للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَشَرْعًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْقَذْفُ الْأَعَمُّ نِسْبَةُ آدَمِيٍّ غَيْرَهُ لِزِنًا، أَوْ قَطْعُ نَسَبِ مُسْلِمٍ وَالْأَخَصُّ لِإِيجَابِ الْحَدِّ نِسْبَةُ آدَمِيٍّ مُكَلَّفٍ غَيْرَهُ حُرًّا عَفِيفًا مُسْلِمًا بَالِغًا، أَوْ صَغِيرَةً تُطِيقُ الْوَطْءَ لِزِنًا، أَوْ قَطْعُ نَسَبِ مُسْلِمٍ فَقَوْلُهُ: نِسْبَةُ آدَمِيٍّ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ، وَغَيْرَهُ مَفْعُولُهُ أَخْرَجَ بِهِ قَذْفَ نَفْسِهِ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْحَدِّ نِسْبَةُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ غَيْرَهُ، وَنِسْبَةُ الْعَبْدِ وَكَثِيرًا مِمَّا لَا تَتَقَرَّرُ شُرُوطُ الْقَذْفِ فِيهِ إمَّا بِاتِّفَاقٍ، أَوْ بِخِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، قَوْلُهُ: أَوْ قَطْعُ نَسَبِ مُسْلِمٍ أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا لَمْ يَقْطَعْ نَسَبًا، أَوْ قَطَعَ نَسَبَ غَيْرِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى قَذْفًا، الْأَوَّلُ إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: لَسْت ابْنًا لِفُلَانَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَذْفًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ عَنْهَا، وَإِنْ قَالَ: لَيْسَ أَبُوك الْكَافِرُ مِنْ أَبِيهِ فَلَمْ يَقْطَعْ نَسَبًا أَيْضًا، وَحَدَّ الْمُؤَلِّفُ الْقَذْفَ بِقَوْلِهِ: (ص) قَذْفُ الْمُكَلَّفِ. (ش) هُوَ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُكَلَّفِ هُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ فَقَطْ، فَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا إذَا قَذَفَا غَيْرَهُمَا، وَيَدْخُلُ فِي الْمُكَلَّفِ السَّكْرَانُ. (ص) حُرًّا مُسْلِمًا. (ش) هَذَا هُوَ الْمَقْذُوفُ أَيْ: إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ فَقَطْ حَيْثُ كَانَ الْمَقْذُوفُ بِهِ نَفْيَ النَّسَبِ، فَالْكَافِرُ وَالْعَبْدُ لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ أَبَوَا الرَّقِيقِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ، وَإِلَّا حُدَّ لَهُمَا، وَقَوْلُهُ: حُرًّا مُسْلِمًا مَا لَمْ يَكُنْ أَبَوَاهُ رَقِيقَيْنِ، أَوْ كَافِرَيْنِ، وَقَوْلُهُ: حُرًّا مَفْعُولُ قَذَفَ، ثُمَّ إنَّ الشُّرُوطَ عَشْرَةٌ اثْنَانِ فِي الْقَاذِفِ، وَهُمَا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَاثْنَانِ فِي الْمَقْذُوفِ بِهِ، وَهُمَا نَفْيُ النَّسَبِ وَالزِّنَا، وَسِتَّةٌ فِي الْمَقْذُوفِ لَكِنْ إنْ كَانَ بِنَفْيِ نَسَبٍ اُشْتُرِطَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ، وَالْإِسْلَامُ فَقَطْ، وَيُزَادُ عَلَيْهِمَا فِي الْقَذْفِ بِزِنًا أَرْبَعَةٌ: الْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالْعِفَّةُ وَالْآلَةُ. (ص) بِنَفْيِ نَسَبٍ عَنْ أَبٍ، أَوْ جَدٍّ لَا أُمٍّ. (ش) هَذَا شَرْطٌ فِي الْمَقْذُوفِ بِهِ كَانَ صَرِيحًا، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْإِشَارَةِ مِنْ الْأَخْرَسِ فَمَنْ نَفَى إنْسَانًا عَنْ أَبِيهِ، أَوْ عَنْ جَدِّهِ لِأَبِيهِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ إذَا كَانَ نَسَبُهُ مَعْلُومًا، وَأَمَّا إنْ نَفَى نَسَبَهُ عَنْ أُمِّهِ، فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأُمُومَةَ مُحَقَّقَةٌ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَبُ فَقَطْ، وَأَمَّا الْأُبُوَّةُ فَثَابِتَةٌ بِالْحُكْمِ، وَالظَّنِّ فَلَا يُعْلَمُ كَذِبُهُ فِي نَفْيِهِ فَتَلْحَقُهُ بِذَلِكَ مَعَرَّةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَسَبَهُ إلَى الْكُفْرِ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَبُ فَقَطْ. قَوْلُهُ: عَنْ أَبٍ أَيْ: دَنِيَّةٍ بِدَلِيلِ عَطْفِ الْجَدِّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ كَافِرًا، أَوْ عَبْدًا وَهُوَ كَذَلِكَ

. (ص) وَلَا إنْ نَبَذَ. (ش) أَيْ: إذَا نَفَى نَسَبَهُ عَنْ أَبٍ مُعَيَّنٍ كَلَسْتَ ابْنَ فُلَانٍ فَلَا يُحَدُّ، وَأَمَّا لَوْ نَفَى نَسَبَهُ مُطْلَقًا كَيَا ابْنَ الزَّانِيَةِ، أَوْ يَا ابْنَ الزَّانِي، أَوْ يَا وَلَدَ زِنًا فَإِنَّهُ يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مَنْبُوذًا أَنْ يَكُونَ ابْنَ الزِّنَا، وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إذَا قَالَ لِلْمَنْبُوذِ: يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَيُؤَدَّبُ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ لَمْ تُعْرَفْ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: نِسْبَةُ آدَمِيٍّ غَيْرَهُ لِزِنًا) أَيْ: لِوَطْءٍ غَيْرِ مُبَاحٍ، وَقَوْلُهُ: أَوْ قَطْعُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: نِسْبَةُ فَهُوَ بِالرَّفْعِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا كَانَ الْمَقْطُوعُ نَسَبُهُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا.

(قَوْلُهُ: وَالْأَخَصُّ لِإِيجَابِ الْحَدِّ) أَيْ: الْكَائِنِ لِإِيجَابِ الْحَدِّ. (قَوْلُهُ: حُرًّا إلَخْ) حَالٌ مِنْ غَيْرِهِ أَيْ: حَالَةَ كَوْنِ الْغَيْرِ حُرًّا عَفِيفًا مُسْلِمًا بَالِغًا وَاشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ إنَّمَا هُوَ فِي الذَّكَرِ الْفَاعِلِ، وَأَمَّا الْمَفْعُولُ فَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ. (قَوْلُهُ: لِزِنًا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: نِسْبَةُ، وَقَوْلِهِ: أَوْ قَطْعُ إلَخْ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ نِسْبَةُ. (قَوْلُهُ: أَخْرَجَ بِهِ قَذْفَ نَفْسِهِ) كَقَوْلِهِ: أَنَا زَانٍ فَإِنَّهُ، وَإِنْ حُدَّ فَإِنَّمَا يُحَدُّ لِلزِّنَا مَا لَمْ يَرْجِعْ لَا لِلْقَذْفِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: أَنَا نَغِلٌ فَإِنَّهُ وَإِنْ حُدَّ فَإِنَّمَا يُحَدُّ مِنْ حَيْثُ رَمَى أُمَّهُ بِالزِّنَا لَا مِنْ حَيْثُ نَفْسُهُ، وَقَوْلُهُ: وَنِسْبَةُ الْعَبْدِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ: نِسْبَةُ الْعَبْدِ لِزِنًا. (قَوْلُهُ: إمَّا بِاتِّفَاقٍ) أَيْ: عَدَمُ التَّقْرِيرِ إمَّا بِاتِّفَاقٍ أَوْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مِثَالُ الْأَوَّلِ مَا إذَا نَسَبَ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ لِلزِّنَا، وَمِثَالُ الثَّانِي وَهُوَ مَا كَانَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ بِنَفْيِ النَّسَبِ حُرًّا مُسْلِمًا، وَكَانَ أَبُوهُ كَافِرًا، أَوْ عَبْدًا فَهَذَا لَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُ الْقَذْفِ عَلَى الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَقْطَعْ نَسَبًا إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لَمْ يَقْطَعْ نَسَبَ مُسْلِمٍ.

(تَنْبِيهٌ) : يَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ ابْنِ عَرَفَةَ قَذْفُ الْمَجْنُونِ مَعَ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ إنْ كَانَ جُنُونُهُ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ إلَى حِينِ قَذْفِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعَرَّةَ عَلَيْهِ فِي صُدُورِ ذَلِكَ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَحَدَّ الْمُؤَلِّفُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ حَدًّا لِلْقَذْفِ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُوجِبُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً. (قَوْلُهُ: قَذْفُ الْمُكَلَّفِ) وَلَوْ حَرْبِيًّا بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ احْتِرَازًا مِنْ الْحَرْبِيِّ إذَا قَذَفَ مُسْلِمًا بِبَلَدِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَسْلَمَ، أَوْ أُسِرَ، أَوْ دَخَلَ بِأَمَانٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ فِي الْمُكَلَّفِ السَّكْرَانُ) أَيْ: بِحَرَامٍ لِأَنَّهُ مَتَى أَطْلَقَ فَالْمَعْنَى سَكْرَانُ بِحَرَامٍ فَمَنْ شَرِبَ خَمْرًا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَاءٌ فَسَكِرَ فَهَذَا غَيْرُ حَرَامٍ فَقَذْفُهُ لَا يُوجِبُ حَدًّا. (قَوْلُهُ: لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِمَا) أَيْ: بِنَفْيِ النَّسَبِ.

(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ أَبَوَا الرَّقِيقِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ) أَيْ: وَأَمَّا إذَا كَانَ أَبَوَاهُ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَيُحَدُّ قَاذِفُهُمَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ أَبُوهُ حُرًّا مُسْلِمًا وَأُمُّهُ أَمَةً. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ أَبَوَاهُ رَقِيقَيْنِ) أَيْ: وَأَمَّا إذَا كَانَ أَبَوَاهُ رَقِيقَيْنِ فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ بِنَفْيِ النَّسَبِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ وَهُمَا تَقْرِيرَانِ، وَالْآتِي هُوَ مَا لعج فَإِنَّهُ قَالَ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكَذَا كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَمُفَادُ تَقْرِيرِ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.

(تَنْبِيهٌ) شَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَذْفَ أَمَةٍ حَامِلٍ مِنْ سَيِّدِهَا الْحُرِّ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ وَضْعِهَا بِأَنَّهَا حَامِلَةٌ مِنْ زِنًا فَيُحَدُّ عِنْدَ مَالِكٍ لَا عِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ؛ لِاحْتِمَالِ انْفِشَاشِ الْحَمْلِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى الْحَدِّ حَيْثُ لَمْ يُنْفَشْ. (قَوْلُهُ: الْبُلُوغُ) فَقَاذِفُ الصَّبِيِّ بِأَنَّهُ فَاعِلٌ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَكَذَا يُقَالُ: فِيمَا بَعْدُ فَحِينَئِذٍ مَنْ قَذَفَ مَجْنُونًا أَوْ مَجْبُوبًا بِالْفِعْلِ فِيهِ فَيُحَدُّ وَلَوْ رَقِيقًا. (قَوْلُهُ: أَوْ عَنْ جَدِّهِ لِأَبِيهِ) كَقَوْلِهِ: لَسْتُ ابْنَهُ أَيْ: الْجَدِّ فَيُحَدُّ وَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ لَسْتُ ابْنَهُ مُبَاشَرَةً؛ لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَبًا فَلَا يُصَدَّقُ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَنْ جَدِّهِ لِأَبِيهِ) أَيْ: وَأَمَّا لَوْ نَفَاهُ عَنْ جَدِّهِ لِأُمِّهِ فَلَا حَدَّ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَبُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>