قِرَاءَةِ ضَمِّ الْهَمْزَةِ مِنْ أُحْصِنَّ، أَمَّا عَلَى فَتْحِهَا فَمَعْنَاهُ أَسْلَمْنَ، وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى فَلَا حُجَّةَ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْجَلْدُ مَعَ الْإِحْصَانِ دُونَ الرَّجْمِ فِي التَّزْوِيجِ فَلَأَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِمْ الرَّجْمُ إذَا لَمْ يَتَزَوَّجْنَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَالْآيَةُ سَبَقَتْ لِنَفْيِ الرَّجْمِ عَنْ الْأَرِقَّاءِ، وَذَلِكَ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ
. (ص) وَتُحُصِّنَ كُلٌّ دُونَ صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ وَالْوَطْءِ بَعْدَهُ. (ش) يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ الرَّقِيقَيْنِ إذَا أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ، ثُمَّ أَصَابَ صَاحِبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَحَصَّنُ دُونَ صَاحِبِهِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ لَهُ عِتْقٌ، وَكَذَلِكَ إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ ثُمَّ أَصَابَ صَاحِبَهُ فَإِنَّهُ يَتَحَصَّنُ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْوَطْءِ الَّذِي يُحْصِنُ أَنْ يَكُونَ بِانْتِشَارٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَمْنُوعًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ مُنَاكَرَةٌ كَمَا فِي الْإِحْلَالِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَبِعِبَارَةِ وَتُحُصِّنَ إلَخْ قَضِيَّةٌ مُهْمَلَةٌ فِي قُوَّةِ الْجُزْئِيَّةِ، وَكُلٌّ فَاعِلٌ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ السُّوءُ فَهُوَ فِي قُوَّةِ قَوْلِنَا: وَقَدْ يَتَحَصَّنُ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ دُونَ صَاحِبِهِ، وَقَدْ يَتَحَصَّنَانِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ يَتَحَصَّنُ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، وَقَدْ لَا يَتَحَصَّنَانِ، وَقَدْ يَتَحَصَّنُ الزَّوْجُ دُونَ الزَّوْجَةِ، أَوْ بِالْعَكْسِ وَلَوْ قَالَ: بِكَالْعِتْقِ، وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي بَعْدِهِ رَاجِعًا لِكَالْعِتْقِ، وَيَكُونُ شَامِلًا لِجَمِيعِ الصُّوَرِ كَانَ أَحْسَنَ لَكِنْ إنَّمَا خَصَّ الْعِتْقَ؛ لِأَنَّهُ الْمُطَّرِدُ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَا يَطَّرِدُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى مِنْ جَانِبِ الرَّجُلِ، وَلَا يَتَأَتَّى فِي حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ تَحْتَ كَافِرٍ
. (ص) وَغُرِّبَ الذَّكَرُ الْحُرُّ فَقَطْ عَامًا. (ش) هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَدِّ، وَهُوَ التَّغْرِيبُ مَعَ الْحَدِّ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحُرَّ الذَّكَرَ إذَا زَنَى فَإِنَّهُ يُحَدُّ مِائَةً، وَيُغَرَّبُ عَامًا كَامِلًا مِنْ يَوْمِ سِجْنِهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي نُفِيَ إلَيْهِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَا تَغْرِيبَ عَلَيْهِ لِمَا يَلْحَقُ سَيِّدَهُ مِنْ الضَّرَرِ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى، وَكَذَا الْحُرَّةُ لَا تَغْرِيبَ عَلَيْهَا لَمَا يُخْشَى عَلَيْهَا مِنْ الزِّنَا بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَوْ رَضِيَ سَيِّدُ الْعَبْدِ، أَوْ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ: غُرِّبَ أَنَّهُ لَوْ غَرَّبَ نَفْسَهُ لَا يَكْفِي، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَغُرِّبَ الذَّكَرُ الْحُرُّ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. (ص) وَأَجْرُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ. (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحُرَّ الذَّكَرَ الَّذِي يُغَرَّبُ أُجْرَةُ حَمْلِهِ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي يُنْفَى إلَيْهِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَكَذَا الْمُحَارِبُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ، أَوْ لَمْ يُتَوَصَّلْ إلَيْهِ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَتَجَوَّزَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْأُجْرَةِ أَيْ: أُجْرَةِ الْحَمْلِ وَالْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ، وَالْغِطَاءِ وَالْوَطْءِ وَالسِّجْنِ. (ص) كَفَدَكَ وَخَيْبَرَ مِنْ الْمَدِينَةِ. (ش) فَدَكُ قَرْيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ، وَقِيلَ: ثَلَاثُ مَرَاحِلَ وَخَيْبَرُ قَرْيَةٌ أَيْضًا فَيُنْفَى الزَّانِي وَالْمُحَارِبُ إلَى
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يَظْهَرُ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَفْهُومَ الْآيَةِ قَطْعًا أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يُحْصِنُوا لَا جَلْدَ عَلَيْهِمْ.
(تَنْبِيهٌ) : يُنْدَبُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَكُونَ الْجَلْدُ مَعَ حُضُورِ جَمَاعَةٍ أَرْبَعَةٍ، أَوْ اثْنَيْنِ وَهُمَا لِمَالِكٍ قِيلَ: الْحُضُورُ لِلزَّجْرِ، وَقِيلَ: لِلدُّعَاءِ بِالتَّوْبَةِ، وَيُفْهَمُ مِنْ الْقُرْطُبِيِّ أَنَّ الْحُضُورَ فِي الْجَلْدِ دُونَ الرَّجْمِ. اهـ. إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّهُ يُقَدَّمُ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ، وَأَمَّا عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ أَحْصَنَّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فَهِيَ شَاهِدَةٌ لَنَا وَتَكُونُ عَامَّةً فَلَا تَخْتَصُّ بِالْقِرَاءَةِ الْأُولَى، ثُمَّ إنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى يُنَافِي قَوْلَهُ: إنَّمَا يَتَأَتَّى إلَخْ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنَّا نَقُولُ إلَخْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قِرَاءَةَ أَحْصَنَّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ثَابِتَةٌ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهَا سَبُعِيَّةٌ فَلَعَلَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِيهَا أَنَّهَا مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَيَقُولُونَ: أَنَّ الْآيَةَ الْمُقَيَّدَةَ وَرَدَتْ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ فَلَا تُقَيِّدُ الْمُطْلَقَ
(قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْإِحْلَالِ) أَيْ: إحْلَالِ الْمَبْتُوتَةِ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ فِي قُوَّةِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهَا كُلِّيَّةٌ لِقَوْلِهِ بِالْعِتْقِ، وَقَوْلُهُ: وَقَدْ يَتَحَصَّنَانِ أَيْ: إذَا عَتَقَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَحَصَلَ الْوَطْءُ أَيْ: وَقَدْ لَا يَتَحَصَّنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَقَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَيْ: حَاصِلُ الْمُصَنِّفِ، وَقَوْلُهُ: كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِأَنْ تَجْتَمِعَ الشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، وَقَوْلُهُ: وَقَدْ لَا يَتَحَصَّنَانِ كَمَا إذَا اخْتَلَّتْ الشُّرُوطُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَقَوْلُهُ: وَقَدْ يَتَحَصَّنُ الزَّوْجُ دُونَ الزَّوْجَةِ بِأَنْ وُجِدَتْ الشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِيهِ فَقَطْ وَكَذَا يُقَالُ فِي عَكْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ شَامِلًا لِجَمِيعِ الصُّوَرِ) أَيْ: فَيَشْمَلُ الْعَقْلَ وَالْإِسْلَامَ وَالْبُلُوغَ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْعَقْلَ مُطَّرِدٌ كَالْعِتْقِ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَا يَطَّرِدُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَكَذَا الْبُلُوغُ لَا يَطَّرِدُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي بُلُوغِ الزَّوْجِ فَيَتَحَصَّنُ بِبُلُوغِهِ وَوَطْئِهِ لِزَوْجَتِهِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ وَلَا يَتَأَتَّى فِي الْعَكْسِ؛ لِأَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ وَوَطِئَهَا زَوْجُهَا الصَّبِيُّ لَا يَتَحَصَّنُ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمُطَّرِدُ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَقْلَ لَا يَطَّرِدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَطَّرِدُ، وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَا يَطَّرِدُ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْبُلُوغَ لَيْسَ مِثْلَهُ فَتَدَبَّرْ حَقَّ التَّدَبُّرِ
. (قَوْلُهُ: وَغُرِّبَ الذَّكَرُ إلَخْ) أَيْ: الْمُتَوَطِّنُ لَا مِنْ زِنًا بِفَوْرِ نُزُولِهِ بِبَلَدٍ فَيُجْلَدُ وَيُسْجَنُ بِهَا عَلَى مَا يَأْتِي وَإِنَّمَا غُرِّبَ عُقُوبَةً لَهُ لِيَنْقَطِعَ عَنْ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَمَعَاشِهِ، وَتَلْحَقُهُ الْمَذَلَّةُ بِغَيْرِ بَلَدِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ رَضِيَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُنَافٍ لِمُقْتَضَى قَوْلِهِ: بِمَا يَلْحَقُ سَيِّدَهُ مِنْ الضَّرَرِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الضَّرَرُ عَلَى ضَرَرٍ فِي الْبَدَنِ مُشْتَقٍّ. (قَوْلُهُ: وَأَجْرُهُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْحُرُّ الذَّكَرُ مِنْ حَمْلِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا. (قَوْلُهُ: فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَخْ) اُنْظُرْهُ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ إذْ الْمُرَادُ بِبَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَكِرَاؤُهُ فِي مَسِيرِهِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فِي الزَّانِي وَالْمُحَارِبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَفِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَهُ أَصْبَغُ. (قَوْلُهُ: وَتَجَوَّزَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْأَجْرِ) أَيْ: فَأَرَادَ بِالْأَجْرِ مَا يَشْمَلُ ثَمَنَ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ إلَخْ فَهُوَ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ أَوْ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَالْمَأْكَلِ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: الْحَمْلِ وَالْمَعْنَى وَأَجْرُ الْمَأْكَلِ أَيْ: ثَمَنُهُ. (قَوْلُهُ: كَفَدَكَ إلَخْ) بِالصَّرْفِ وَعَدَمِهِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ أَسْمَاءُ الْبِقَاعِ يَجُوزُ فِيهَا الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ بِاعْتِبَارِ الْمَوْضِعِ وَالْبُقْعَةِ. (قَوْلُهُ: وَخَيْبَرَ) قَرْيَةٌ أَيْضًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَفَدَكُ بِفَتْحَتَيْنِ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى خَيْبَرَ فَقَوْلُهُ: وَخَيْبَرَ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ أَيْ: شَبِيهٌ بِهِ وَلَعَلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute