للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَخَرَجَ بِهِ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ الْمُطْلَقَةِ كَمَا إذَا مَلَكَ الْعَبْدُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ وَوَهَبَهَا إيَّاهُ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِعَارِيَّةٍ وَيَخْرُجُ الْحَبْسُ لِأَنَّ فِيهِ مِلْكَ الِانْتِفَاعِ لَا الْمَنْفَعَةِ وَقَوْلُهُ لَا بِعِوَضٍ يُخْرِجُ بِهِ الْإِجَارَةَ وَأَمَّا حَدُّهَا اسْمًا فَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَالٌ ذُو مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ مُلِكَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ انْتَهَى وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَعَارُ وَمَا بِهِ الْعَارِيَّةُ وَالْمُؤَلِّفُ ابْتَدَأَ بِحُكْمِهَا فَقَالَ (ص) صَحَّ وَنُدِبَ إعَارَةُ مَالِكٍ مَنْفَعَةً (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ مَلَكَ مَنْفَعَةً يَصِحُّ مِنْهُ وَيُنْدَبُ لَهُ الْإِعَارَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: ٧٧] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَعَارَ وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى النَّدْبِ وَإِنْ كَانَ النَّدْبُ يَسْتَلْزِمُ الصِّحَّةَ لَا الْعَكْسَ لِأَجْلِ الْمُخْرِجَاتِ الْآتِيَةِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِيُفِيدَ حُكْمَهَا بِالْأَصَالَةِ وَلِيَجْمَعَ بَيْنَ الْقُيُودِ وَالْمُخْرِجَاتِ الْآتِيَةِ وَقَوْلُهُ (ص) بِلَا حَجَرٍ (ش) مُتَعَلِّقٌ بِمَالِكٍ لَا بِصَحَّ وَلَا بِنُدِبَ، وَإِنَّ صَحَّ وَنُدِبَ يَتَنَازَعَانِ فِي إعَارَةٍ فَالْمَعْنَى أَنَّ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ بِلَا حَجْرٍ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِعَارَةُ وَتُنْدَبُ لَهُ وَقَوْلُهُ (ص) وَإِنْ مُسْتَعِيرًا (ش) مُبَالَغَةٌ فِي صِحَّةِ الْإِعَارَةِ مِنْهُ لَا فِي نَدْبِهَا مِنْهُ إذْ لَا يُنْدَبُ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ بِإِعَارَةٍ أَنْ يُعِيرَ وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ وَقَدْ ذَكَرَهُ تت وَقَوْلُهُ بِلَا حَجْرٍ شَرْعِيٍّ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَلَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ بِالْأَعْوَاضِ وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي نَحْوِ الْعَارِيَّةِ إلَّا مَا كَانَ اسْتِئْلَافًا لِلتِّجَارَةِ وَأَمَّا مَا كَثُرَ فَلَا أَوْ جَعْلِيٍّ مِنْ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ إذَا مَنَعَهُ مِنْ الْإِعَارَةِ لَا يُعِيرُ فَلَا يُرِيدُ حَجْرَ الْمَالِ وَلَا فَرْقَ فِي الْحَجْرِ الْجَعْلِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا أَوْ بِقَرِينَةٍ

ــ

[حاشية العدوي]

دَارًا فَقَدْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِحَيْثُ يَجُوزُ لَهُ كِرَاؤُهَا وَمَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مِلْكِ الِانْتِفَاعِ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ كَمَا إذَا وُقِفَتْ بُيُوتٌ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ لِلسُّكْنَى فَإِنَّهُمْ مَلَكُوا انْتِفَاعَهَا أَيْ بِأَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَمْلِكُوا مَنْفَعَتَهَا بِحَيْثُ يُكْرُونَهَا (قَوْلُهُ وَوَهَبَهَا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَلَكَ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ) أَيْ وَلَيْسَ بِعَارِيَّةٍ وَانْظُرْ هَلْ يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ أَوْ يَجُوزُ وَإِذَا قِيلَ بِالْجَوَازِ فَهَلْ تِلْكَ الْهِبَةُ سَارِيَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَتَكُونُ تِلْكَ الْهِبَةُ سَارِيَةً عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ عَيْبًا يُوجِبُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ وَثَمَرَةُ الشِّرَاءِ أَوْ الْبَقَاءِ تَحْتَ الْمِلْكِ حِينَئِذٍ أَخْذُ مَالِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ انْتِزَاعُهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَحَرِّرْ ذَلِكَ فَإِنِّي مَا رَأَيْتُهُ.

(قَوْلُهُ وَيَخْرُجُ الْحَبْسُ لِأَنَّ فِيهِ مِلْكَ الِانْتِفَاعِ إلَخْ) فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ مَا قَالَهُ ظَاهِرٌ فِي بَعْضِ جُزْئِيَّاتِ الْحَبْسِ كَمَا إذَا حَبَسَ دُورًا عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ لِلسُّكْنَى فَقَطْ وَلَا يَشْمَلُ مَا إذَا حَبَسَ دَارًا عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ لِسُكْنَاهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ أَوْ إجَارَتِهَا وَأَخْذِ أُجْرَتِهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا فَهَذَا حَبْسٌ فِيهِ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ فَيَخْرُجُ مِنْ تَعْرِيفِهِ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ يَخْرُجُ بِهِ الْإِجَارَةُ) أَيْ وَالْكِرَاءُ لِأَنَّ كُلًّا بِعِوَضٍ وَأُورِدَ عَلَى تَعْرِيفِ ابْنِ عَرَفَةَ مَا إذَا اكْتَرَى رَجُلٌ دَارًا سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ وَارِثًا فَإِنَّ بِإِرْثِهِ ذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَلَكَ مَنْفَعَةً مُؤَقَّتَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ وَأَجَابَ بِأَنَّ عُمُومَ نَفْيِ الْعِوَضِ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ يُخْرِجُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِعِوَضٍ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْمَيِّتِ اهـ.

وَأُورِدَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا خُرُوجُ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ أَعَارَهُ مَعَ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَبْسَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُؤَقَّتًا وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُؤَبَّدًا (قَوْلُهُ ابْتَدَأَ الْحُكْمَ) أَرَادَ بِهِ النَّدْبَ الْمَلْزُومَ لِلصِّحَّةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهَا لِأَنَّهَا إحْسَانٌ {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٣٤] وَيَعْرِضُ وُجُوبُهَا كَغَنِيٍّ عَنْهَا لِمَنْ يَخْشَى بِعَدَمِهَا هَلَاكَهُ، وَحُرْمَتُهَا لِكَوْنِهَا تُعِينُهُ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَكَرَاهَتُهَا لِكَوْنِهَا تُعِينُهُ عَلَى مَكْرُوهٍ وَتُبَاحُ لِغَنِيٍّ عَنْهَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ كَرَاهَتِهَا فِي حَقِّهِ اهـ. قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ بَابَا وَلَوْ قَالَ وَتُبَاحُ لِغَنِيٍّ عَنْهَا فِي الْحَالِ وَلَكِنْ بِصَدَدِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا ثَانِيًا لَانْتَفَى النَّظَرُ

(قَوْلُهُ صَحَّ) الْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ الِانْعِقَادُ فَيَخْرُجُ إعَارَةُ الْفُضُولِيِّ مِلْكَ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ كَهِبَتِهِ وَوَقْفِهِ وَسَائِرِ مَا أَخْرَجَهُ عَلَى غَيْرِ عِوَضٍ لَا عَلَى عِوَضٍ كَبَيْعِهِ فَمُنْعَقِدٌ يَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى رِضَا مَالِكِهِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَعَارَ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ (قَوْلُهُ لِأَجْلِ الْمُخْرِجَاتِ الْآتِيَةِ) فَإِنَّهَا مُخْرِجَةٌ مِنْ الصِّحَّةِ لَا مِنْ النَّدْبِ وَإِلَّا لَتُوُهِّمَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ لِيُفِيدَ حُكْمَهَا بِالْأَصَالَةِ) قَدْ عَرَفْت أَنَّهُ النَّدْبُ وَقَوْلُهُ وَلِيَجْمَعَ بَيْنَ الْقُيُودِ الَّتِي هِيَ مَالِكٌ مَنْفَعَةً بِلَا حَجْرٍ وَقَوْلُهُ بِلَا حَجْرٍ إلَخْ أَخْرَجَ بِهِ إعَارَةُ السَّفِيهِ وَالصَّبِيِّ وَكَذَا أَخْرَجَ إعَارَةَ الْمَرِيضِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ كَالْفُضُولِيِّ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ الْمَفْهُومِ إعَارَةُ الزَّوْجَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ ثُمَّ الَّذِي يُنْظَرُ لِكَوْنِهِ قَدْرَ الثُّلُثِ أَوْ أَكْثَرَ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ الْمُعَارَةِ لَا قِيمَةَ ذِي الْمَنْفَعَةِ أَفَادَهُ فِي ك (قَوْلُهُ وَإِنَّ صَحَّ وَنُدِبَ يَتَنَازَعَانِ إلَخْ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُعْمِلْ وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَوْ أَعْمَلَ وَاحِدًا لَأَضْمَرَ فِي الْآخَرِ فَيَقُولُ صَحَّتَا وَنُدِبَ وَحَرِّرْهُ (قَوْلُهُ إذْ لَا يُنْدَبُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ النَّدْبِ صَادِقٌ بِالْكَرَاهَةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ فَيُكْرَهُ لِلْمُسْتَعِيرِ ثَوْبًا أَوْ كِتَابًا إعَارَتُهُ لِغَيْرِهِ وَكَذَا إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ

وَالصِّحَّةُ لَا تُنَافِي الْكَرَاهَةَ (قَوْلُهُ وَبِهِ يُعْلَمُ إلَخْ) عِبَارَةُ تت وَإِعَارَةُ فَاعِلُ صَحَّ لَا نَائِبُ نُدِبَ فَلَا تَصِحُّ مِنْ عَبْدٍ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا سَفِيهٍ وَلَا مَجْنُونٍ الْبِسَاطِيُّ وَجْهُ تَعْيِينِ كَوْنِهِ فَاعِلَ صَحَّ أَنَّهُ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ بِالْأَصَالَةِ وَأَيْضًا بِلَا حَجْرٍ إنَّمَا هُوَ قَيْدٌ فِي الصِّحَّةِ لَا فِي النَّدْبِ وَأَيْضًا قَوْلُهُ وَإِنْ مُسْتَعِيرًا كَذَلِكَ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ بَلْ الْخِلَافُ هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا اهـ.

وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ إعَارَةُ تَنَازَعَهُ صَحَّ وَنُدِبَ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَتِمُّ مَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ مِنْ تَعَيُّنِ كَوْنِ إعَارَةُ فَاعِلَ صَحَّ (قَوْلُهُ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ) أَيْ وَحَجْرِ الْعَبْدِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ إعَارَتُهُ كَمَرِيضٍ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ (قَوْلُهُ فَلَا يُرِيدُ حَجْرَ الْمَالِ) أَيْ فَقَطْ بَلْ أَرَادَ حَجْرَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>