مُبَاحًا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَسْحَ هُنَا مُبَاحٌ وَوَاجِبٌ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ إذْ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ قَدْ يَكُونُ لَهُ جِهَتَانِ يَتَّصِفُ بِالْإِبَاحَةِ مِنْ جِهَةٍ وَبِالْوُجُوبِ مِنْ جِهَةٍ كَمَا فِي الْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَتَّصِفُ بِالْإِبَاحَةِ لِفِعْلِهِ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَبِالْوُجُوبِ لِكَوْنِهِ تُؤَدَّى بِهِ الْعِبَادَةُ الْمَخْصُوصَةُ فَقَدْ وَقَعَ وَاجِبًا وَمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ الْمُبَاحَ إنَّمَا هُوَ الِانْتِقَالُ فَقَدْ يُقَالُ عَلَيْهِ الَّذِي يَتَّصِفُ بِالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهَا إنَّمَا هُوَ الْمَفْعُولُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ قَصَرَ رُخْصَةِ الْمَسْحِ عَلَى الرَّجُلِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُضْطَرُّ إلَى أَسْبَابِهِ غَالِبًا نَصَّ هُنَا عَلَى التَّعْمِيمِ فَقَالَ (ص) لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ (ش) أَيْ لِذَكَرٍ وَأُنْثَى فَيَشْمَلُ الْمُكَلَّفَ وَغَيْرَهُ وَتَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (وَإِنْ مُسْتَحَاضَةً) مُلَازَمَةَ الدَّمِ لَهَا أَكْثَرَ أَوْ مُسْتَوِيَةً أَوْ دَائِمَةً لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الرُّخْصَتَيْنِ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ حُكْمًا، وَالْمَعْرُوفُ جَوَازُ الْمَسْحِ بِحَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (بِحَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ) وَقِيلَ بِالسَّفَرِ خَاصَّةً وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ الْحَضَرَ عَلَى السَّفَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ اهْتِمَامًا بِأَمْرِهِ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ دُونَ السَّفَرِ وَكَأَنَّهُ اقْتَدَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١٢] فَقَدَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْوَصِيَّةَ عَلَى الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ آكَدَ مِنْهَا اهْتِمَامًا بِأَمْرِهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَعْهُودَةً فِي الشَّرْعِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ وَهَا هُنَا لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي السَّفَرِ كَالدَّيْنِ الْمَعْلُومِ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ وَقَوْلُهُ بِحَضَرٍ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِرُخِّصَ أَوْ بِمَسَحَ وَهَذَا أَوْلَى (ص) مَسْحُ جَوْرَبٍ جِلْدٍ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ (ش) هَذَا نَائِبُ فَاعِلِ رُخِّصَ بِتَضْمِينِهِ أُبِيحَ أَوْ أُجِيزَ وَإِلَّا فَرُخِّصَ إنَّمَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ بِفِي وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ الْمُرَخَّصَ فِيهِ يُتَعَدَّى إلَيْهِ بِفِي وَالْمُرَخَّصُ لَهُ يَتَعَدَّى بِاللَّامِ كَقَوْلِهِ رَخَّصْت لِزَيْدٍ فِي كَذَا عَنْ كَذَا أَيْ رُخِّصَ فِي مَسْحِ جَوْرَبٍ وَهُوَ مَا كَانَ عَلَى شَكْلِ الْخُفِّ مِنْ قُطْنٍ أَوْ نَحْوِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
أَيْ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَنْوِي بِهِ أَدَاءَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ مَسَحَ الْخُفَّيْنِ وَلَمْ يَقْصِدْ إلَّا مُجَرَّدَ الْمَسْحِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكْفِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْصِدَ نِيَّةَ الْفَرْضِيَّةِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْوُضُوءِ إلَخْ) فَنَقُولُ هُنَا الْمَسْحُ مُبَاحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ فِعْلَهُ وَلَهُ تَرْكُهُ وَالْغُسْلُ وَاجِبٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ كَمَا فِي الْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ: وَمَا يُقَالُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِبَاحَةِ غَيْرُ مَحَلِّ الْوُجُوبِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الَّذِي يَتَّصِفُ بِالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ إنَّمَا هُوَ الْمَفْعُولُ هَكَذَا قَالَهُ شَارِحُنَا تَبَعًا لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ ثُمَّ إنَّ الْأَشْيَاخَ قَدِيمًا يَعْتَرِضُونَ تِلْكَ الْعِبَارَةَ وَيَقُولُونَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا هُوَ الْفِعْلُ لِقَوْلِ ابْنِ السُّبْكِيّ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ أَيْ وَالِانْتِقَالُ لَيْسَ بِفِعْلٍ لِلْمُكَلَّفِ (وَأَقُولُ) تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْفِعْلَ تَارَةً يُطْلَقُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَتَارَةً بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ وَمَرْجِعُ الْأَوَّلِ إلَى تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ بِالْمَقْدُورِ وَإِنْ شِئْت قُلْت إلَى مُقَارَنَةِ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ بِالْمَقْدُورِ وَكَالْحَرَكَةِ، وَمَرْجِعُ الثَّانِي إلَى الْحَرَكَةِ فَالْحَرَكَةُ هِيَ الْفِعْلُ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ هِيَ الْمُكَلَّفُ بِهِ عَلَى مَا قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ وَهَذَا لَيْسَ بِمَحَلِّ تَحْقِيقٍ لِذَلِكَ وَالْفِعْلُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى مَفْعُولُ الْعَبْدِ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ مُتَعَلَّقُ قُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَفْعُولٌ فَصَدَقَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ وَإِنَّمَا هُوَ الْمَفْعُولُ وَلَا يُنَافِي مَا قَالَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ لِمَا قُلْنَا فَافْهَمْ فَالتَّعْبِيرُ بِتِلْكَ الْعِبَارَةِ يَدُلُّ عَلَى دِقَّةِ الشَّارِحِ وَدِقَّةِ مَنْ تَبِعَهُ (قَوْلُهُ: أَسْبَابِهِ) أَيْ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَنَحْوِهِمَا أَيْ يُضْطَرُّ إلَى أَسْبَابِهِ وَفِي عِبَارَةِ تَبْيِينِ الْأَسْبَابِ بِقَوْلِهِ مِنْ شُغُلٍ وَخَوْفِ فَوَاتِ رُفْقَةٍ (قَوْلُهُ: نَصَّ هُنَا عَلَى التَّعْمِيمِ) أَيْ لِدَفْعِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ وَتَوْطِئَةً فَقَوْلُهُ وَتَوْطِئَةً مَعْطُوفٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ (قَوْلُهُ: فَيَشْمَلُ الْمُكَلَّفَ وَغَيْرَهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الشُّمُولَ لِلْمُكَلَّفِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ (قَوْلُهُ: مُلَازَمَةُ الدَّمِ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ أَكْثَرُ خَبَرٌ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ) عِلَّةٌ لِلْمُعَلَّلِ وَهُوَ التَّنْصِيصُ عَلَى التَّعْمِيمِ مَعَ عِلَّتِهِ وَهِيَ التَّوْطِئَةُ أَيْ عِلَّتُهُ الْمَعْطُوفَةُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ) عِلَّةٌ لِلْجَمْعِ إلَخْ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ لَا يَكُونُ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ نَاقِضًا لِوُضُوئِهَا فَهِيَ طَاهِرَةٌ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ مِنْ ذَلِكَ الدَّمِ إلَّا أَنَّهَا طَهَارَةٌ غَيْرُ حَقِيقِيَّةٍ بَلْ حُكْمِيَّةٌ فَإِذَنْ تَكُونُ صَلَاتُهَا بِالدَّمِ رُخْصَةً وَلَوْ كَانَتْ طَهَارَةً حَقِيقَةً لَانْتَفَتْ الرُّخْصَةُ فَلَوْ أَبَحْنَا لَهَا مَسْحَ الْخُفَّيْنِ وَهُوَ رُخْصَةٌ لَاجْتَمَعَ لَهَا الرُّخْصَتَانِ فَيُتَوَهَّمُ عَدَمُ الْجَمْعِ فَبَالَغَ لِدَفْعِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ وَأَنَّهُ يُسَوَّغُ لَهَا الْجَمْعُ هَذَا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ حَقِيقَةً فَاعْلَمْ وَالرُّخْصَةُ مُتَحَقِّقَةٌ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ قَالَ الشَّيْخُ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى ك وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُلَازَمَتُهُ لَهَا أَقَلَّ فَيُنْقَضُ الْوُضُوءُ وَلَا رُخْصَةَ وَتَكُونُ كَغَيْرِهَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهَا رُخْصَتَانِ انْتَهَى (أَقُولُ) بِحَمْدِ اللَّهِ وَيُعْقَلُ وُجُودُ الرُّخْصَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ طَلَبِ الصَّلَاة مِنْهَا مَعَ وُجُودِ الدَّمِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ لَوْ كَانَ حَيْضًا أَنْ يَمْنَعَ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَعْهُودَةً فِي الشَّرْعِ) لَمْ يُرِدْ بِالشَّرْعِ شَرْعَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ أَرَادَ بِهِ مُطْلَقَ الشَّرْعِ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَمْ تَكُنْ مَعْهُودَةً فِي الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِأَنَّهَا مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَيْ فَلَمْ تَكُنْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مَعْلُومَةً عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ أَيْ مِنْ الْأُمَمِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ فِي الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ فَظَهَرَ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ احْتِبَاكًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَوْلَى) إنَّمَا كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ التَّرْخِيصَ الصَّادِرَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ تَجْوِيزَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا بَلْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا فَالظَّاهِرُ الْحَصْرُ فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُتَعَيِّنًا لَا أَوْلَى قُلْت يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِرُخِّصَ بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ الشَّارِعَ سَهَّلَ لِلْإِنْسَانِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَضَرِ أَوْ فِي السَّفَرِ أَنْ يَمْسَحَ (قَوْلُهُ: وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى إلَخْ) لَمَّا كَانَتْ الْعِبَارَةُ الثَّانِيَةُ أَتَمَّ فَائِدَةً مِنْ الْأُولَى ذَكَرَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute