وَالْعَطِيَّةُ إنْشَاءُ التَّمْلِيكِ لَا أَنَّهَا قُرِّرَتْ وَيَدْخُلُ فِي الْعَطِيَّةِ الْعَارِيَّةُ وَالْحَبْسُ وَالْعُمْرَى وَالصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ هَذَا حَدُّ الْعَطِيَّةِ الْعَامَّةِ الَّتِي هِيَ كَالْحَيَوَانِ لِلْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ إنْ كَانَ مَا تَحْتَهَا نَوْعًا وَكَالْإِنْسَانِ لِلصَّقَلِّيِّ وَالزِّنْجِيِّ إنْ كَانَ صِنْفًا ثُمَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْهِبَةُ لَا لِثَوَابِ تَمْلِيكِ ذِي مَنْفَعَةٍ لِوَجْهِ الْمُعْطَى بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالصَّدَقَةُ كَذَلِكَ لِوَجْهِ اللَّهِ بَدَلٌ لِوَجْهِ الْمُعْطَى فَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ ذِي مَنْفَعَةٍ الْعَارِيَّةَ وَنَحْوَهَا وَقَوْلُهُ لِوَجْهِ الْمُعْطَى أَخْرَجَ بِهِ الصَّدَقَةَ فَإِنَّهَا لِوَجْهِ اللَّهِ فَقَطْ أَوْ لِإِرَادَةِ الثَّوَاب مَعَ وَجْهِ الْمُعْطَى عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ هِبَةَ الثَّوَابِ ثُمَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهِبَةُ الثَّوَابِ عَطِيَّةٌ قُصِدَ بِهَا عِوَضٌ مَالِيٌّ.
(ص) الْهِبَةُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ وَلِثَوَابِ الْآخِرَةِ صَدَقَةٌ (ش) فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ وَالْهِبَةُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ لَا لِلثَّوَابِ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ وَلِلثَّوَابِ أَيْ: ثَوَابِ الْآخِرَةِ صَدَقَةٌ فَقَوْلُهُ وَلِثَوَابِ الْآخِرَةِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُقَدَّرِ وَهُوَ قَوْلُهُ لِوَجْهِ الْمُعْطَى لَهُ وَتَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ صَادِقٌ عَلَيْهِمَا لَكِنْ اخْتَلَفَا بِالْغَرَضِ وَالْقَصْدِ وَقُلْنَا بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ لِأَجْلِ الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِتَمْلِيكٍ بِعِوَضٍ؛ إذْ هُوَ فِعْلٌ وَهُوَ صِفَةٌ لِلْمُمَلِّكِ الَّذِي هُوَ الْوَاهِبُ لِنَحْتَرِزَ بِذَلِكَ عَنْ الْهِبَةِ بِمَعْنَى الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ إذْ لَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِتَمْلِيكٍ ثُمَّ الْقِسْمَانِ مُقَابِلَانِ لِهِبَةِ الثَّوَابِ الْخَارِجَةِ بِقَوْلِهِ بِلَا عِوَضٍ وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ أَوَّلَ بَابِ الرَّهْنِ بَذْلُ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ مَا يُبَاعُ؛ إذْ الرَّهْنُ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ وَلَا يَصِحُّ الْحَمْلُ مَعَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ هُنَا مُضَافٌ فَيُقَالُ الْهِبَةُ ذَاتُ تَمْلِيكٍ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَارْتَفَعَ ارْتِفَاعَهُ وَنَظِيرُهُ يُقَالُ فِي الرَّهْنِ فَلَا إشْكَالٍ.
(ص) وَصَحَّتْ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ يُنْقَلُ (ش) تَرَكَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَرْكَانِ الْهِبَةِ الْمَوْهُوبَ لَهُ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ كَمَا فِي الْوَقْفِ وَذَكَرَ الْوَاهِبَ بِقَوْلِهِ مِمَّنْ لَهُ تَبَرُّعٌ بِهَا وَالصِّيغَةَ بِقَوْلِهِ بِصِيغَةِ أَوْ مُفْهَمِهَا وَذَكَرَ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِيهِ وَعَكَسَ فِي الْوَقْفِ فَذَكَرَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ وَأَسْقَطَ الْوَاقِفَ فَمَا أَسْقَطَهُ هُنَا يُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَهُ هُنَاكَ وَبِالْعَكْسِ فَإِنَّ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ بَلْ سَائِرُ أَبْوَابِ التَّبَرُّعَاتِ كَذَلِكَ فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُتَبَرِّعِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ وَفِي الْمُتَبَرَّعِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّمَلُّكِ فَمَعْنَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ لِلْوَاهِبِ ذَاتًا أَوْ مَنْفَعَةً يُنْقَلُ شَرَعَا اُحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ شَرَعَا كَالِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ وَكَبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ زَادَ ابْنُ هَارُونَ وَكَالشُّفْعَةِ وَرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ
ــ
[حاشية العدوي]
لَيْسَ إنْشَاءً بَلْ هُوَ تَقْرِيرٌ لِمَا ثَبَتَ قَبْلُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّمْلِيكَ مَوْجُودٌ فِي الْأَمْرَيْنِ إلَّا أَنَّ التَّمْلِيكَ فِي الْهِبَةِ إنْشَاءٌ بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَلَيْسَ إنْشَاءً بَلْ هُوَ تَقْرِيرٌ (قَوْلُهُ وَالْعَطِيَّةُ إنْشَاءُ التَّمْلِيكِ) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ التَّمْلِيكَ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْفَاعِلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ آخَرُ هُوَ إنْشَاؤُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يُفَسَّرُ بِالتَّقْرِيرِ كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ بَلْ يُفَسَّرُ بِإِنْشَاءِ التَّمْلِيكِ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ عَلِمْت ذَلِكَ فَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ عَرَفَةَ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِاسْتِحْقَاقِ وَارِثٍ خَرَجَ بِقَوْلِهِ تَمْلِيكٍ.
(قَوْلُهُ إنْ كَانَ مَا تَحْتَهَا نَوْعًا) الْمُنَاسِبُ أَنْوَاعًا وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ إنْ كَانَ صِنْفًا أَيْ إنْ كَانَ مَا تَحْتَهَا أَصْنَافًا وَلَمَّا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ نُظِرَ إلَيْهِمَا مَعًا (قَوْلُهُ ذِي مَنْفَعَةٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ: وَأَمَّا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ فَلَا يَكُونُ هِبَةً بَلْ إمَّا إخْدَامٌ أَوْ عَارِيَّةٌ أَوْ حَبْسٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَطِيَّةُ الْمَنْفَعَةِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَنَحْوُهَا إشَارَةٌ لِلْمُحْبَسِ وَالْعُمْرَى (قَوْلُهُ أَوْ لِإِرَادَةِ الثَّوَابِ) أَيْ ثَوَابِ الْآخِرَةِ (قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ هِبَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ) حَاصِلُ مَعْنَى الْمُصَنِّفِ عَلَى تَقْرِيرِ الشَّارِحِ أَنْ تَقُولَ الْهِبَةُ لَا لِلثَّوَابِ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ وَالْهِبَةُ لِلثَّوَابِ صَدَقَةٌ يُشْكِلُ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الصَّدَقَةَ مِنْ أَفْرَادِ الْهِبَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّانِي إنَّ الْمُنَاسِبَ إمَّا أَنْ يُجْعَلَ الْمَوْضُوعُ فِيهِمَا الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ أَوْ الْمَحْمُولُ فِيهِمَا الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ لَا أَنَّهُ يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا مَحْمُولًا وَالْآخَرُ مَوْضُوعًا وَتَخَلَّصَ تت مِنْ أَحَدِ الْإِشْكَالَيْنِ فَقَالَ وَالْعَطِيَّةُ لِثَوَابِ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ صَدَقَةٌ ثُمَّ رَأَيْت مُحَشَّى تت انْتَصَرَ لِمَا قَالَهُ شَارِحُنَا مِنْ حَيْثُ إنَّ قَصْدَ الْمُصَنِّفِ بَيَانُ أَنَّ الْهِبَةَ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ تُعَدُّ مِنْ أَفْرَادِ الصَّدَقَةِ وَلَيْسَ قَصْدُهُ بَيَانَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ لَا لِلثَّوَابِ) أَيْ: ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَقَوْلُهُ فَقَوْلُهُ وَلِثَوَابِ الْآخِرَةِ التَّفْرِيعُ لَا يُنَاسِبُ الْمُفَرَّعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُفَرَّعَ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُقَدَّرَ قَوْلُهُ لَا لِلثَّوَابِ لَا قَوْلُهُ لِوَجْهِ الْمُعْطَى كَمَا قَالَ إلَّا أَنَّهُ بِمَعْنَاهُ فَكَأَنَّهُ اكْتَفَى بِذَلِكَ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْهِبَةَ لَيْسَتْ مَعْدُودَةً مِنْ الْبُيُوعِ فَخَرَجَتْ هِبَةُ الثَّوَابِ (قَوْلُهُ: إذْ الرَّهْنُ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ) أَيْ: فَالْمُرَادُ بِالرَّهْنِ الْفِعْلُ فَصَارَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا نَظِيرَ بَابِ الرَّهْنِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْفِعْلُ فِي الْبَابَيْنِ وَقَوْلُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ هُنَا مُضَافٌ أَيْ: عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالْهِبَةِ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ وَقَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ يُقَالُ فِي بَابِ الرَّهْنِ أَيْ الرَّهْنُ ذُو بَدَلٍ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالرَّهْنِ الْمَرْهُونُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِشْكَالَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ الْمَرْهُونُ وَالْمَوْهُوبُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الذَّاتِ بِالْفِعْلِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يُرَادَ مِنْ الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ الْفِعْلُ الثَّانِي أَنْ يُرَادَ الْمَرْهُونُ وَالْمَوْهُوبُ وَيُقَدَّرُ مُضَافٌ كَمَا تَبَيَّنَ {تَنْبِيهٌ} تَقَدَّمَ تَعْرِيفُ الْهِبَةِ شَرْعًا، وَأَمَّا تَعْرِيفُهَا لُغَةً فَهُوَ إيصَالُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَالًا أَوْ غَيْرَهُ.
(قَوْلُهُ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ لِلْوَاهِبِ) أَيْ: فَهِبَةُ الْفُضُولِيِّ بَاطِلَةٌ بِخِلَافِ بَيْعِهِ لِخُرُوجِهِ بِعِوَضٍ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ مَمْلُوكٍ أَيْ: مُتَمَوَّلٍ احْتِرَازًا عَنْ الْكَلْبِ الَّذِي لَمْ يُؤْذَنْ فِي اتِّخَاذِهِ (قَوْلُهُ أَوْ مَنْفَعَةً) تَقَدَّمَ أَنَّ إعْطَاءَ الْمَنْفَعَةِ لَا يُقَالُ لَهُ هِبَةٌ إمَّا عَارِيَّةٌ أَوْ حَبْسٌ (قَوْلُهُ كَالِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ وَهَبْت لَك الِاسْتِمْتَاعَ بِزَوْجَتِي الَّذِي أَسْتَحِقُّهُ وَقَوْلُهُ كَبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ بَيْعٍ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ شَرْعًا أُمُّ الْوَلَدِ لَا بَيْعُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute