عَنْ الطَّمَعِ مُسْتَخِفًّا بِالْأَئِمَّةِ أَيْ يُدِيرُ الْحَقَّ عَلَى مَنْ دَارَ عَلَيْهِ وَلَا يُبَالِي بِمَنْ لَامَهُ عَلَى ذَلِكَ هَذَا مَعْنَى نَزِهٍ تَأَمَّلْ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي نَسِيبًا وَهَذَا مِنْ أَلْفَاظِ الْمُبَالَغَةِ وَمَعْنَاهَا مَعْرُوفُ النَّسَبِ لِئَلَّا يَتَسَارَعَ إلَيْهِ أَلْسُنُ النَّاسِ بِالطَّعْنِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَوْلِيَةَ غَيْرِ النَّسِيبِ جَائِزَةٌ سَوَاءٌ كَانَ انْتِفَاءُ نَسَبِهِ مُحَقَّقًا أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَتَجْوِيزُ سَحْنُونَ وِلَايَةَ وَلَدِ الزِّنَا مُوَافِقٌ لِلْمَذْهَبِ زَادَ وَلَكِنْ لَا يَحْكُمُ فِي الزِّنَا لِعَدَمِ شَهَادَتِهِ فِيهِ وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ اسْتِقْلَالًا لَا عَلَى أَنَّهُ خِلَافٌ فَقَالَ
وَأَمَّا الْمَحْدُودُ فِي الزِّنَا فَعِنْدَ أَصْبَغَ أَنَّهُ يَحْكُمُ فِيهِ وَلَا يَشْهَدُ فِيهِ وَعِنْدَ سَحْنُونَ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ فِيهِ كَوَلَدِ الزِّنَا وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُسْتَشِيرًا لِأَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُعِينُهُ وَيُوصِلُهُ إلَى حُصُولِ الصَّوَابِ وَبِعِبَارَةٍ أَيْ كَثِيرَ الِاسْتِشَارَةِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا أَوْ أَمْثَلَ مُقَلِّدٍ مَا تَقَيَّدَ الصَّوَابُ بِهِ بِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ عِنْدَ مَنْ هُوَ أَدْنَى مِنْهُ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَدِينٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَحُطُّ مِنْ مَرْتَبَتِهِ وَلَا يُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُهُ غَنِيٍّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا وَهُوَ مَدِينٌ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْدُودٍ فِي زِنًا أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ قَضَى فِيمَا حُدَّ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيمَا حُدَّ فِيهِ وَيُقْبَلُ فِي غَيْرِهِ وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ وَصْفٌ زَائِدٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَا سَقَطَ اعْتِبَارُهُ فِي غَيْرِهِ وَاسْتِنَادُ الْقَاضِي لِلْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَبَعُدَتْ التُّهْمَةُ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي حُدَّ فِيهِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ زَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ بِفَتْحِ الدَّالِ وَبِالْمَدِّ وَهَمْزَتُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ الْيَاءِ لَا عَنْ الْوَاوِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْفِطْنَةُ وَالْحَذْقَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِالْفِرَاسَةِ وَيُعَطِّلَ أَبْوَابَ الشَّرِيعَةِ مِنْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ خَالِيًا عَنْ بِطَانَةِ - بِكَسْرِ الْبَاءِ - السُّوءِ فَإِنَّهَا تُسْرِعُ بِالضَّرَرِ لِمَنْ هِيَ حَوْلَهُ فَإِنَّ السَّلَامَةَ مِنْهَا رَأْسُ كُلِّ خَيْرٍ وَبِعِبَارَةٍ أَيْ الْبِطَانَةُ الَّتِي يُتَّهَمُ مِنْهَا السُّوءُ وَإِلَّا فَالسَّلَامَةُ مِنْ بِطَانَةِ السُّوءِ وَاجِبَةٌ.
(ص) وَمَنْعُ الرَّاكِبِينَ مَعَهُ وَالْمُصَاحِبِينَ وَتَخْفِيفُ الْأَعْوَانِ (ش) هُوَ مَرْفُوعٌ عَطْفٌ عَلَى نَائِبِ فَاعِلِ نُدِبَ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ وَيَجُوزُ زَجْرُهُ عَطْفًا عَلَى مَدْخُولِ الْكَافِ أَيْ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي مَنْعُ مَنْ ذُكِرَ مِنْ رُكُوبِهِمْ مَعَهُ وَمِنْ مُصَاحَبَتِهِمْ
ــ
[حاشية العدوي]
لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُبَاحُ لِلْفَقِيرِ لِيَسْتَعِيرَ بِمُرَتَّبِهِ مِنْ نَحْوِ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى عِيَالِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُبَاحِ وَمَا هُنَا فِي الْمَنْدُوبِ. (قَوْلُهُ: مُسْتَخِفًّا بِالْأَئِمَّةِ) الْمُرَادُ بِالْأَئِمَّةِ وُلَاةُ الْأُمُورِ كَالسَّلَاطِينِ. (قَوْلُهُ: أَيْ يُدِيرُ الْحَقَّ) أَيْ وَلَا يُبَجِّلُهُمْ بِحَيْثُ يُحَابِي فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِخْفَافِ تَحْقِيرُهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: هَذَا مَعْنَى نَزِهٍ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ أَدْخَلَ فِي تَعْرِيفِ النَّزِهِ كَوْنَهُ مُسْتَخِفًّا بِالْأَئِمَّةِ، وَالظَّاهِرُ خُرُوجُهُ وَأَنَّهُ مَعْنًى آخَرُ مَطْلُوبٌ فِي حَقِّ الْقَاضِي وَلِذَلِكَ عَطَفَهُ فَقَالَ ذَا نَزَاهَةٍ عَنْ الطَّمَعِ مُسْتَخِفًّا فَذَكَرَهُ فِي مَقَامِ مَا يُطْلَبُ فِي حَقِّ الْقَاضِي لَا فِي مَقَامِ تَفْسِيرِ نَزِهٍ فَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ غَازِيٍّ نَزِهًا بِكَامِلِ الْمُرُوءَةِ، وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ الَّذِي لَا يَتَشَوَّفُ لِمَا بِيَدِ النَّاسِ وَقَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ وَاَلَّذِي لَا يَتَشَوَّفُ لِمَا بِأَيْدِي النَّاسِ هُوَ الْكَامِلُ الْمُرُوءَةِ وَقَالَ اللَّقَانِيِّ النَّزِهُ هُوَ الَّذِي لَا يَتَعَاطَى مَا يَتَعَاطَاهُ أَمْثَالُهُ بِأَنْ لَا يُعَاشِرَ الْأَرَاذِلَ وَلَا غَيْرَ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ وَلَا السُّفَهَاءَ وَلَا الْخُفَرَاءَ وَلَا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْوَرَعِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ لِإِرْشَادِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ النَّزِهِ فَإِنَّهُ لَا يُخَالِطُهُمْ فَالنَّزَاهَةُ كَمَالُ الْمُرُوءَةِ، وَقَوْلُهُ: تَأَمَّلْ أَقُولُ تَأَمَّلْنَاهُ فَوَجَدْنَا قَوْلَهُ مُسْتَخِفًّا بِالْأَئِمَّةِ لَيْسَ مِنْ مَدْلُولِ نَزِهٍ لِوُجُودِ الْعَطْفِ نَعَمْ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ نَزِهًا أَنْ يَسْتَخِفَّ بِالْأَئِمَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا مِنْ أَلْفَاظِ الْمُبَالَغَةِ) أَيْ الْأَصْلُ فَلَا يُنَافِي فِي أَنَّهُ مُبَالَغَةٌ هُنَا وَلِذَا قَالَ وَمَعْنَاهَا مَعْرُوفُ النَّسَبِ. (قَوْلُهُ: كَوَلَدِ الزِّنَا) أَيْ لَا يَحْكُمُ فِي الزِّنَا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَصِحُّ جَعْلُهُ قَاضِيًا وَالْمُعْتَمَدُ قَوْلُ أَصْبَغَ أَنَّهُ يَحْكُمُ فِيهِ وَلَا يَشْهَدُ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُسْتَشِيرًا) أَيْ فِي الْمَسَائِلِ الْغَامِضَةِ أَوْ الدَّقِيقَةِ أَوْ الْمُشْكِلَةِ أَوْ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا، وَأَمَّا الَّتِي فِيهَا النَّصُّ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَحَكَمَ بِقَوْلِ مُقَلَّدِهِ قَالَ اللَّقَانِيِّ قَوْلُهُ: مُسْتَشِيرًا هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُضُورَ الْعُلَمَاءِ لِلِاسْتِشَارَةِ مَنْدُوبٌ وَأَصْلُهُ مُسْتَشْوِرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَشُورَةِ انْتَهَى. (أَقُولُ) فَإِذَنْ يَكُونُ قَوْلُهُ: أَوْ شَاوَرَهُمْ فِيمَا يَتَأَتَّى تَكْرَارًا أَيْ بَلْ يُقَالُ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا؛ لِأَنَّهُ هُنَا اقْتَصَرَ عَلَى الِاسْتِشَارَةِ فَيُفْهَمُ أَنَّ النَّدْبَ مُتَعَلِّقٌ بِهَا فَقَطْ وَكَلَامُهُ الْآتِي يُفِيدُ أَنَّ النَّدْبَ مُتَعَلِّقٌ بِهَا أَوْ بِالْحُضُورِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الدَّيْنَ يَحُطُّ مِنْ مَرْتَبَتِهِ) مِنْ زَائِدَةٌ أَوْ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَيْ شَيْئًا مِنْ مَرْتَبَتِهِ. (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْقَضَاءَ وَصْفٌ زَائِدٌ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِأَنْ اُعْتُبِرَ فِي الْقَاضِي مِنْ الْأَوْصَافِ مَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الذُّكُورِيَّةُ وَالِاجْتِهَادُ وَقَوْلُهُ: وَاسْتِنَادُ فَرْقٍ ثَانٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَصْفٌ زَائِدٌ وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ بِأَنَّ الْقَضَاءَ اسْتِنَادُ الْقَاضِي فِيهِ لِلْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ وَقَوْلُهُ: وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي حُدَّ فِيهِ فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُحَدَّ وَتَابَ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (قَوْلُهُ: الْفِطْنَةُ إلَخْ) هِيَ شِدَّةُ الْفِكْرِ وَجَوْدَتُهُ وَالْمَعْنَى يُنْدَبُ فِي حَقِّ الْقَاضِي أَنْ لَا يَكُونَ شَدِيدَ الْفِطْنَةِ وَالْحَذْقَةِ وَالْفِرَاسَةِ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَمِيرِ لِوُسْعِ عَمَلِهِ. (قَوْلُهُ: خَالِيًا عَنْ بِطَانَةِ السُّوءِ) أَيْ خَالِيًا عَنْ الْجَمَاعَةِ الْمُصَاحِبِينَ لَهُ أَهْلُ السُّوءِ لِاكْتِسَابِهِ السُّوءَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِطَانَةِ أَصْحَابُ الشَّخْصِ الْمُطَّلِعُونَ عَلَى أَحْوَالِهِ سُمُّوا بِهَا تَشْبِيهًا بِبِطَانَةِ الثَّوْبِ وَهُوَ خِلَافُ ظِهَارَتِهِ لِاطِّلَاعِهِمْ عَلَى بَاطِنِ حَالِهِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ الْبِطَانَةَ الَّتِي يُتَّهَمُ مِنْهَا السُّوءُ) أَيْ فَلَيْسَ السُّوءُ مِنْهَا مُحَقَّقًا بَلْ مَشْكُوكٌ، وَأَمَّا إذَا تَحَقَّقَ مِنْهَا السُّوءُ أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ مِنْهَا السُّوءُ فَالسَّلَامَةُ مِنْهَا وَاجِبَةٌ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَالسَّلَامَةُ إلَخْ وَكَأَنَّهُ قَالَ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ مِنْهَا الْمُتَّهَمُ بَلْ أُرِيدَ الْمُحَقَّقُ أَوْ الَّتِي غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ فَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِالنَّدْبِ؛ لِأَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ ذَلِكَ وَاجِبَةٌ
. (قَوْلُهُ: وَمُنِعَ إلَخْ) أَيْ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ لِلرَّاكِبِينَ فِي رَفْعِ مَظْلِمَةٍ أَوْ خُصُومَةٍ أَوْ يَكُونَ الْمُصَاحِبُونَ لَهُ أَهْلَ أَمَانَةٍ وَنَصِيحَةٍ وَفَضْلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute