَيْ: مَا عَدَا السَّجْنَ أَيْ، وَالسَّجْنُ أَشَدُّ مِنْ الضَّرْبِ خُصُوصًا مَعَ دَوَامِهِ وَيُحْبَسُ الْأَبُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِلْإِضْرَارِ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: إلَّا الْيَمِينَ الْمُنْقَلِبَةَ) هَذَا يَشْمَلُ مَا إذَا ادَّعَى الْأَبُ عَلَى وَلَدِهِ حَقًّا فَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَيَرُدُّهَا عَلَى الْأَبِ وَمَا إذَا قَامَ لِلْوَلَدِ شَاهِدٌ عَلَى أَبِيهِ بِحَقٍّ وَلَمْ يَحْلِفْ مَعَ الشَّاهِدِ فَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى أَبِيهِ لَكِنْ تُقَيَّدُ الْأُولَى بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّعْوَى عَلَى الْوَلَدِ دَعْوَى اتِّهَامٍ، وَإِلَّا غَرِمَ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ، وَأَمَّا إنْ حَلَفَ الْأَبُ مَعَ شَاهِدٍ يُقِيمُهُ عَلَى ابْنِهِ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ تَحْلِيفِ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ: نَفْيًا وَإِثْبَاتًا) فَالنَّفْيُ عَدَمُ تَحْلِيفِ الْوَلَدِ لِأَبِيهِ، وَالْإِثْبَاتُ تَحْلِيفُهُ لِجَدِّهِ وَابْنِهِ، وَالْمُنَاسِبُ لِلِاسْتِثْنَاءِ النَّفْيُ.
(قَوْلُهُ: وَمَا يَأْتِي إلَخْ) ، أَيْ: وَالْيَمِينُ مِنْ مَعْنَى الْحَدِّ.
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُمَا الْأَبَوَانِ) ، أَيْ: إذَا حُبِسَ الْأَبُ مَعَ ابْنِهِ، أَوْ الْأُمُّ مَعَ وَلَدِهَا فَالْمَعْنَى إذَا حُبِسَ كُلٌّ مِنْ الْأَبَوَيْنِ مَعَ وَلَدِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُمْنَعُ مُسَلِّمًا) نَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْمَحْبُوسِ وَهُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ وَمُسَلِّمًا الْمَفْعُول الثَّانِي (قَوْلُهُ: اُنْظُرْ الشَّارِحَ إلَخْ) عِبَارَاتُهُمْ تَدُلُّ عَلَى اعْتِمَادِ التَّقْيِيدِ، وَقَوْلُهُ: لِعَوْدِهِ، أَيْ: أَخْرَجَ الْمَجْنُونَ وَيَسْتَمِرُّ خَارِجًا عَنْ الْحَبْسِ لِعَوْدِهِ وَلَيْسَ صِلَةً لِأَخْرَجَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ (قَوْلُهُ: وَقَرِيبٌ جِدًّا) يُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لِقَرِيبٍ، أَيْ: قُرْبًا جِدًّا، أَيْ: قَرِيبِ الْقَرَابَةِ كَمَا فِي النَّقْلِ لَا قَرِيبٌ بَعِيدٌ وَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِلْعُرْفِ وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لِمَرَضٍ، أَيْ: مَرَضًا جِدًّا، أَيْ: شَدِيدًا وَيُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ كَمَا قَالَ سَحْنُونَ فَإِنْ حَمَلَ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْآخَرِ، وَالْأَحْسَنُ رُجُوعُهُ لَهُمَا مَعًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْرُجُ لِجِنَازَةِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ مَعَ حَيَاةِ الْآخَرِ، وَلَا يَخْرُجُ لِجِنَازَتِهِمَا مَعًا كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ (قَوْلُهُ: فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ إلَخْ) وَحِينَئِذٍ فَيَتَّجِهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ الِاعْتِرَاضُ فِي تَرْكِ الْقِيَاسِ الَّذِي صَوَّبَهُ الْبَاجِيُّ، وَقَوْلُهُ: أَوْ الْمُرَادُ بِهِ اسْتِحْسَانٌ، أَيْ: أَوْ الْمُرَادُ تَرْجِيحُ شُيُوخِ غَيْرِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَنَحْوِهِمَا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُجَرَّدُ حِكَايَةِ مَا رَجَّحَهُ الْمَشَايِخُ غَيْرَ مُلْتَزَمٍ كَوْنُهُ رَاجِحًا، وَقَوْلُهُ: أَوْ هُمَا أَيْ، أَوْ يُحْتَمَلُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ الِاسْتِحْسَانُ الْمُقَابِلُ لِلْقِيَاسِ وَتَرْجِيحُ بَعْضِ الشُّيُوخِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute