يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا لِأَنَّ يَمِينَ الدَّمِ لَا تَكُونُ إلَّا خَمْسِينَ وَلِأَنَّ التُّهْمَةَ تَتَنَاوَلُ كُلَّ شَخْصٍ بِمُفْرَدِهِ ثُمَّ بَعْدَ الْحَلِفِ تَلْزَمُهُمْ الدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا نَكَلُوا كُلُّهُمْ فَلَوْ حَلَفَ الْبَعْضُ وَنَكَلَ الْبَعْضُ فَمَنْ حَلَفَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ نَكَلَ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الدِّيَةَ كَامِلَةً مِنْ مَالِهِ بِلَا قَسَامَةٍ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ شَهِدَتْ بِالْقَتْلِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَيْ فِي أَمْوَالِهِمْ أَنَّ الْقَتْلَ عَمْدٌ فَلَوْ كَانَ خَطَأً كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ إنْ حَلَفُوا أَوْ نَكَلُوا أَوْ إنْ حَلَفَ بَعْضٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ نَكَلَ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضٌ وَمَفْهُومُ اثْنَانِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَالْحُكْمُ أَنَّهُمْ يُقْسِمُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا أَنَّ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ قَتَلَهُ وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ عَلَى الْجَمِيعِ وَلَا يُنَافِي هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْقَسَامَةُ عَلَى وَاحِدٍ تَعَيَّنَ لَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَتْلِ
(ص) وَإِنْ انْفَصَلَتْ بُغَاةٌ عَنْ قَتْلَى وَلَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ فَهَلْ لَا قَسَامَةَ وَلَا قَوَدَ مُطْلَقًا أَوْ إنْ تَجَرَّدَ عَنْ تَدْمِيَةٍ وَشَاهِدٍ أَوْ عَنْ شَاهِدٍ فَقَطْ تَأْوِيلَاتٌ (ش) الْمُرَادُ بِالْبَغْيِ قِتَالُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ لِأَجْلِ عَدَاوَةٍ أَوْ غَارَةٍ فَيَخْرُجُ قِتَالُ الْكُفَّارِ وَالْمُحَارِبِينَ وَنَحْوِهِمَا فَإِنْ انْفَصَلَتْ الْبُغَاةُ عَنْ الْقَتْلَى وَلَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ فَهَلْ يَكُونُ الْمَقْتُولُ هَدَرًا وَلَا قَسَامَةَ وَلَا قَوَدَ سَوَاءٌ ادَّعَى الْمَقْتُولُ أَنَّ دَمَهُ عِنْدَ أَحَدٍ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ شَهِدَ بِذَلِكَ شَاهِدٌ مِنْ غَيْرِ الْبُغَاةِ أَمْ لَا وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْ مَحَلُّ عَدَمِ الْقَسَامَةِ وَالْقَوَدِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ تَدْمِيَةٌ وَلَا شَاهِدٌ وَعَلَيْهِ لَوْ كَانَ هُنَاكَ تَدْمِيَةٌ أَيْ بِأَنْ قَالَ الْمَقْتُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ أَوْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ شَاهِدٌ فَالْقَسَامَةُ وَالْقَوَدُ ثَابِتَانِ وَبِهِ فَسَّرَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ أَوْ مَحَلُّ عَدَمِ الْقَسَامَةِ وَالْقَوَدِ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ تَدْمِيَةٌ إذَا لَمْ يَشْهَدْ شَاهِدٌ وَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ شَاهِدٌ لَوَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالْقَوَدُ وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ الْمُدَوَّنَةَ فَهِيَ ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ أَنَّهُ لَوْ عُلِمَ بِبَيِّنَةٍ لَاقْتُصَّ مِنْهُ قَالَهُ مَالِكٌ
(ص) وَإِنْ تَأَوَّلُوا فَهَدَرٌ كَزَاحِفَةٍ عَلَى دَافِعَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْبُغَاةَ الْمُتَقَدِّمَ ذِكْرُهُمْ لَوْ كَانَ قِتَالُهُمْ بِتَأْوِيلٍ مِنْهُمْ فَإِنَّ مَنْ قُتِلَ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ يَكُونُ هَدَرًا كَدِمَاءِ زَاحِفَةٍ عَلَى دَافِعَةٍ فَإِنَّ دِمَاءَ الزَّاحِفَةِ هَدَرٌ بِخِلَافِ دِمَاءِ الدَّافِعَةِ فَلَيْسَ بِهَدَرٍ بَلْ فِيهِ الْقِصَاصُ وَالْمُرَادُ بِالتَّأْوِيلِ هُنَا الشُّبْهَةُ أَيْ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ شُبْهَةٌ يُعْذَرُ بِهَا بِأَنْ ظَنَّتْ كُلُّ طَائِفَةٍ أَنَّهَا يَجُوزُ لَهَا قِتَالُ الْأُخْرَى لِكَوْنِهَا أَخَذَتْ مَالَهَا وَأَوْلَادَهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا التَّأْوِيلُ بِاصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَهُوَ النَّظَرُ فِي الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ خِلَافًا لتت
(ص) وَهِيَ خَمْسُونَ يَمِينًا مُتَوَالِيَةً بَتًّا وَإِنْ أَعْمَى أَوْ غَائِبًا (ش) لَمَّا قَدَّمَ سَبَبَ الْقَسَامَةِ ذَكَرَ تَفْسِيرَهَا بِأَنَّهَا خَمْسُونَ يَمِينًا مُتَوَالِيَةً لِأَنَّهَا أَرْهَبُ وَأَوْقَعُ فِي النَّفْسِ وَتَكُونُ عَلَى الْبَتِّ لَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَلَوْ كَانَ الَّذِي يَحْلِفُ أَعْمَى أَوْ كَانَ غَائِبًا حَالَ الْقَتْلِ إذْ الْعَمَى وَالْغَيْبَةُ لَا يَمْنَعَانِ مِنْ تَحْصِيلِ أَسْبَابِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِالْخَبَرِ وَالسَّمَاعِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْمُعَايَنَةِ وَاعْتَمَدَ الْبَاتُّ
ــ
[حاشية العدوي]
أَيْ مَحْصُورِينَ حَتَّى يَتَأَتَّى اسْتِحْلَافُ كُلٍّ خَمْسِينَ يَمِينًا وَإِلَّا فَهَدَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ فِيمَنْ هَرَبَ
(قَوْلُهُ عَنْ قَتْلَى) أَيْ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ الْمُرَادُ بِالْبَغْيِ إلَخْ) أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْبُغَاةِ هُنَا مَنْ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ بَلْ الْمُرَادُ مِنْ بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَوْ كَانُوا مُلْتَزِمِينَ لِطَاعَةِ الْإِمَامِ كَمَا يَقَعُ فِي بَعْضِ قُرَى مِصْرَ (قَوْلُهُ لِأَجْلِ عَدَاوَةٍ) أَيْ أَنَّ الْقِتَالَ إمَّا لِأَجْلِ عَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا أَوْ لِأَجْلِ غَارَةٍ أَيْ غَارَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْغَارَةَ تَسْتَلْزِمُ الْعَدَاوَةَ وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ شَاهِدٌ مِنْ غَيْرِ الْبُغَاةِ) وَأَمَّا مِنْ الْبُغَاةِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَلَوْ مِنْ طَائِفَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ لِعَدَمِ الْعَدَالَةِ لِحُصُولِ الْبَغْيِ (تَنْبِيهٌ) : قَالَ اللَّقَانِيِّ وَالْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ مِنْ أَصْلِهَا لِأَنَّهُمْ مُتَمَالِئُونَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فَإِذَا كَانَ الْقَتْلُ مِنْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ اُقْتُصَّ مِنْ الْأُخْرَى وَإِنْ كَانَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ اُقْتُصَّ مِنْ كُلٍّ لِلْأُخْرَى إلَّا أَنَّ الْحُكْمَ وَقَعَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَهِيَ مُشْكِلَةٌ اهـ.
وَقَرَّرَ بَعْضُ شُيُوخِنَا فَقَالَ كَانَ الْقِيَاسُ قَتْلَ الْجَمِيعِ فِي إحْدَاهُمَا بِقَتْلِ وَاحِدٍ لِأَنَّهُمْ مُتَمَالِئُونَ لَكِنْ لَمْ يُنْظَرْ لِذَلِكَ هُنَا كَمَا حَكَمَ بِذَلِكَ الصَّحَابَةُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ) قَالَ مُحَشِّي تت قَوْلُهُ أَوْ إنْ تَجَرَّدَ عَنْ تَدْمِيَةٍ وَشَاهِدٍ رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ الْأَخَوَانِ وَأَشْهَبُ وَأَصْبَغُ وَهُوَ تَأْوِيلُ الْأَكْثَرِ فَكَانَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ تَأَوَّلُوا فَهَدَرٌ) أَيْ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُتَأَوِّلًا فَالدَّمُ الْحَاصِلُ بَيْنَهُمَا هَدَرٌ وَأَمَّا إذَا تَأَوَّلَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَإِنَّ دَمَ الْمُتَأَوِّلَةِ قِصَاصٌ وَدَمَ الْأُخْرَى هَدَرٌ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَزَاحِفَةٍ عَلَى دَافِعَةٍ فَالزَّاحِفَةُ غَيْرُ مُتَأَوِّلَةٍ وَالدَّافِعَةُ مُتَأَوِّلَةٌ ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الرَّفْعُ لِلْحَاكِمِ أَوْ دَفْعُهُمْ بِالْمُنَاشَدَةِ وَإِلَّا فَلَا قِصَاصَ فِي الدَّافِعَةِ أَيْضًا وَتَلَخَّصَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ لَا يَتَأَوَّلَانِ أَوْ يَتَأَوَّلَانِ أَوْ تَتَأَوَّلُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى
(فَائِدَةٌ) كَانَ الْقِصَاصُ مُتَعَيِّنًا فِي زَمَنِ مُوسَى وَالدِّيَةُ مُتَعَيِّنَةً فِي زَمَنِ عِيسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِي شَرِيعَتِنَا شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجُوزُ الْأَمْرَانِ عَلَى تَفْصِيلِهِ ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ
(قَوْلُهُ مُتَوَالِيَةً) إلَّا أَنَّهُ فِي الْعَمْدِ يَحْلِفُ هَذَا يَمِينًا وَهَذَا يَمِينًا حَتَّى تَتِمُّ أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَحْلِفُ جَمِيعَ مَا يَنْوِيهِ عَلَى حِدَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ أَصْحَابُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ أَنَّ الْعَمْدَ إذَا نَكَلَ وَاحِدٌ يَبْطُلُ الدَّمُ وَأَمَّا الْخَطَأُ إذَا نَكَلَ وَاحِدٌ لَا يَبْطُلُ عَلَى أَصْحَابِهِ أَفَادَهُ عج (قَوْلُهُ لَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ) بِأَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَتَلَهُ غَيْرَك بَلْ يَقُولُ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَنَّك قَتَلْته وَصِفَةُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ فَقَطْ وَلَا يَلْزَمُهُ زِيَادَةُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِالْخَبَرِ وَالسَّمَاعِ) أَيْ يَحْصُلُ بِسَمَاعِ الْخَبَرِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِالْخَبَرِ عَلَى حِدَتِهِ وَبِالسَّمَاعِ عَلَى حِدَتِهِ