وَلَا يَكُونُ إلَّا عَنْ إقْرَارٍ يَعْنِي أَنَّ مَنْ اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ شَيْئًا مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ مِنْ الطَّعَامِ فَصَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ مُؤَخَّرٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ إذْ بِاسْتِهْلَاكِهِ لَزِمَ الْمُسْتَهْلِكُ الْقِيمَةَ حَالَّةً فَأَخَذَ عَنْهَا مُؤَخَّرًا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ فَسْخَ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ فِي غَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ فِي جِنْسِهِ بِأَكْثَرَ فَلَوْ سَلِمَ الصُّلْحُ مِنْ ذَلِكَ جَازَ كَمَا إذَا صَالَحَهُ عَنْ ذَلِكَ بِدَرَاهِمَ حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ مِثْلِ قِيمَةِ الْمُسْتَهْلَكِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ بِدَنَانِيرَ حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ مِثْلِ قِيمَةِ الْمُسْتَهْلَكِ أَوْ أَقَلَّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَهْلَكُ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالشَّيْءِ الْمُصَالَحِ بِهِ أَيْ يُبَاعُ بِالذَّهَبِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ فِي بَلَدِ الِاسْتِهْلَاكِ إذْ حَاصِلُهُ أَنَّهُ أَنْظَرَهُ بِالْقِيمَةِ أَوْ حَطَّ مِنْهَا وَأَنْظَرَهُ بِبَاقِيهَا وَهُوَ حُسْنُ اقْتِضَاءٍ وَلَيْسَ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ الْمَمْنُوعِ.
وَقَوْلُهُ (ص) كَعَبْدٍ آبِقٍ (ش) تَشْبِيهٌ فِي الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّخْصَ إذَا غَصَبَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ فَأَبَقَ عِنْدَهُ وَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُ عَنْهَا بِعَرْضٍ مُؤَخَّرٍ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ فَإِنْ صَالَحَهُ عَنْهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قَدْرَ الْقِيمَةِ فَأَقَلَّ جَازَ لِأَنَّهُ أَخَّرَهُ بِالْقِيمَةِ وَهُوَ حُسْنُ اقْتِضَاءٍ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَيْعِ الْآبِقِ لِأَنَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ الْقِيمَةُ الَّتِي لَزِمَتْ الْغَاصِبَ بِالِاسْتِيلَاءِ وَلَيْسَتْ الْمُصَالَحَةُ عَنْ نَفْسِ الْآبِقِ وَإِلَّا مُنِعَ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى غَيْرِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بَيْعٌ وَبَيْعُ الْآبِقِ لَا يَجُوزُ.
(ص) وَإِنْ صَالَحَ بِشِقْصٍ عَنْ مُوضِحَتَيْ عَمْدٍ وَخَطَأٍ فَالشُّفْعَةُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الشِّقْصِ وَبِدِيَةِ الْمُوضِحَةِ (ش) صُورَتُهَا أَنَّ شَخْصًا أَوْضَحَ آخَرَ مُوضِحَتَيْنِ إحْدَاهُمَا صَدَرَتْ مِنْ الْجَانِي عَمْدًا وَالْأُخْرَى خَطَأً ثُمَّ صَالَحَهُ عَنْ ذَلِكَ بِشِقْصٍ مِنْ عَقَارٍ فِيهِ الشُّفْعَةُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الصُّلْحِ عِشْرُونَ مَثَلًا فَأَرَادَ الشَّرِيكُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ الشِّقْصَ أَيْ الْجُزْءَ الْمُصَالَحَ بِهِ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّ الشِّقْصَ يُقْسَمُ نِصْفَيْنِ نِصْفٌ فِي مُقَابَلَةِ الْمُوضِحَةِ الْعَمْدِ وَنِصْفٌ فِي مُقَابَلَةِ الْمُوضِحَةِ الْخَطَأِ فَيَدْفَعُ الشَّرِيكُ لِلْمَجْرُوحِ نِصْفَ قِيمَةِ الشِّقْصِ وَهُوَ عَشَرَةٌ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ الْمُقَابِلُ لِلْعَمْدِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ وَيَدْفَعُ لَهُ أَيْضًا دِيَةَ الْمُوضِحَةِ الْخَطَأِ وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ وَهُوَ خَمْسُونَ دِينَارًا لِأَنَّ مِنْ قَاعِدَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا أُخِذَ فِي مُقَابَلَةِ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ أَنَّهُ يُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا شَطْرَيْنِ لِلْمَعْلُومِ نِصْفُهُ وَلِلْمَجْهُولِ نِصْفُهُ.
(ص) وَهَلْ كَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَ الْجُرْحُ تَأْوِيلَانِ (ش) أَيْ وَهَلْ يُقْسَمُ مَا قَابَلَ الْمَعْلُومَ وَالْمَجْهُولَ نِصْفَيْنِ إنْ اخْتَلَفَ الْجُرْحُ كَنَفْسٍ وَيَدٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَوْ إنَّمَا يُقْسَمُ الشِّقْصُ عَلَى النِّصْفَيْنِ إذَا اسْتَوَى الْجُرْحَانِ كَالْمُوضِحَتَيْنِ وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فَيُجْعَلُ الشِّقْصُ عَلَى قَدْرِهِمَا فَيَتَحَاصَّانِ فِيهِ فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ وَبِثُلُثَيْ قِيمَةِ الشِّقْصِ إنْ كَانَ الْقَطْعُ هُوَ الْخَطَأُ وَالْقَتْلُ عَمْدًا وَفِي عَكْسِ ذَلِكَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِدِيَةِ النَّفْسِ وَبِثُلُثِ قِيمَةِ الشِّقْصِ تَأْوِيلَانِ وَعَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ إلَّا عَنْ إقْرَارٍ) إذْ عَلَى الْإِنْكَارِ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً فَالسَّلَفُ هُوَ التَّأْخِيرُ وَالْمَنْفَعَةُ هِيَ سُقُوطُ الْيَمِينِ الْمُنْقَلِبَةِ عَلَى الْمُدَّعِي بِتَقْدِيرِ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ حَلِفِهِ فَتَسْقُطُ مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْك (قَوْلُهُ مُؤَخَّرٍ) قَالَ فِي ك وُجِدَ عِنْدِي مَا نَصُّهُ وَمَفْهُومُ بِمُؤَخَّرٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الصُّلْحُ بِحَالٍّ جَازَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِكَوْنِهِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْمُسْتَهْلَكِ أَوْ مِثْلِهِ وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ التَّأْخِيرُ بِشَرْطٍ فَيُمْتَنَعُ وَلَوْ عَجَّلَهُ بَعْدُ كَمَا هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ (قَوْلُهُ فِي بَلَدٍ) فِي ك وَأَسْقَطَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَلَدٍ وَكَأَنَّهُ عِنْدَهُ طَرْدِيٌّ وَيَخْرُجُ بِهِ مَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَهْلَكُ ذَهَبًا فَأَعْطَى قِيمَتَهُ فِضَّةً مُؤَخَّرَةً فَأَقَلَّ أَوْ عَكَسَهُ لَمْ يَجُزْ لِلصَّرْفِ الْمُسْتَأْخَرِ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ وَيَخْرُجُ أَيْضًا مَا إذَا اسْتَهْلَكَ طَعَامًا مَكِيلًا فَلَزِمَهُ مِثْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهُ شَيْئًا مُؤَخَّرًا لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ إلَّا أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْفٍ طَرْدِيٍّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ النَّقْلِ.
(قَوْلُهُ تَشْبِيهٌ فِي الْحُكْمِ) أَيْ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ وَالْعِلَّةُ وَهِيَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَسْخُ دِيَةٍ فِي دِيَةٍ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ تَشْبِيهٌ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الْجَوَازُ وَعَدَمُهُ وَقَوْلُهُ وَالْعِلَّةُ وَهِيَ قَوْلُ الشَّارِحِ إذْ حَاصِلُهُ أَنَّهُ أَنْظَرَهُ إلَخْ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَوَازِ وَفَسَخَ الدِّيَةَ فِي الدِّيَةِ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ فَإِنْ صَالَحَهُ إلَخْ) فِي جَعْلِ الصُّلْحِ عَنْ الْقِيمَةِ بِدَنَانِيرَ قَدْرَ الْقِيمَةِ تَسَمُّحٌ فَإِنْ قُلْت يَقْدَحُ فِي كَوْنِهِ تَشْبِيهًا تَامًّا أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا اُعْتُبِرَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَهْلَكُ مِمَّا يُبَاعُ بِمَا وَقَعَ بِهِ الصُّلْحُ وَالْمُسْتَهْلَكُ هُنَا هُوَ الْعَبْدُ الْآبِقُ وَبَيْعُهُ غَيْرُ جَائِزٍ قُلْت يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا يُبَاعُ بِهِ مَا يَشْمَلُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ أَنْ لَوْ بِيعَ.
(قَوْلُهُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الشِّقْصِ) وَيَنْبَغِي أَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الصُّلْحِ.
(قَوْلُهُ وَهَلْ كَذَلِكَ) أَيْ فَتَكُونُ الشُّفْعَةُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الشِّقْصِ وَبِدِيَةِ الْخَطَأِ أَيْ أَوْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَيُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ دِيَتِهِمَا فِي الْخَطَأِ فَإِذَا جَنَى عَلَيْهِ فَقَطَعَ يَدَهُ مَثَلًا ثُمَّ قَتَلَهُ أَوْ قَتَلَ وَلَدَهُ أَوْ ابْنَهُ فَإِنْ كَانَتْ النَّفْسُ عَمْدًا وَالْيَدُ خَطَأً فَيُقَدَّرُ دِيَةُ النَّفْسِ أَلْفًا وَدِيَةُ الْيَدِ خَمْسَمِائَةٍ فَنِسْبَةُ دِيَةِ النَّفْسِ إلَيْهَا مَعَ دِيَةِ الْيَدِ الثُّلُثَانِ فَالشُّفْعَةُ حِينَئِذٍ بِثُلُثَيْ قِيمَةِ الشِّقْصِ وَبِدِيَةِ الْخَطَأِ وَبِالْعَكْسِ الْعَكْسُ (قَوْلُهُ وَهَلْ كَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَ الْجُرْحُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ عَلَى كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَوْ كَانَ الْقَطْعُ هُوَ الْخَطَأُ وَالْقَتْلُ عَمْدًا وَقِيمَةُ الدَّارِ عِشْرُونَ دِينَارًا فَإِنَّهُ يَدْفَعُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمْدِ وَيَدْفَعُ دِيَةَ الْيَدِ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ وَعَلَى مُقَابِلِهِ يُقَالُ دِيَةُ الْقَتْلِ لَوْ كَانَ خَطَأً أَلْفُ دِينَارٍ عَشَرَةُ مِائَةِ دِينَارٍ وَالْيَدِ خَمْسُمِائَةٍ فَإِنَّهُ يَضُمُّ الْخَمْسَمِائَةِ إلَى الْعَشَرَةِ مِائَةٍ فَيَصِيرُ أَلْفَ دِينَارٍ وَخَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ فَالْجُمْلَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَنِسْبَةُ الْعَشَرَةِ إلَيْهَا ثُلُثَانِ فَيَدْفَعُ الشَّفِيعُ ثُلُثَيْنِ مِنْ الْعِشْرِينَ فِي مُقَابَلَةِ الْقَتْلِ وَيَدْفَعُ دِيَةَ الْيَدِ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ وَمِثَالُ الْعَكْسِ يَدْفَعُ الشَّفِيعُ ثُلُثَ الْعِشْرِينَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ الْيَدِ وَأَلْفَ دِينَارٍ فِي مُقَابَلَةِ النَّفْسِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ غَيْرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَعَلَى قَوْلِهِ فِي هَذَا يَدْفَعُ عَشَرَةً فِي مُقَابَلَةِ الْيَدِ وَأَلْفَ دِينَارٍ فِي مُقَابَلَةِ النَّفْسِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute