الشَّيْخَيْنِ وَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ تَأْوِيلَانِ
(ص) وَلَوْ غَابَ نَقْدُ أَحَدِهِمَا أَنْ لَمْ يَبْعُدْ وَلَمْ يَتَّجِرْ لِحُضُورِهِ (ش) هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي جَوَازِ الشَّرِكَةِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ إنْ لَمْ يَبْعُدْ شَرْطٌ فِيهِ كَمَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ وَالشَّارِحِ وَلَيْسَتْ مُبَالَغَةً فِي لُزُومِهَا وَالْمَعْنَى أَنَّ شَرْطَ جَوَازِ الشَّرِكَةِ حَيْثُ غَابَ نَقْدُ أَحَدِهِمَا أَيْ أَوْ بَعْضُهُ إنْ تَقْرُبُ غَيْبَتُهُ وَأَنْ لَا يَتَّجِرَ إلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْحُضُورِ فَإِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ مُنِعَتْ الشَّرِكَةُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَّجِرُ إلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ وَكَذَا إنْ قَرُبْت غَيْبَتُهُ وَاتَّجَرَ قَبْلَ قَبْضِهِ هَذَا مَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ ثُمَّ إنَّ مَفْهُومَ كَلَامِهِ أَنَّ غَيْبَةَ النَّقْدَيْنِ لَيْسَتْ كَغَيْبَةِ أَحَدِهِمَا فَتَكُونُ كَغَيْبَةِ أَحَدِهِمَا مَعَ الْبُعْدِ وَالْمُرَادُ بِالْبُعْدِ مَا كَانَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ كَيَوْمَيْنِ فَإِنْ قُلْت وَقَعَ فِي الْمَوَّاقِ وَالشَّارِحِ تَقْيِيدُ الْبُعْدِ بِقَوْلِهِ جِدًّا قُلْت لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِالْبُعْدِ جِدًّا مَا يَمْتَنِعُ فِيهِ النَّقْدُ بِشَرْطٍ وَقَالَ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَبْعُدْ أَيْ جِدًّا وَانْظُرْ مَا حَدُّ الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ جِدًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا كَانَ عَلَى مَسَافَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ
(ص) لَا بِذَهَبٍ وَبِوَرِقٍ وَبِطَعَامَيْنِ وَلَوْ اتَّفَقَا (ش) عَطْفٌ عَلَى بِذَهَبَيْنِ يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَخْرَجَ ذَهَبًا وَأَخْرَجَ الْآخَرُ وَرِقًا فَإِنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَصِحُّ بِذَلِكَ وَلَوْ عَجَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا أَخْرَجَهُ لِصَاحِبِهِ لِاجْتِمَاعِ الشَّرِكَةِ وَالصَّرْفِ كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَلِكَ لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ أَيْضًا إنْ أَخْرَجَ هَذَا طَعَامًا وَهَذَا طَعَامًا وَكَانَا مُتَّفِقَيْنِ فِي الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَأَوْلَى إذَا اخْتَلَفَا وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِلَوْ لِخِلَافِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إجَازَتِهَا بِالْمُتَّفِقَيْنِ مِنْ الطَّعَامِ قِيَاسًا عَلَى الْعَيْنِ وَوَجَّهَ الْمَشْهُورَ بِأَوْجُهٍ أَظْهَرُهَا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنَّ فِيهِ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ بَاعَ نِصْفَ طَعَامِهِ بِنِصْفِ طَعَامِ صَاحِبِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ قَبْضٌ لِبَقَاءِ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى مَا بَاعَ فَإِذَا بَاعَا يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا بَائِعًا لِلطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَجْرِي فِيمَا إذَا حَصَلَ خَلْطُ الطَّعَامَيْنِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَسْتَمِرُّ طَعَامُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي ضَمَانِ بَائِعِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ مُشْتَرِيهِ وَقَبْضُهُ بِكَيْلِهِ وَتَفْرِيغِهِ فِي وِعَاءِ الْمُشْتَرِي أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا.
(ص) ثُمَّ إنْ أَطْلَقَا التَّصَرُّفَ وَإِنْ بِنَوْعٍ فَمُفَاوَضَةٌ (ش) أَيْ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ عَلِمْت حَقِيقَةَ الشَّرِكَةِ وَصِحَّتَهَا إذَا أَطْلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
الْعِلْمِ.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَّجِرْ) أَيْ انْتَفَى التَّجْرُ انْتِفَاءً مُنْتَهِيًا لِحُضُورِهِ (قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَتَّجِرَ إلَخْ) أَيْ دَخَلَا عَلَى عَدَمِ التَّجْرِ فَإِنْ دَخَلَا عَلَى التَّجْرِ مُنِعَ وَأَمَّا إنْ وَقَعَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ عَلَى تَجْرٍ وَلَا عَدَمِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا دَخَلَا عَلَى عَدَمِ التَّجْرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةُ (قَوْلُهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ كَيَوْمَيْنِ) الْكَافُ أَدْخَلَتْ الثَّالِثَ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالْبُعْدِ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَسَافَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَهَذَا تَقْرِيرٌ أَوَّلٌ وَسَيَأْتِي تَقْرِيرٌ آخَرُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ كَرِيمِ الدِّينِ (قَوْلُهُ تَقْيِيدُ الْبُعْدِ) أَيْ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ مَا كَانَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ كَيَوْمَيْنِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) أَيْ وَهُوَ مَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ فَلَمْ يُخَالِفْ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ مَا يَمْتَنِعُ فِيهِ النَّقْدُ بِشَرْطٍ) أَيْ فَإِذَا بَاعَ سِلْعَةً غَائِبَةً عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ بِشَرْطٍ (قَوْلُهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ) هَذَا مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ اعْتِمَادًا لِكَلَامِ الشَّيْخِ كَرِيمِ الدِّينِ وَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ حَمْلِ الْمَوَّاقِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حَمْلِ كَلَامِ الْمَوَّاقِ عَلَى الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ مُرْتَضِيًا لَهُ.
(قَوْلُهُ لَا بِذَهَبٍ وَبِوَرِقٍ) أَعَادَ حَرْفَ الْجَرِّ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ مِنْ كِلَا الْجَانِبَيْنِ مَعَ أَنَّهُ جَائِزٌ كَمَا مَرَّ لَكِنْ هَذَا التَّوَهُّمُ يَدْفَعُهُ قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ وَبِهِمَا مِنْهُمَا (قَوْلُهُ لِاجْتِمَاعِ الشَّرِكَةِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ هِيَ بَيْعُ مَالِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِمَا ذَهَبًا وَفِضَّةً وَأَمَّا الصَّرْفُ فَهُوَ بَيْعُ مَالِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ بِالنَّظَرِ لِخُصُوصِ كَوْنِ أَحَدِهِمَا فِضَّةً وَالْآخَرِ ذَهَبًا فَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ بَيْعَ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ هُوَ الشَّرِكَةُ وَالصَّرْفُ لَكِنْ يَخْتَلِفُ بِالِاعْتِبَارِ فَإِنْ نَظَرَ لِكَوْنِهِ مَالًا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ خُصُوصَ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَهُوَ شَرِكَةٌ وَإِنْ نَظَرَ لِخُصُوصِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَهُوَ صَرْفٌ فَإِنْ عَمِلَا فَلِكُلٍّ رَأْسُ مَالِهِ وَيَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ لِكُلِّ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ دِينَارٌ وَلِكُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمٌ وَكَذَلِكَ الْوَضِيعَةُ وَهَذَا إذَا اتَّفَقَ مَا أَخْرَجَاهُ (قَوْلُهُ أَظْهَرَهَا إلَخْ) الْأَوْجُهُ ثَلَاثَةٌ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ الْأَظْهَرَ وَنَذْكُرُ لَك غَيْرَهُ فَنَقُولُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ خَلْطِ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ ثَانِيهِمَا أَنَّ مَالِكًا إنَّمَا مَنَعَ ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بِالطَّعَامِ تَحْتَاجُ إلَى الْمُمَاثَلَةِ فِي الْكَيْلِ وَإِلَى اتِّفَاقِ الْقِيمَةِ وَهَذَا لَا يَكَادُ يَحْصُلُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ الَّذِي جَعَلَهُ أَظْهَرَ مَنْقُوضٌ بِالشَّرِكَةِ بِطَعَامِ أَحَدِهِمَا وَالدَّرَاهِمِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ بِطَعَامٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْعَرْضِ مِنْ الْآخَرِ وَقَدْ أَجَازَهُ فِي الْكِتَابِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّ يَدَ مُخْرِجِ الطَّعَامِ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ حَتَّى يُبَاعَ (قَوْلُهُ فَإِذَا بَاعَا إلَخْ) هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَسْتَمِرُّ طَعَامُ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الطَّعَامَ فِي ذَاتِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ صُورَةِ الشَّرِكَةِ يَسْتَمِرُّ فِي ضَمَانِ بَائِعِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا قُلْنَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ صُورَةِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ الشَّرِكَةِ الضَّمَانُ بِالْخَلْطِ وَأَمَّا فِي غَيْرِ الشَّرِكَةِ إذَا بَاعَ لَهُ إرْدَبًّا مُخْتَلِطًا بِإِرْدَبَّيْنِ ثُمَّ ضَاعَ الْمَبِيعُ فَإِنَّ ضَمَانَهُ مِنْ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِ بَائِعِهِ (قَوْلُهُ وَقَبَضَهُ بِكَيْلِهِ) هَذَا هُوَ مَحَطُّ الْعِلَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَجْرِي فِيمَا إذَا حَصَلَ خَلْطُ الطَّعَامَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ قَبْضُ الطَّعَامِ بِتَفْرِيغِهِ أَوْ كَيْلِهِ وَالْمُرَادُ بِالْقَبْضِ فِي قَوْلِهِمْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ الْقَبْضُ بِالْكَيْلِ وَتَفْرِيغُهُ فِي أَوْعِيَةِ الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا قُلْنَا مَحَطُّ التَّعْلِيلِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ الَّذِي يُعْقَلُ فِي الشَّرِكَةِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا مَا قَبْلَهُ فَلَا كَمَا عُلِمَ (قَوْلُهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا) أَيْ كَأَنْ أَخَذَ أَوْعِيَةَ الْبَائِعِ وَتَصَرَّفَ فِيهَا لِبَيْتِهِ.
(قَوْلُهُ فَمُفَاوَضَةٌ) بِفَتْحِ الْوَاوِ كَمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَوْ بِكَسْرِهَا كَمَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٌ أَيْ فَهِيَ مُفَاوَضَةٌ أَيْ فَهِيَ شَرِكَةُ مُفَاوَضَةٍ وَالْجُمْلَةُ جَوَابُ الشَّرْطِ لِأَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ مُفْرَدًا وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَفْوِيضِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَالَ لِصَاحِبِهِ أَوْ لِشُرُوعِهِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute