للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحْجَارِ الْأَرْضِ مَعَ تَسْوِيَةِ حُرُوفِهَا وَتَعْدِيلِ أَرَاضِيِهَا، وَأَمَّا تَحْوِيطُ الْأَرْضِ وَيُسَمَّى بِالتَّحْجِيرِ وَرَعْيِ كَلَئِهَا وَإِزَالَةِ الشَّوْكِ وَنَحْوِهِ عَنْهَا وَحَفْرِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ فِيهَا لَا يَكُونُ إحْيَاءً لِلْأَرْضِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا ذَلِكَ وَانْظُرْ لَوْ فُعِلَ فِي الْأَرْضِ هَذِهِ الْأُمُورُ جَمِيعُهَا هَلْ يَكُونُ إحْيَاءً لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ لَا يَحْصُلُ بِهِ إحْيَاءً أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُهَا كَذَلِكَ لِقُوَّةِ الْهَيْئَةِ الْمُجْتَمِعَةِ عَنْ حَالَةِ الِانْفِرَادِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَمْ لَا.

(ص) وَجَازَ بِمَسْجِدٍ سُكْنَى لِرَجُلٍ تَجَرَّدَ لِلْعِبَادَةِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْكُنَ فِي الْمَسْجِدِ لِأَجْلِ تَجَرُّدِهِ لِلْعِبَادَةِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَتَعْلِيمِ عِلْمٍ وَتَعَلُّمِهِ وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ الْغَيْرُ الْمُتَجَرِّدِ لِلْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِلْمَسْجِدِ عَمَّا حُبِسَ لَهُ وَصَرَّحَ بَعْضٌ بِالْكَرَاهَةِ مَعَ عَدَمِ التَّجَرُّدِ وَبِالْحُرْمَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ وَإِنْ تَجَرَّدَتْ لِلْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهَا تَحِيضُ وَلِأَنَّهَا قَدْ يَشْتَهِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَتَنْقَلِبُ الْعِبَادَةُ مَعْصِيَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ سَاقِطَةٍ لَهَا لَاقِطَةٌ.

(ص) وَعَقْدُ نِكَاحٍ وَقَضَاءُ دَيْنٍ وَقَتْلُ عَقْرَبٍ وَنَوْمٌ بِقَائِلَةٍ وَتَضْيِيفٌ بِمَسْجِدِ بَادِيَةٍ وَإِنَاءٌ لِبَوْلٍ إنْ خَافَ سَبْعًا (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُ النِّكَاحِ أَيْ: مُجَرَّدُ إيجَابٍ وَقَبُولٍ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ قَضَاءُ الدَّيْنِ الشَّرْعِيِّ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّجْرِ وَالصَّرْفِ وَإِلَّا كُرِهَ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ قَتْلُ الْعَقْرَبِ فِي الْمَسْجِدِ أَرَادَتْهُ أَمْ لَا وَمِثْلُهَا الْفَأْرُ وَالثُّعْبَانُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ النَّوْمُ فِي الْقَائِلَةِ لِلْمُسَافِرِ وَلِلْمُقِيمِ فِي مَسْجِدِ الْبَادِيَةِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُنْزِلَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي بِالْبَادِيَةِ الضِّيفَانَ وَيُطْعِمَهُمْ الطَّعَامَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ شَأْنُ تِلْكَ الْمَسَاجِدِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغُرَبَاءَ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَأْوًى يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَأْوُوا إلَى الْمَسَاجِدِ وَيَبِيتُوا فِيهَا وَيَأْكُلُونَ فِيهَا مَا أَشْبَهَ التَّمْرَ مِنْ الطَّعَامِ الْجَافِّ. اهـ. فَقَوْلُهُ بِمَسْجِدِ بَادِيَةٍ رَاجِعٌ لَهُمَا وَيُجْعَلُ الْمَاءُ الْعَذْبُ فِي الْمَسَاجِدِ وَكَانَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِمَنْ الْتَجَأَ إلَى الْمَبِيتِ بِالْمَسْجِدِ أَنْ يَتَّخِذَ إنَاءً يَبُولُ أَوْ يَتَغَوَّطُ فِيهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْهُ فِي اللَّيْلِ لِأَجْلِ الْبَوْلِ أَوْ غَيْرِهِ يَفْتَرِسُهُ الْأَسَدُ أَوْ غَيْرُهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سَبْقًا قَبْلَ خُرُوجِهِ أَيْ: بِالْقَافِ بَدَلَ الْعَيْنِ ثُمَّ إنَّ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ حُرْمَةِ الْمُكْثِ بِالنَّجِسِ فِي الْمَسْجِدِ لِلضَّرُورَةِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْإِنَاءُ مِمَّا يُرَشِّحُ كَالْفَخَّارِ

ــ

[حاشية العدوي]

أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا فِعْلُهُمَا مَعًا عَلَى ظَاهِرِ الْمُصَنَّفِ وَإِلَّا لَأَدْخَلَ الْبَاءَ عَلَى تَحْرِيكِ أَرْضٍ وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يُسْتَغْنَ يُفِيدُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِوَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ مُفَادُ شَرْحِ شب فَإِنَّهُ قَالَ: وَتَحْرِيكُ أَرْضٍ هُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ؛ إذْ حَقِيقَةُ الْحَرْثِ تَحْرِيكُ الْأَرْضِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَرْثِ حَقِيقَتَهُ وَهُوَ كَوْنُهُ بِالْآلَةِ الْمَخْصُوصَةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ وَهُوَ التَّحْرِيكُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيكَ يَشْمَلُ الْحَرْثَ وَالزَّرْعَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِحَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهٍ تَنَاقَضَتْ فِيهِ الْعِبَارَةُ.

(قَوْلُهُ حُرُوفِهَا) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ وَالْوَاقِعُ فِي كَلَامِ عِيَاضٍ حُزُونِهَا بِالزَّايِ وَالنُّونِ وَهُوَ مَا غَلُظَ مِنْ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ لَا يَكُونُ إحْيَاءً لِلْأَرْضِ) أَيْ: مَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِلْكِيَّةَ فَإِنْ بَيَّنَهَا فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِحَفْرِهَا الْإِحْيَاءُ وَمِثْلُ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ بِئْرُ السِّقَايَةِ بِأَنْ حَفَرَهَا لِشُرْبِ النَّاسِ (قَوْلُهُ وَانْظُرْ إلَخْ) وَكَذَا التَّنْظِيرُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهَا وَقَدْ يُقَالُ حُكْمُهُمْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ لَا يُفِيدُ الْإِحْيَاءَ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ اثْنَيْنِ يَكُونُ بِهِ الْإِحْيَاءُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ سَاقِطَةٍ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَلَوْ مُسِنَّةً (قَوْلُهُ أَيْ: مُجَرَّدُ إيجَابٍ وَقَبُولٍ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ شُرُوطٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ كُسْوَةٍ أَوْ مَهْرٍ أَوْ بِكَثِيرِ كَلَامٍ أَوْ رَفْعِ صَوْتٍ وَإِلَّا كُرِهَ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ (قَوْلُهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّجْرِ وَالصَّرْفِ) وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّجْرِ بِأَنْ دَفَعَ الْمَدِينُ بَدَلَ دَيْنِهِ عَرْضًا قَاصِدًا بِذَلِكَ التَّجْرَ لِاقْتِضَاءِ دَيْنِهِ أَوْ أَخَذَ بَدَلَ ذَهَبٍ فِضَّةً قَاصِدًا بِذَلِكَ الصَّرْفَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ، وَأَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ الْقَصْدِ بَلْ قَصَدَ اقْتِضَاءَ الدَّيْنِ فَلَا كَرَاهَةَ هَذَا مَا فَتَحَ بِهِ الْمَوْلَى تَعَالَى وَعِبَارَةُ تت وَمِثْلُهَا فِي شب وَاضِحَةٌ وَقَضَاءُ دَيْنٍ أَيْ: إذَا كَانَ يَسِيرًا وَإِلَّا كُرِهَ وَلِذَا قَيَّدَ الْبِسَاطِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِمَا إذَا كَانَ يَسِيرًا يَخِفُّ مَعَهُ الْوَزْنُ أَوْ يُعَدُّ (قَوْلُهُ وَفِي الْقَائِلَةِ) الْمُرَادُ بِهَا النَّهَارُ فَلَوْ قَالَ نَهَارًا لَكَانَ أَشْمَلَ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا أُحِبُّ لِذِي مَنْزِلٍ مَبِيتَهُ بِهِ وَسَهُلَ بِهِ لِلضَّيْفِ وَمَنْ لَا مَنْزِلَ لَهُ.

(قَوْلُهُ فِي مَسْجِدِ الْبَادِيَةِ) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْبَادِيَةِ هَلْ ظَاهِرُهُ أَوْ مَا يَشْمَلُ الرِّيفَ لَكِنَّ قَوْلَ مَالِكٍ وَذَلِكَ شَأْنُ تِلْكَ الْمَسَاجِدِ يَدُلُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ مَسَاجِدَ الْأَرْيَافِ شَأْنُهَا ذَلِكَ كَذَا فِي ك، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَسَاجِدِ الْبَادِيَةِ قَطْعًا، وَأَمَّا مَسَاجِدُ الْحَاضِرَةِ فَيُكْرَهُ النَّوْمُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَيَبِيتُوا فِيهَا) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ بِحَذْفِ النُّونِ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَجِدُوا مَأْوًى وَلَوْ بِأُجْرَةٍ يَسُوغُ لَهُمْ وَلَوْ فِي مَسَاجِدِ الْحَاضِرَةِ لَا خُصُوصِ الْبَوَادِي (قَوْلُهُ وَيَأْكُلُونَ فِيهَا مَا أَشْبَهَ التَّمْرَ إلَخْ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ مَا إذَا أَتَى بِسُفْرَةِ جِلْدٍ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ التَّقْدِيرِ (قَوْلُهُ أَنْ يَتَّخِذَ إنَاءً إلَخْ) فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إنَاءً بَالَ فِيهِ وَتَغَوَّطَ وَإِنْ لَمْ يُضْطَرَّ لِلنَّوْمِ فِيهِ قَالَ عج يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْتَكِبَ مَا هُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا فَمَتَى كَانَ إذَا بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ فِي صَدْرِ الْمَسْجِدِ يَكْثُرُ ضَرَرُهُ بِالنَّاسِ وَإِذَا بَالَ بِغَيْرِهِ يَقِلُّ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَبُولَ بِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ إذَا عَلِمَ إلَخْ) حَمْلُ الْخَوْفِ عَلَى الْعِلْمِ لَا يُخْفِي أَنَّهُ مَعَ الْعِلْمِ يَجِبُ وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ وَيُسْتَفَادُ مِنْ بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ عِنْدَ الظَّنِّ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَيُقَدِّمُ ثَوْبًا مَعَهُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لِلُبْسِهِ وَلَا يُفْسِدُهُ عَلَى أَرْضِ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ كَانَ يُفْسِدُهُ الْغَسْلُ لَمْ يَفْعَلْ وَلَا يَجِبُ، وَكَذَا الْغَرِيبُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُدْخِلُ دَابَّتَهُ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُدْخِلُهَا فِي الْمَسْجِدِ.

(قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْإِنَاءُ مِمَّا يُرَشِّحُ أَمْ لَا) إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّا يُرَشِّحُ بِحَيْثُ يُنَجِّسُ الْمَسْجِدَ وَوُجِدَ غَيْرُهُ فَالْوَاجِبُ اتِّخَاذُ الْغَيْرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا هُوَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>