وَلِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ مُطَالَبَتُهُمَا بِالدَّفْعِ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ وَلِلْمَقْضِيِّ لَهُ ذَلِكَ إذَا تَعَذَّرَ مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ (ش) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ " غَرِيمُ الْغَرِيمِ غَرِيمٌ " وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا عَلَى شَخْصٍ بِمَالٍ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ ثُمَّ رَجَعَا قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ الْمَالَ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ فَلِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يُطَالِبَهُمَا بِالْمَالِ لِيَدْفَعَاهُ عَنْهُ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ وَلِلْمَقْضِيِّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا بِالْمَالِ إذَا تَعَذَّرَ طَلَبُهُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِأَنْ مَاتَ أَوْ فَلَّسَ أَوْ هَرَبَ؛ لِأَنَّهُمَا غَرِيمَا غَرِيمِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَنَّ غَرِيمَ الْغَرِيمِ إنَّمَا يَكُونُ غَرِيمًا إذَا تَعَذَّرَ مِنْ الْغَرِيمِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَرَّ فِي بَابِ الصَّدَاقِ مِنْ قَوْلِهِ، وَإِلَّا فَالْمَرْأَةُ، وَإِنْ قَبَضَ أَتْبَعَتْهُ أَوْ الزَّوْجُ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ وَظَاهِرَ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ لَهُمَا التَّخْيِيرَ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَوْجُودًا مَلِيًّا لِلتَّعَدِّي عَلَيْهَا.
(ص) وَإِنْ أَمْكَنَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ جُمِعَ (ش) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى رُجُوعِ الشُّهُودِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَعَرَّفُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ اشْتِمَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا يُنَافِي الْأُخْرَى وَالْمَعْنَى أَنَّهُ حَيْثُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى كُلٍّ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ شَهِدَتْ لِلْمُسْلِمِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَسْلَمَهُ هَذَا الثَّوْبَ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ وَشَهِدَتْ أُخْرَى لِلْآخَرِ أَنَّهُ أَسْلَمَهُ ثَوْبَيْنِ غَيْرَهُ فِي مِائَةٍ لَزِمَهُ الْأَثْوَابُ الثَّلَاثَةُ فِي الْمِائَتَيْنِ وَيُحْمَلَانِ عَلَى أَنَّهُمَا سَلَمَانِ فَقَوْلُهُ: وَإِنْ أَمْكَنَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ عَقْلًا جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِالْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ: جَمْعٌ أَيْ الْجَمْعُ أَيْ عُمِلَ بِهِ وَصِيرَ إلَيْهِ وَكَلَامُ الزَّرْقَانِيِّ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إلَّا إذَا اتَّحَدَ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ نَحْوُ إنْ قَامَ زَيْدٌ قَامَ زَيْدٌ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ هُنَا اخْتِلَافُهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَمْكَنَ وَالْجَزَاءُ جُمِعَ فَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ.
(ص) وَإِلَّا رُجِّحَ بِسَبَبِ مِلْكٍ (ش) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ مِلْكٍ أَيْ بِذِكْرِ سَبَبِ مِلْكٍ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ لَكِنَّ إحْدَاهُمَا زَادَتْ ذِكْرَ السَّبَبِ فَإِنَّ مَنْ زَادَتْ ذِكْرَ السَّبَبِ تُقَدَّمُ عَلَى مَنْ شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي حَلِّ الشَّارِحِ لِكَلَامِ الْمُؤَلِّفِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ حَلًّا لِصُورَةِ الْمَسْأَلَةِ. (ص) كَنَسْجٍ وَنِتَاجٍ (ش) هَذَانِ مِثَالَانِ لِسَبَبِ الْمِلْكِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ مِلْكٌ لِزَيْدٍ وَشَهِدَتْ أُخْرَى أَنَّهُ مِلْكٌ لِعَمْرٍو نَسَجَهُ أَوْ نَتَجَ عِنْدَهُ أَوْ نَسَخَهُ أَوْ اصْطَادَهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ تُقَدَّمُ؛ لِأَنَّهَا بَيَّنَتْ سَبَبَ الْمِلْكِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ بِسَبَبِ مِلْكٍ قَوْلَهُ (إلَّا بِمِلْكٍ مِنْ الْمَقَاسِمِ) أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الْمِلْكِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَلِلْمَقْضِيِّ لَهُ) أَظْهَرَ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ، وَقَوْلُهُ: ذَلِكَ أَيْ طَلَبَ الدَّفْعَ أَيْ لَهُ فَفِي الْعِبَارَةِ تَجْرِيدٌ، وَقَوْلُهُ: إنْ تَعَذَّرَ ظَاهِرُهُ الطَّلَبُ مَعَ أَنَّ الطَّلَبَ لَا يَتَعَذَّرُ فَيَرْجِعُ الضَّمِيرُ لِلْأَخْذِ كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: غَرِيمُ الْغَرِيمِ غَرِيمٌ) فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ أَيْ لِلْغَرِيمِ فَالْغَرِيمُ الْأَوَّلُ مَصْدُوقُهُ الشُّهُودُ وَالْغَرِيمُ الثَّانِي مَصْدُوقُهُ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ وَالْغَرِيمُ الَّذِي قَدَّرْنَاهُ مَصْدُوقُهُ رَبُّ الْحَقِّ (قَوْلُهُ: وَلِلْمَقْضِيِّ لَهُ) قَدْ نَظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ لَا لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ إذْ لَوْ نَظَرَ لَهُ لَوَرَدَ أَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ إنْ عَلِمَ صِدْقَ الْبَيِّنَةِ فِي رُجُوعِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ كَذِبَهَا فِيهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا بَلْ مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ خِلَافٌ) أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِالتَّعَذُّرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّأْنَ أَنَّ التَّوَجُّهَ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَصِحُّ التَّوَجُّهُ لِلشُّهُودِ الرَّاجِعِينَ
(قَوْلُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ إلَخْ) لَا يُقَالُ: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ مَا لَمْ يَدَّعِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ إرْثٍ، وَلَا هِبَةٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ جَرَّ إلَيْهِ الْحَالُ فَكَأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا ادَّعَاهُ، أَوْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ شَهَادَةُ كُلٍّ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ مَعْمُولًا بِهَا فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ ادَّعَى مَا أَنْكَرَهُ (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ الزَّرْقَانِيِّ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ) أَقُولُ: إنَّ عِبَارَةَ الزَّرْقَانِيِّ جَمْعٌ أَيْ الْمُمْكِنُ جَمْعُهُ فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ أَمْكَنَ اهـ. فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَهُوَ حَلٌّ لِلْعِبَارَةِ بِمَا قَدْ يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ حَلُّ الْعِبَارَةِ بِحَسَبِ مَا يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ رَكِيكٌ حَيْثُ قَالَ جَمْعُ الْجَمْعِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْتِفَاتٌ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ مُتَّحِدَانِ أَوْ لَا فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى ز، وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ الَّذِي وَرَدَ عَلَى ز اعْتِرَاضُ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ اللَّقَانِيِّ فِي تَقْرِيرِهِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ضَمِيرَ رُجِّحَ رَاجِعٌ لِلتَّرْجِيحِ أَيْ رُجِّحَ التَّرْجِيحُ أَيْ عُمِلَ بِهِ وَصِيرَ إلَيْهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي رُجِّحَ عَائِدًا عَلَى إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ، وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ أَوْ عَلَى مَعْنَى الدَّلِيلِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ مَنْ زَادَتْ ذِكْرَ السَّبَبِ) حَاصِلُهُ أَنَّ ذَاكِرَةَ السَّبَبِ تُقَدَّمُ عَلَى مَنْ شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، وَلَوْ كَانَتْ أَعْدَلَ مِنْهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا إذَا أُرِّخَتْ أَوْ كَانَتْ أَقْدَمَ تَارِيخًا كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْقَانِيُّ (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي حَلِّ الشَّارِحِ) أَيْ فَإِنَّ الشَّارِحَ قَالَ بِأَنْ شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ فَتُقَدَّمُ عَلَى الْأُخْرَى الشَّاهِدَةِ بِسَبَبِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ: إنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَةَ بِالْمِلْكِ تُقَدَّمُ عَلَى الشَّاهِدِ بِالسَّبَبِ فَقَطْ لَا بِالْمِلْكِ مَذْهَبُ أَشْهَبَ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الشَّاهِدَةَ بِالسَّبَبِ فَقَطْ تُقَدَّمُ وَاعْتَمَدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَيُحْمَلُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ فَقَوْلُ شَارِحِنَا: وَكِلَاهُمَا شَهِدَ بِالْمِلْكِ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ بَلْ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ مَاشِيًا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا بَيَّنَتْ سَبَبَ الْمِلْكِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ وَنَسْجٍ أَوْ نَسْخٍ عِنْدَ أَحَدِهِمَا فَإِنَّ بَيِّنَتَهُ تُقَدَّمُ وَسَوَاءٌ كَانَ نَاصِبًا نَفْسَهُ لِلنَّسْجِ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَتْ بِالنَّسْجِ فَقَطْ وَالْأُخْرَى فَقَطْ فَالْأُولَى تُقَدَّمُ وَيُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ نَاصِبًا نَفْسَهُ، وَإِلَّا قُدِّمَتْ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ النَّسْجِ بَعْدَ حَلِفِ الْآخَرِ أَنَّهُ مَا عَمِلَ بَاطِلًا
(قَوْلُهُ: ثُمَّ اسْتَثْنَى إلَخْ) لَا يَظْهَرُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ مَحْذُوفٍ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: كَنَسْجٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute