للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَكُونُ أَشَدَّ مِنْ إلْزَامِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَهُ أَيْ فَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْيَمِينَ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُدَّعِي مَعَ إلْزَامِ اللَّهِ لَهُ الْيَمِينَ فَأَحْرَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ بِالْتِزَامِهِ هُوَ.

(ص) وَإِنْ رُدَّتْ عَلَى مُدَّعٍ وَسَكَتَ زَمَنًا فَلَهُ الْحَلِفُ (ش) وَلَوْ قَالَ: وَإِنْ سَكَتَ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ زَمَنًا فَلَهُ الْحَلِفُ لَكَانَ أَحْسَنَ لِشُمُولِهِ لِلْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَغَيْرِهَا.

(ص) وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ وَتَصَرَّفَ ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ تُسْمَعْ، وَلَا بَيِّنَةَ (ش) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ الْحِيَازَةِ وَإِنَّمَا أَلْحَقُوهَا بِالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهَا مَا تُسْمَعُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ، وَفِي بَعْضِهَا مَا لَا تُسْمَعُ فِيهِ، وَرُبَّمَا يَذْكُرُونَهَا مَعَ الْأَقْضِيَةِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا يَقَعُ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَهُوَ مَا فَعَلَهُ الْمُؤَلِّفُ يَعْنِي أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ غَيْرَ الشَّرِيكِ إذَا حَازَ شَيْئًا عَلَى صَاحِبِهِ وَتَصَرَّفَ فِيهِ، وَلَوْ بِغَيْرِ هَدْمٍ وَبِنَاءٍ كَالْإِسْكَانِ وَالْإِجَارَةِ مُدَّةَ عَشْرِ سِنِينَ، وَصَاحِبُهُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ طُولَ الْمُدَّةِ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ الْقِيَامِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْقُلُ الْمِلْكَ عَنْهُ فَإِذَا قَامَ صَاحِبُهُ الْأَجْنَبِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ يَطْلُبُ مَتَاعَهُ فَإِنَّ دَعْوَاهُ الْمِلْكَ لِذَلِكَ لَا تُسْمَعُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ لَمْ تُسْمَعْ وَاسْتَحَقَّهُ الْحَائِزُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ احْتَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ» فَقَوْلُهُ: وَتَصَرَّفَ أَيْ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ اغْتِلَالٍ إلَّا أَنَّ الْهَدْمَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَيْ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ غَيْرِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَطْءِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ لَا يَحْتَاجُ مَعَهَا إلَى طُولِ الزَّمَانِ إذَا عَلِمَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَقْسَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ وَاَلَّتِي لَمْ يَذْكُرْهَا كَالْأَصْهَارِ وَالْمَوَالِي، وَلَا يُلْتَفَتُ لِكَلَامِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ حَذْفٌ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ فَقَطْ مَخْصُوصٌ بِمَسْأَلَةِ الشَّرِيكِ الْأَجْنَبِيِّ قَوْلُهُ: عَشْرَ سِنِينَ ظَرْفٌ لِحَاضِرٍ سَاكِتٍ بِلَا مَانِعٍ وَهَذَا يَتَضَمَّنُ كَوْنَ الْحِيَازَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَلَيْسَ ظَرْفًا لِ تَصَرَّفَ؛ إذْ لَا يُعْتَبَرُ فِي التَّصَرُّفِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَمِرًّا فِي الْعَشْرِ سِنِينَ بَلْ يَكْفِي حُصُولُهُ فِي جُزْءٍ مِنْهَا كَذَا قُرِّرَ، وَفِي ابْنِ مَرْزُوقٍ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ قَوْلُهُ: عَشْرَ سِنِينَ يَصِحُّ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ حَازَ أَوْ تَصَرَّفَ أَوْ حَاضِرٌ أَوْ سَاكِتٌ فَيَعْمَلُ فِيهِ أَحَدُهَا وَبَاقِيهَا فِي ضَمِيرِهِ إنْ جَازَ تَنَازُعٌ مِثْلَ هَذَا الْعَدَدِ، وَإِلَّا فَيُقَدَّرُ مَعْمُولٌ لِمَا زَادَ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي مَعَ إلْزَامِ اللَّهِ لَهُ الْيَمِينَ) أَيْ فَإِذَا كَانَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَلْزَمَهُ الْيَمِينَ وَرَجَعَ عَنْهَا إلَى تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي، وَقُلْنَا: لَهُ ذَلِكَ الرُّجُوعُ بِحَيْثُ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي فَأَوْلَى إذَا كَانَ الْتَزَمَ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا إلَى تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرَ تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عِنْدَ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِإِلْزَامِ اللَّهِ ذَلِكَ الْيَمِينَ، وَقَدْ جَوَّزْنَا أَنَّهُ يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَأَوْلَى إذَا الْتَزَمَهَا هُوَ بِأَنْ قَالَ: احْلِفْ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ قَالَ: احْلِفْ، قَالَ: أَنْتِ يَا مُدَّعٍ تَحْلِفُ.

(قَوْلُهُ: لِلْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْيَمِينِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَعَلَّلَ الشَّارِحُ عَدَمَ لُزُومِ الْيَمِينِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْتِزَامِهَا أَيْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا الْتَزَمَ الْيَمِينَ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي أَيْ أَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَكُنْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَصَالَةِ لَكِنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ الْتَزَمَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ الِالْتِزَامِ.

(قَوْلُهُ: حَاضِرٌ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَائِبًا فَلَهُ الْقِيَامُ مَتَى قَدِمَ إنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ كَالسَّبْعَةِ الْأَيَّامِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَرُبَتْ كَالْأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَثَبَتَ عُذْرُهُ عَنْ الْقُدُومِ لِعَجْزٍ وَنَحْوِهِ وَعَجَزَ عَنْ التَّوْكِيلِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ: يَسْقُطُ حَقُّهُ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ عُذْرَهُ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ فِي الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ فَجَعَلَ تت مَحَلَّ الْخِلَافِ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ فِيمَا قَرُبَ كَالْأَرْبَعَةِ الْأَيَّامِ مَعَ الْعُذْرِ فِيهِ نَظَرٌ فَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ سَقَطَ حَقُّهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْبَتَهُ إذَا كَانَتْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاضِرِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَقَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِ عب فِي قَوْلِهِ " حَاضِرٌ ": وَمِثْلُهُ الْغَائِبُ عَلَى يَوْمَيْنِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ قَالَهُ ابْنُ عَاصِمٍ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: سَاكِتٌ أَنَّهُ عَالِمٌ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُخَاصِمِ بَيْنَ يَدَيْ حَاكِمٍ، وَالْخِصَامُ عِنْدَ غَيْرِهِ لَا عِبْرَةَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ سَالِمٌ، وَلَوْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِالْحِيَازَةِ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَا يَكَادُ يَخْفَى، وَلَوْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِالتَّصَرُّفِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْحِيَازَةُ دَالَّةٌ عَلَى نَقْلِ الْمِلْكِ لَا نَاقِلَةٌ لَهُ (قَوْلُهُ: لَمْ تُسْمَعْ) أَيْ دَعْوَاهُ عَدَمَ سَمَاعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي، أَوْ بَيِّنَتُهُ بَعْدَ مُدَّةِ الْحِيَازَةِ فِي غَيْرِ وَثَائِقِ الْحُقُوقِ، وَإِلَّا فَلَهُ الْقِيَامُ بِمَا فِيهَا، وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْحَبْسُ لَا تَنْفَعُ فِيهِ الْحِيَازَةُ بَلْ الْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ، وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الطُّرُقُ وَالْمَسَاجِدُ لَا حِيَازَةَ فِيهَا بَلْ تُسْمَعُ فِيهَا الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ، وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ بَعْضَهَا يَقَعُ فِيهِ الْقَضَاءُ) أَيْ وَهُوَ مَا تُسْمَعُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ، وَالْبَعْضُ الثَّانِي مَا لَا يَقَعُ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَهُوَ مَا لَا تُسْمَعُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا فَعَلَهُ الْمُؤَلِّفُ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَرُبَّمَا يَذْكُرُونَهَا (قَوْلُهُ كَالْإِسْكَانِ) أَيْ لِلْغَيْرِ وَكَالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ فِي الْأُصُولِ (قَوْلُهُ: بِمَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ يَسِيرًا وَأَوْلَى إذَا كَانَ كَثِيرًا وَأَمَّا إذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ حِيَازَةٌ مُطْلَقًا وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ، وَطَرِيقَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ ظَاهِرُ أَبِي الْحَسَنِ وَالتَّوْضِيحِ أَنَّ الْهَدْمَ وَالْبِنَاءَ لِلْإِصْلَاحِ مُطْلَقًا وَلِغَيْرِهِ إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يَحْصُلُ بِهِ الْحِيَازَةُ بَيْنَ الْأَجَانِبِ فَلَيْسَ كَالسُّكْنَى (قَوْلُهُ: فَإِنَّ هَذِهِ لَا يَحْتَاجُ مَعَهَا إلَى طُولِ الزَّمَانِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَتَى أُخْبِرَ بِأَنَّ سِلْعَتَهُ بَاعَهَا فُلَانٌ وَسَكَتَ، وَلَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ وَادَّعَى الْبَائِعُ مِلْكِيَّتَهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ مِلْكًا لِلْبَائِعِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُلْتَفَتُ لِكَلَامِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: غَيْرَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ أَيْ: وَأَمَّا الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ فَعَمَّمُوا فِي التَّصَرُّفِ فَجَعَلُوهُ شَامِلًا لِمَا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: وَفِي ابْنِ مَرْزُوقٍ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ عَشْرَ سِنِينَ خِلَافًا لِابْنِ مَرْزُوقٍ (قَوْلُهُ: إنْ جَازَ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ أَبَا حَيَّانَ قَالَ لَا يَقَعُ التَّنَازُعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>