وَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ فَجَائِزٌ كَمَا قَالَ هُنَاكَ أَيْضًا لَا بِكَحَلَقَ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ فَالْهَتْفُ الصِّيَاحُ أَيْ الْإِعْلَامُ بِمَوْتِهِ أَيْ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ بَابِهِ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ رَفْعُ الصَّوْتِ كَمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْعَلَمِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ مَا لِلْعَلَمِ وَرَفْعَ الصَّوْتِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَفَعَهُ لِأَجْلِ التَّبْلِيغِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ التَّلْبِيَةُ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمِنًى وَرَفْعُ صَوْتِ الْمَرَابِطِ بِالتَّكْبِيرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ اُنْظُرْ الْمَوَّاقَ.
وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ وَقِيدُ النَّارِ فِي الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَكُنْ لِتَجْمِيرِهَا أَوْ لِلِاسْتِصْبَاحِ وَالْوَقِيدُ الْفِعْلُ نَفْسُهُ وَالْوَقُودُ بِالْوَاوِ بَعْدَ الْقَافِ الْآلَةُ الَّتِي تُحْرَقُ مِنْ حَطَبٍ وَنَحْوِهِ وَفِي الْقُرْآنِ {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: ٦] وَنُسْخَةُ حُلُولُو وَوَقُودٌ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ دُخُولُ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَجْلِ نَقْلِ حِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْهُ أَوْ إلَيْهِ خَوْفَ أَنْ تَبُولَ فِيهِ وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى بَأْسًا بِدُخُولِ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ لِكَوْنِ أَرْوَاثِهَا طَاهِرَةً؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَافَ عَلَى بَعِيرٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا الدُّخُولُ لِغَيْرِ النَّقْلِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ فَضْلَتُهُ طَاهِرَةً؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ مَا حُبِسَتْ لَهُ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَّخِذَ فِي الْمَسْجِدِ فَرْشًا يَجْلِسُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي الْخُشُوعَ وَالتَّوَاضُعَ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ مَالِكٌ يُوَسِّعُ فِي اتِّخَاذِ الْمُصَلَّيَاتِ وَالْخُمُرِ فِي الْمَسْجِدِ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُتَوَقَّى بَرْدُ الْأَرْضِ وَالْحَصْبَاءِ بِالْحَصِيرِ وَالْمُصَلَّيَاتِ وَفَرْوَةٍ وَنَحْوِهَا فَقَوْلُهُ وَفَرْشٌ أَوْ مُتَّكَأٌ هُمَا مَرْفُوعَانِ عَطْفٌ عَلَى نَائِبِ فَاعِلِ كُرِهَ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ فِي الْمَسْجِدِ فَمَكْرُوهٌ وَقِيلَ جَائِزٌ مَا لَمْ تَكُنْ أَعْضَاؤُهُ مُتَنَجِّسَةً وَإِلَّا حَرُمَ وَيَجُوزُ قَفْلُ الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ.
وَلَمَّا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ مِنْ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ يَعْقُبُونَ الْإِحْيَاءَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْمِيَاهِ وَأَقْسَامِهَا وَعَلَى الْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَالْكَلَأِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ تَبِعَهُمْ الْمُؤَلِّفُ وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى أَقْسَامِ الْمِيَاهِ فَقَالَ:
(ص) وَلِذِي مَأْجَلٍ وَبِئْرٍ وَمِرْسَالِ مَطَرٍ كَمَاءٍ يَمْلِكُهُ مَنْعُهُ وَبَيْعُهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ صَاحِبَ الْمَأْجَلِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ الصِّهْرِيجُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُجْعَلُ لِأَجْلِ حَوْزِ الْمَاءِ وَأَنَّ صَاحِبَ الْبِئْرِ وَأَنَّ صَاحِبَ مِرْسَالِ الْمَطَرِ وَهُوَ مَكَانُ جَرَيَانِهِ وَأَنَّ صَاحِبَ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ لَهُ مَنْعُ ذَلِكَ مِنْ الْغَيْرِ وَلَهُ بَيْعُهُ لِمَنْ شَاءَ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَمْنَعَ الشِّرْبَ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ الْغَدِيرِ يَكُونُ فِي أَرْضِهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَمِرْسَالٌ مِفْعَالٌ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ وَهِيَ غَيْرُ شَرْطٍ فَلَوْ قَالَ وَرَسَّالٍ لِيَكُونَ مِنْ بَابِ النَّسَبِ كَتَمَّارٍ نِسْبَةً لِبَيْعِ التَّمْرِ كَانَ أَوْلَى أَيْ: صَاحِبِ إرْسَالِ الْمَطَرِ وَهُوَ مَنْ حَلَّ مَاءُ الْمَطَرِ فِي أَرْضِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ بِمِلْكٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَ الْبِئْرِ وَالْمَأْجَلِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يَنْقُصُ بِالِاغْتِرَافِ وَلَا يَخْلُفُهُ غَيْرُهُ أَوْ يَخْلُفُهُ غَيْرُهُ كَالْبِئْرِ وَقَوْلُهُ كَمَاءٍ يَمْلِكُهُ أَيْ: فِي آنِيَةٍ كَجَرَّةٍ أَوْ قِرْبَةٍ أَوْ قَصْعَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ وَحِينَئِذٍ فَحَصَلَ التَّغَايُرُ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ وَقَوْلُهُ وَلِذِي مَأْجَلٍ إلَخْ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَقَوْلُهُ مَنْعُهُ وَبَيْعُهُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ.
(ص) إلَّا مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَهُ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك» (قَوْلُهُ كَمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ رَفْعُ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقْصِرَهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِالْعِلْمِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ وَفِي ك، وَأَمَّا رَفْعُ الْقُرَّاءِ أَصْوَاتَهُمْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ (قَوْلُهُ مَا لِلْعِلْمِ وَرَفْعَ الصَّوْتِ) رَفْعَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى النَّفْيِ أَيُّ حَالَةٍ حَسَنَةٍ أَوْ أَيُّ ثَوَابٍ ثَبَتَ لِلْعِلْمِ مَعَ رَفْعِ الصَّوْتِ أَيْ: لَا حَالَةً حَسَنَةً فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْمُرَادُ بِالرَّفْعِ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ إسْمَاعِ الْمُخَاطَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَبِيُّ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الدُّخُولُ لِغَيْرِ النَّقْلِ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ لِأَجْلِ وَقَوْلُهُ وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى بَأْسًا إلَخْ أَيْ: بِدُخُولِهَا لِلنَّقْلِ فَالْكَلَامُ كُلُّهُ فِي النَّقْلِ، وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَسُوقَهُ اسْتِشْكَالًا؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ النَّقْلِ وَقَدْ قَالَ: وَأَمَّا الدُّخُولُ لِغَيْرِ النَّقْلِ إلَخْ (قَوْلُهُ فِي اتِّخَاذِ الْمُصَلَّيَاتِ) الْمُصَلَّيَاتُ جَمْعُ مُصَلًّى أَيُّ شَيْءٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ يَخْشَى بَرْدَ الْأَرْضِ فَيَكُونُ كَلَامُ ابْنِ حَبِيبٍ مُبَيِّنًا لَهُ وَقَوْلُهُ وَالْخُمُرِ جَمْعُ خُمْرَةٍ وَزْنُ غُرْفَةٍ حَصِيرٌ صَغِيرٌ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ.
(قَوْلُهُ وَأَقْسَامِهِ) كَذَا فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ بِالتَّذْكِيرِ فَالْمَعْنَى وَأَقْسَامِ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ مُفْرَدُ الْمِيَاهِ، وَقَوْلُهُ وَأَقْسَامِهِ مِنْ كَوْنِهِ إمَّا مَاءُ بِئْرٍ أَوْ مَاءُ مَأْجَلٍ أَوْ مَاءُ مِرْسَالِ مَطَرٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ تِلْكَ الْإِقْسَامَ هِيَ الْمِيَاهُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهَا فَالْعَطْفُ مُرَادِفٌ؛ لِأَنَّ الْمِيَاهَ هِيَ أَقْسَامُ الْمَاءِ.
(قَوْلُهُ وَعَلَى الْآبَارِ) أَيْ مِنْ كَوْنِهَا بِئْرَ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالْعُيُونِ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهَا تُقَاسُ عَلَى الْبِئْرِ وَقَوْلُهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَيْ: وَمَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَلَا يُمْنَعُ صَيْدُ سَمَكٍ مِنْ مِلْكٍ (قَوْلُهُ وَلِذِي مَأْجَلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَهُوَ قَلِيلٌ وَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ كَمُقْعَدٍ وَمُعْظَمٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَكَانُ جَرْيِهِ) فِيهِ إفَادَةُ أَنَّ مِرْسَالِ اسْمُ مَكَان وَيُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَعْدُ أَنَّهُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ فَفِيهِ تَنَافٍ وَقَوْلُهُ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ: وَيَكُونُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ (قَوْلُهُ لِمَنْ شَاءَ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَرْبَعٌ لَا أَرَى أَنْ تُمْنَعَ الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالْحَطَبُ وَالْكَلَأُ وَأَوْرَدُوا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَقَيَّدَ ابْنُ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِي الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ بِمَا إذَا كَانَ فِي أَرْضِهِ مِمَّا لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الدُّخُولِ إلَى الِاسْتِقَاءِ مِنْهُمَا، وَأَمَّا مَاءُ الْبِئْرِ الَّتِي فِي دَارِ رَجُلٍ أَوْ حَائِطِهِ الَّتِي قَدْ حُظِرَ عَلَيْهَا فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ) أَيْ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ وَقَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ وَرَسَّالٍ إلَخْ أَيْ: وَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى ذِي مَأْجَلٍ، وَأَمَّا عَلَى مِرْسَالٍ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى مَأْجَلٍ. (قَوْلُهُ أَيْ: صَاحِبِ إرْسَالِ الْمَطَرِ) أَيْ: صَاحِبِ الْمَطَرِ الْمُرْسَلِ (قَوْلُهُ بِمِلْكٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ إلَخْ) أَيْ الْخَاصَّةِ بِهِ أَيْ: بِسَبَبِ كَوْنِهِ يَمْلِكُ ذَاتَهَا أَوْ مَنْفَعَتَهَا، وَأَمَّا مَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتَهُ كَالْمَاءِ الْمُسَبَّلِ وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ وَقَوْلُهُ فَهُوَ أَعَمُّ إلَخْ أَيْ: وَلَوْ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ كَمَا يَمْلِكُهُ أَيْ: بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ كَانَتْ الْمُغَايَرَةُ حَقِيقِيَّةً