للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُقَابِلُهَا وَتُقَابِلُهُ وَهِيَ أَقْسَامٌ: قِبْلَةُ تَحْقِيقٍ وَهِيَ قِبْلَةُ الْوَحْيِ كَقِبْلَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقِبْلَةُ إجْمَاعٍ وَهِيَ قِبْلَةُ جَامِعِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهَا، وَقِبْلَةُ اسْتِتَارٍ وَهِيَ قِبْلَةُ مَنْ غَابَ عَنْ الْبَيْتِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ عَنْ مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَقِبْلَةُ اجْتِهَادٍ وَهِيَ قِبْلَةُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَرَمَيْنِ وَقِبْلَةُ بَدَلٍ وَهِيَ الْآتِيَةُ فِي قَوْلِهِ وَصَوْبَ سَفَرِ قَصْرٍ إلَخْ، وَقِبْلَةُ تَخْيِيرٍ وَهِيَ الْآتِيَةُ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَوْ تَحَيَّرَ مُجْتَهِدٌ تَخَيَّرَ، وَقِبْلَةُ عِيَانٍ.

وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْآنَ بِقَوْلِهِ عَاطِفًا لَهُ عَلَى طَهَارَةِ حَدَثٍ بِقَوْلِهِ (ص) وَمَعَ الْأَمْنِ اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لِمَنْ بِمَكَّةَ فَإِنْ شَقَّ فَفِي الِاجْتِهَادِ نَظَرٌ (ش) أَيْ وَشَرْطٌ لِفَرْضٍ وَنَفْلٍ مَعَ الْأَمْنِ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ وَمَعَ الْقُدْرَةِ مُسَامَتَةُ بِنَاءِ ذَاتِ الْكَعْبَةِ تَيَقُّنًا بِجَمِيعِ بَدَنِهِ لِمَنْ هُوَ بِمَكَّةَ اتِّفَاقًا وَلَا يَكْفِي الِاجْتِهَادُ وَلَا جِهَتُهَا؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْيَقِينِ تَمْنَعُ الِاجْتِهَادَ الْمُعَرَّضَ لِلْخَطَأِ فَلَوْ صُفَّ صَفٌّ مَعَ حَائِطِهَا فَصَلَاةُ الْخَارِجِ عَنْهَا وَلَوْ بِبَعْضِ بَدَنِهِ بَاطِلَةٌ فَيُصَلُّونَ دَائِرَةً أَوْ قَوْسًا وَالْعَاجِزُ عَنْ ذَلِكَ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ كَعَادِمِ الْمَاءِ فَيُصَلِّي الْآيِسُ أَوَّلَ الْمُخْتَارِ وَالرَّاجِي آخِرَهُ وَلَكِنْ يُعِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْوَقْتِ كَصَحِيحٍ لَيْسَ بِمَكَّةَ أَخْطَأَ.

وَلَوْ صَلَّى إلَى غَيْرِهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّحَوُّلِ أَوْ التَّحْوِيلِ أَعَادَ أَبَدًا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ أَيْ وَيُصَلِّي الْمُتَرَدِّدُ وَسَطَهُ كَمَا يُفِيدُهُ التَّشْبِيهُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمُسَامَتَةِ بِوَجْهِهِ اسْتَدَلَّ بِالْمَطَالِعِ وَالْمَغَارِبِ كَمَنْ بِغَيْرِهَا وَإِنْ أَمْكَنَهُ وَلَكِنْ شَقَّ عَلَيْهِ تَحْصِيلُهَا لِكَوْنِهِ مَرِيضًا أَوْ شَيْخًا يَحْتَاجُ لِصُعُودِ سَطْحٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ حَرَجٌ فَفِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لَهُ بِالْمَطَالِعِ وَنَحْوِهَا كَمَنْ بِغَيْرِهَا لِانْتِفَاءِ الْحَرَجِ مِنْ الدِّينِ وَمَنَعَهُ مِنْهُ نَظَرًا إلَى الْقُدْرَةِ ابْنُ رَاشِدٍ وَهُوَ الصَّوَابُ نَظَرٌ أَيْ تَرَدُّدٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ تَرَدَّدَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي ذَلِكَ.

(ص) وَإِلَّا فَالْأَظْهَرُ جِهَتُهَا اجْتِهَادًا (ش) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ وَلَا بِالْمَدِينَةٍ وَلَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ لَا السَّمْتِ خِلَافًا لِابْنِ الْقَصَّارِ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا لَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا وَعَلَى مُقَابِلِهِ أَبَدًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَوَجَّهَ ابْنُ رُشْدٍ فِي قَوَاعِدِهِ الْكُبْرَى الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ فِي قَوْله تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤] أَيْ جِهَةَ شَطْرِهِ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» إذَا

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ الْوَحْيِ) أَيْ الْإِيحَاءِ أَيْ الْقِبْلَةُ الْحَاصِلَةُ بِسَبَبِ إيحَاءِ اللَّهِ جِبْرِيلَ أَيْ فَيَكُونُ الْمَوْلَى قَالَ لِجِبْرِيلَ قُلْ لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَعْهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَسَيَأْتِي مَا فِي ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ) فَقَدْ وَقَفَ عَلَى جَامِعِ عَمْرٍو ثَمَانُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ.

(قَوْلُهُ مَنْ غَابَ عَنْ الْبَيْتِ) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ فِي مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ.

(قَوْلُهُ وَقِبْلَةُ عِيَانٍ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ قِبْلَةَ الْعِيَانِ بِالْمَعْنَى الَّذِي فَسَّرَهَا بِهِ تَشْمَلُ قِبْلَةَ الِاسْتِتَارِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ قِبْلَةُ التَّقْلِيدِ وَهِيَ الْمُشَارُ لَهَا بِقَوْلِهِ وَقَلَّدَ غَيْرَهُ. .

(قَوْلُهُ وَمَعَ الْأَمْنِ) يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلْعِطْفِ أَيْ وَشُرِطَ مَعَ الْأَمْنِ اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ شُرِطَ لِصَلَاةٍ طَهَارَةُ حَدَثٍ وَخَبَثٍ وَأَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِئْنَافِ وَهُوَ أَوْلَى لِمَا قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ مِنْ أَنَّ الْوَاوَ الدَّاخِلَةَ فِي أَوَّلِ الْقَصَائِدِ وَفُصُولِ الْمُصَنَّفِينَ الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِئْنَافِ قَالَهُ اللَّقَانِيِّ (قَوْلُهُ وَمَعَ الْأَمْنِ) أَيْ وَالْقُدْرَةِ كَمَا زَادَهُ الشَّارِحُ خَرَجَ بِالْأَمْنِ الْمُسَايَفَةُ حَالَ الِالْتِحَامِ وَكَذَا الْخَائِفُ مِنْ سَبُعٍ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وَالْقُدْرَةِ الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ التَّحْوِيلُ وَلَا التَّحَوُّلُ وَالْمَرْبُوطُ وَمَنْ تَحْتَ الْهَدْمِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ الِاسْتِقْبَالُ.

(قَوْلُهُ اسْتِقْبَالُ عَيْنِ إلَخْ) وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِي سَرَبٍ أَوْ مُطَّمَرٍ تَحْتَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ (قَوْلُهُ لِمَنْ بِمَكَّةَ) أَيْ وَمَنْ كَانَ بِجِوَارِهَا لِمَنْ يُمْكِنُهُ الْمُسَامَتَةُ يَقِينًا (قَوْلُهُ فَفِي الِاجْتِهَادِ نَظَرٌ) أَرْجَحُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُسَامَتَةِ يَقِينًا.

(قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) أَيْ كَسِبَاعِ.

(قَوْلُهُ تَيَقُّنًا) بِالْمُشَاهَدَةِ لِمَنْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمُرَادُ بِالْمُشَاهَدَةِ الْإِحْسَاسُ فَيَشْمَلُ الْأَعْمَى (قَوْلُهُ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ) فَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ عُضْوٌ عَنْ الْكَعْبَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ نَقَلَهُ الْحَطَّابُ عَنْ ابْنِ الْمُعَلَّى.

(قَوْلُهُ أَوْ قَوْسًا) نِصْفُ الدَّائِرَةِ (قَوْلُهُ وَالْعَاجِزُ عَنْ ذَلِكَ لِمَرَضٍ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ فِي مَكَّةَ.

(قَوْلُهُ وَلَكِنْ يُعِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْوَقْتِ) إذَا صَلَّى فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ فَلَوْ صَلَّى الْمُتَرَدِّدُ قَبْلَ الْوَسَطِ فَالظَّاهِرُ كَذَلِكَ نُدِبَ الْإِعَادَةُ وَقَوْلُهُ وَالرَّاجِي آخِرَهُ هَذَا لَا يَأْتِي فِيمَنْ كَانَ أَخَّرَهُ آخِرَ الْوَقْتِ بِحَيْثُ وَافَقَ فَرَاغُهُ مِنْهَا دُخُولَ الْوَقْتِ الثَّانِي.

(قَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى إلَى غَيْرِهَا) أَيْ صَلَّى الْمَرِيضُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوَّلَ مَرِيضٌ عَاجِزٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّحَوُّلِ وَلَا التَّحْوِيلِ وَهَذَا مَرِيضٌ يَقْدِرُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ عَلَى التَّحَوُّلِ) أَيْ تَحَوُّلِهِ بِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ وَالتَّحْوِيلِ أَيْ كَوْنِ الْغَيْرِ يُحَوِّلُهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمُسَامَتَةِ) وَالصُّورَةُ أَنَّهُ فِي مَكَّةَ أَيْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَطْلُعَ عَلَى سَطْحٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ اسْتَدَلَّ بِالْمَطَالِعِ) أَيْ بِالْكَوَاكِبِ الطَّالِعَةِ وَالْغَارِبَةِ عَلَى سَمْتِ الْكَعْبَةِ.

(قَوْلُهُ كَمَنْ بِغَيْرِهَا) أَيْ يَسْتَدِلُّ عَلَى الْجِهَةِ فَلَمْ يَكُنْ التَّشْبِيهُ تَامًّا.

(قَوْلُهُ وَلَكِنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ) أَيْ فَلَمْ يَتَعَذَّرْ الِاسْتِقْبَالُ وَالْمُرَادُ الْمَشَقَّةُ الشَّدِيدَةُ وَلَيْسَتْ هِيَ خَوْفُ الْمَرَضِ وَلَا زِيَادَتُهُ.

(قَوْلُهُ فَفِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لَهُ) أَيْ عَلَى الْعَيْنِ لَا عَلَى الْجِهَةِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُسَامَتَةِ يَقِينًا.

(فَإِنْ قُلْت) سَيَأْتِي أَنَّ وُجُوبَ الْقِيَامِ يَسْقُطُ بِالْمَشَقَّةِ مَعَ أَنَّهُ رُكْنٌ قُلْنَا قَدْ يَفُوقُ الشَّرْطُ الرُّكْنَ فِي الْقُوَّةِ كَمَا هُنَا وَكَالِاسْتِقْبَالِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ وَالْقِيَامُ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْفَرِيضَةِ.

(تَنْبِيهٌ) : كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ تَرَدُّدٌ.

(قَوْلُهُ كَمَنْ بِغَيْرِهَا) التَّشْبِيهُ لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِيهَا يَجْتَهِدُ عَلَى الْعَيْنِ وَاَلَّذِي بِغَيْرِهَا يَجْتَهِدُ عَلَى الْجِهَةِ لَا عَلَى الْعَيْنِ.

(قَوْلُهُ اجْتِهَادًا) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ أَيْ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ الِاجْتِهَادُ أَوْ مُحَوَّلٌ عَنْ الْخَبَرِ أَيْ فَالْأَظْهَرُ الِاجْتِهَادُ فِي الْجِهَةِ أَوْ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ بِالِاجْتِهَادِ

<<  <  ج: ص:  >  >>