كَانَ عَلَى قَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ كَالْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَالْأَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ وَنَحْوِهَا وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ وَأَكْرَى نَاظِرُهُ لِغَيْرِ مَنْ مَرْجِعُهَا لَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (وَلِمَنْ مَرْجِعُهَا لَهُ كَالْعَشْرِ) وَصُورَتُهَا أَنَّ مَنْ حَبَسَ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى عَمْرٍو فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِعَمْرٍو أَنْ يَكْتَرِيَهَا مِنْ زَيْدٍ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَرْجِعُ بِتَحْبِيسٍ عَلَيْهِ أَوْ مِلْكٍ فَهَذِهِ الْوَاوُ قَدْ عَطَفَتْ شَيْئَيْنِ عَلَى شَيْئَيْنِ فَعَطَفَتْ مَنْ مَرْجِعُهَا لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمُقَدَّرِ وَعَطَفَتْ كَالْعَشْرِ عَلَى كَالسَّنَتَيْنِ ثُمَّ إنَّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ مُدَّةً وَإِلَّا عُمِلَ عَلَى مَا شُرِطَ وَبِمَا إذَا لَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الْوَقْفِ كَمَا وَقَعَ فِي زَمَنِ الْقَاضِي بْنِ بَادِيسَ بِالْقَيْرَوَانِ أَنَّ دَارًا حَبْسًا عَلَى الْفُقَرَاءِ خَرِبَتْ وَلَمْ يُوجَدْ مَا تُصْلَحُ بِهِ فَأَفْتَى بِأَنَّهَا تُكْرَى السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ كَيْفَ تَسِيرُ بِشَرْطِ إصْلَاحِهَا مِنْ كِرَائِهَا وَأَبَى أَنْ يَسْمَحَ بِبَيْعِهَا وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالنَّاظِرِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكْرِيَ أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِهِ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ.
(ص) وَإِنْ بَنَى مُحْبَسٌ عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَهُوَ وَقْفٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ حُبِسَ عَلَيْهِ رَبْعٌ مَثَلًا فَبَنَى فِيهِ بُنْيَانًا فَإِنْ بَيَّنَ أَنَّهُ حَبْسٌ أَوْ مِلْكٌ عُمِلَ عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ حَبْسٌ وَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهِ فِيهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَقَوْلُهُ فَهُوَ وَقْفٌ أَيْ: لِلْوَاقِفِ لَا يُقَالُ إنَّهُ وَقْفٌ غَيْرُ مَحُوزٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الْمُحْبَسَ عَلَيْهِ إنَّمَا بَنَى لِلْوَقْفِ وَمِلْكِهِ فَهُوَ مَحُوزٌ بِحَوْزِ الْأَصْلِ وَمَفْهُومُ مُحْبَسٍ أَنَّهُ لَوْ بَنَى الْأَجْنَبِيُّ فِي الْوَقْفِ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا كَمَا فِي النَّوَادِرِ وَالْغَرْسُ كَالْبِنَاءِ وَإِذَا كَانَ مِلْكًا فَلَهُ نَقْضُهُ أَوْ قِيمَتُهُ مَنْقُوضًا إنْ كَانَ فِي الْوَقْفِ مَا يُدْفَعُ مِنْهُ ذَلِكَ وَهَذَا إذَا كَانَ مَا بَنَاهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْوَقْفُ وَإِلَّا فَيُوفَى مِنْ الْغَلَّةِ قَطْعًا بِمَنْزِلَةِ مَا بَنَاهُ النَّاظِرُ.
(ص) وَعَلَى مَنْ لَا يُحَاطُ بِهِمْ أَوْ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ أَوْ عَلَى كَوَلَدِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُمْ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحَبْسَ إذَا كَانَ عَلَى قَوْمٍ لَا يُحَاطُ بِهِمْ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمُجَاهِدِينَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَوْ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ أَوْ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ أَوْ إخْوَتِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهُمْ غَيْرُ مُعَيَّنِينَ فَإِنَّ الْمُتَوَلِّيَ عَلَى الْحَبْسِ يَقْسِمُ غَلَّتَهُ عَلَى مَنْ حَضَرَ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ وَيُفَضِّلُ أَهْلَ الْحَاجَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَيُفَضِّلُ أَهْلَ الْعِيَالِ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي الْغَلَّةِ وَفِي السُّكْنَى بِاجْتِهَادِهِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ الْإِحْسَانُ وَالْإِرْفَاقُ بِالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَسَدُّ خَلَّتِهِمْ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْفَقْرِ أَوْ الْغِنَى فَإِنَّهُ يُؤْثِرُ الْأَقْرَبَ عَلَى غَيْرِهِ فَقَوْلُهُ (فَضَّلَ الْمُوَلَّى
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ كَالْأَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ وَنَحْوِهَا) النَّحْوُ سَنَةٌ فَالْجُمْلَةُ خَمْسُ سِنِينَ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ جَرَى بِهَا عَمَلُ قُضَاةِ قُرْطُبَةَ عَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ مُزَيْنٍ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمَوَّاقُ أَنَّ الَّذِي اسْتَحْسَنَهُ قُضَاةُ قُرْطُبَةَ كَوْنُهُ لِأَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ خَوْفَ انْدِرَاسِهِ بِطُولِ مُكْثِهِ بِيَدِ مُكْتَرِيهِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا يَقُولُهُ الْمَوَّاقُ يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ فَعَلَيْهَا الْمُنَاسِبُ حَذْفُ وَنَحْوِهَا.
(قَوْلُهُ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ إلَخْ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْكَافَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَالْعَشَرَةِ اسْتِقْصَائِيَّةٌ لَا تُدْخِلُ شَيْئًا وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَدْ أَكْرَى مَالِكٌ مَنْزِلَهُ عَشْرَ سِنِينَ وَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَى هَذَا الْحَالِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمَوَّاقُ.
(أَقُولُ) وَوُقُوعُ ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ قَدْ يُقَالُ إنَّهَا قَضِيَّةٌ اتِّفَاقِيَّةٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْقَصْرُ عَلَى الْعَشَرَةِ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِقَوْلِ الْجَوَازِ وَلَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ قَيَّدَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلِمَنْ مَرْجِعُهَا لَهُ كَالْعَشْرِ أَيْ: مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعَيَّنِ بِأَنْ كَانَتْ لَهُ بَعْدَ الْمُعَيَّنِ بِلَا وَاسِطَةٍ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ وَاسِطَةٍ فَعِلَّةُ الْمَنْعِ مَوْجُودَةٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ) أَيْ: وَلَوْ أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعِينَ عَامًا أَيْ مَعَ شَرْحِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ لِيُعَمَّرَ بِهَا.
(تَنْبِيهٌ) : قَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْمَوَّاقِ وَشَارِحِنَا صِحَّةَ حَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الدَّارِ وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ خِلَافُهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَيْ: الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَأَكْرَى نَاظِرُهُ إلَخْ فِي خُصُوصِ الْأَرْضِ، وَأَمَّا الدَّارُ فَيُفْصَلُ فِيهَا، فَإِذَا كَانَتْ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَا تُكْرَى أَكْثَرَ مِنْ عَامٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَا تُكْرَى عَامًا.
(قَوْلُهُ وَإِنْ بَنَى مُحْبَسٌ عَلَيْهِ) أَيْ بِالشَّخْصِ أَوْ بِوَصْفٍ كَإِمَامَةٍ (قَوْلُهُ فَبَنَى فِيهِ بُنْيَانًا) أَيْ: أَوْ أَصْلَحَ بِخَشَبٍ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ بَيَّنَ أَنَّهُ حَبْسٌ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْبِنَاءِ (قَوْلُهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ حَبْسٌ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ لِوَرَثَتِهِ (قَوْلُهُ وَمَلَكَهُ) فِعْلٌ مَاضٍ أَيْ مَلَكَ الْوَاقِفُ مَا بَنَاهُ (قَوْلُهُ فَلَهُ نَقْضُهُ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ بِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ إصْلَاحَ بَيْتِ نَحْوِ إمَامٍ عَلَى الْوَقْفِ لَا عَلَيْهِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ وَأَخْرَجَ السَّاكِنُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لِلسُّكْنَى لَيُكْرَى لَهُ لِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْوَقْفِ رِيعٌ يُبْنَى مِنْهُ (قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا كَانَ مَا بَنَاهُ) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا خُصُوصِ مَنْ يَلِيهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ.
(قَوْلُهُ وَعَلَى مَنْ لَا يُحَاطُ بِهِ) أَيْ أَوْ يُحَاطُ بِهِ وَلَكِنْ يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ كَالْفَلَسِ (قَوْلُهُ فَإِنْ اسْتَوَوْا) أَيْ: أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقْدِيمِ إذَا كَانُوا مُتَفَاوِتِينَ بِالْفَقْرِ أَوْ الْغِنَى، وَأَمَّا إذَا تَسَاوَوْا فِيهِمَا فَإِنَّهُ يُؤْثَرُ الْأَقْرَبُ أَيْ: لِلْوَاقِفِ وَأُعْطِيَ الْفَضْلُ لِمَنْ يَلِيهِ أَيْ: بِأَنْ وُجِدَ أَقْرَبُ وَقَرِيبٌ وَإِذَا اخْتَلَفُوا بِأَنْ وُجِدَ قَرِيبٌ فَقِيرٌ وَأَقْرَبُ غَنِيٌّ أُوثِرَ الْفَقِيرُ الْقَرِيبُ عَلَى الْغَنِيِّ الْأَقْرَبِ فَإِنْ تَسَاوَوْا فَقْرًا وَغِنًى وَلَمْ يَكُنْ أَقْرَبُ وَلَا قَرِيبٌ وَلَمْ يَسَعْهُمْ فِي مِثْلِ الدَّارِ فَإِنَّهَا تُكْرَى عَلَيْهِمْ وَيُقْسَمُ كِرَاؤُهَا بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَحَدُهُمْ بِمَا يَصِيرُ لِأَصْحَابِهِ مِنْ الْكِرَاءِ وَيَسْكُنَ فِيهَا فَلَهُ ذَلِكَ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فِي الْوَقْفِ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ أَوْ عَلَى كَوَلَدٍ وَمِثْلُهُ عَلَى زَيْدٍ وَعُمَرَ وَالْفَقِيرَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ لَا فِي الدَّوَامِ وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَمْ يَخْرُجْ سَاكِنٌ إلَخْ (قَوْلُهُ فَضَّلَ الْمُوَلَّى) أَيْ النَّاظِرُ وَالْمُرَادُ بِالتَّفْضِيلِ التَّقْدِيمُ فَيُقَدَّمُونَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْ الْفُقَرَاءِ شَيْءٌ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّفْضِيلَ مُرَادٌ بِهِ التَّقْدِيمُ ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ التَّقْدِيمَ وَالزِّيَادَةَ كَمَا فِي تَفْضِيلِ ذِي الْعِيَالِ