للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِحَمْدِهِ وَسُجُودٍ نَحْوِ سُبْحَانَك رَبِّي ظَلَمْت نَفْسِي وَعَمِلْت سُوءًا فَاغْفِرْ لِي وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ حَدًّا وَلَا دُعَاءً مَخْصُوصًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا أَعْرِفُ قَوْلَ النَّاسِ فِي الرُّكُوعِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَفِي السُّجُودِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَأَنْكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَيْ أَنْكَرَ وُجُوبَهُ وَتَعَيُّنَهُ لَا أَنَّ تَرْكَهُ أَحْسَنُ مِنْ فِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ السُّنَنِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ الْعَمَلُ بِهَا عِنْدَ الْجَمِيعِ.

(ص) وَتَأْمِينِ فَذٍّ مُطْلَقًا وَإِمَامٍ بِسِرٍّ وَمَأْمُومٍ بِسِرٍّ أَوْ جَهْرٍ إنْ سَمِعَهُ عَلَى الْأَظْهَرِ وَإِسْرَارِهِمْ بِهِ (ش) أَيْ إنَّهُ يُنْدَبُ عَلَى الْمَذْهَبِ تَأْمِينُ الْفَذِّ أَيْ قَوْلُهُ آمِينَ عَقِبَ وَلَا الضَّالِّينَ فِي قِرَاءَتِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ قِرَاءَةُ الصَّلَاةِ سِرًّا أَوْ جَهْرًا كَمَا يُنْدَبُ لِلْإِمَامِ التَّأْمِينُ عَلَى قِرَاءَتِهِ فِي السَّرِيَّةِ وَكَذَا مَأْمُومُهُ، وَأَمَّا فِي الْجَهْرِيَّةِ فَلَا يُنْدَبُ لِلْإِمَامِ وَيُنْدَبُ لِلْمَأْمُومِ إنْ سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مُؤَمِّنٌ حِينَئِذٍ عَلَى دُعَائِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ فَلَا عَلَى الْأَظْهَرِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ دُعَاءٌ يُؤَمِّنُ عَلَيْهِ لَا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْرَأُ وَلَا لِإِمَامِهِ لِعَدَمِ سَمَاعِهِ، وَالتَّأْمِينُ إجَابَةٌ وَهِيَ فَرْعُ السَّمَاعِ فَلَوْ تَحَرَّى كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ لِرُبَّمَا أَوْقَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَرُبَّمَا صَادَفَ آيَةَ عَذَابٍ، وَكُلُّ مَنْ طُلِبَ مِنْهُ التَّأْمِينُ إمَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِسْرَارُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِخْفَاءُ فَالضَّمِيرُ فِي إنْ سَمِعَهُ لِلْجَهْرِ أَيْ إنْ سَمِعَ جَهْرَ الْإِمَامِ بِآخِرِ الْفَاتِحَةِ وَلَا يَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى التَّأْمِينِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُؤَمِّنُ.

(ص) وَقُنُوتٍ سِرًّا بِصُبْحٍ فَقَطْ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ (ش) هُوَ أَيْضًا مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَجْرُورِ أَيْ وَنُدِبَ الْقُنُوتُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ لُغَةً الطَّاعَةُ وَالْعِبَادَةُ {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} [النحل: ١٢٠] وَالسُّكُوتُ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨] وَالْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ وَالدُّعَاءُ بِخَيْرٍ» وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَيُنْدَبُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ سِرًّا وَيُنْدَبُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فِي الصُّبْحِ لَا فِي وِتْرٍ وَلَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لَهُ خِلَافًا لِمَنْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ لَكِنْ لَوْ وَقَعَ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ، قَالَهُ سَنَدٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ الْقُنُوتِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ الْكَرَاهَةُ وَيُنْدَبُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّفْقِ بِالْمَسْبُوقِ وَعَدَمِ الْفَصْلِ بِهِ بَيْنَ رُكْنَيْ الصَّلَاةِ وَلَوْ نَسِيَ الْقُنُوتَ حَتَّى انْحَنَى

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ وَبِحَمْدِهِ) خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَتَقْدِيرُهُ وَذَلِكَ بِحَمْدِهِ أَيْ بِسَبَبِ تَوْفِيقِهِ وَإِعَانَتِهِ عَلَى التَّسْبِيحِ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ وَقِيلَ الْبَاءُ بِمَعْنَى الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لَهُ وَهُوَ قَوْلٌ لَا نَظِيرَ لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ شب.

(قَوْلُهُ فَاغْفِرْ لِي) هَذَا دُعَاءٌ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْدَبُ فِي السُّجُودِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدُّعَاءَ فِي السُّجُودِ مُسْتَحَبٌّ فَاقْتِصَارُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا يُفَوِّتُ الْمَنْدُوبَ الْآخَرَ (قَوْلُهُ وَلَا دُعَاءً مَخْصُوصًا) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَدًّا شَامِلٌ لِلتَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ.

(فَإِنْ قُلْت) كَلَامُنَا فِي التَّسْبِيحِ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ وَلَا دُعَاءً (قُلْت) الْمَقُولُ فِي السُّجُودِ كَمَا تَبَيَّنَ لَك تَضَمَّنَ التَّسْبِيحَ وَالدُّعَاءَ (قَوْلُهُ وَأَنْكَرَهُ) هُنَا تَمَّ الْكَلَامُ أَيْ إنَّ الْإِمَامَ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ ابْنُ رُشْدٍ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَالَ: مَعْنَى إنْكَارِ الْإِمَامِ ذَلِكَ إنْكَارُ تَعَيُّنِهِ وَأَنَّهُ قَدْرٌ لَا يَتَعَدَّى فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْأَوْلَى ذَلِكَ أَيْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ فِي السُّجُودِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَفِي الرُّكُوعِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ السُّجُودَ أَشْرَفُ مِنْ الرُّكُوعِ وَسُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى أَشْرَفُ مِنْ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ فَأَعْطَى الْأَشْرَفَ لِلْأَشْرَفِ وَغَيْرَهُ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ السُّنَنِ) أَرَادَ بِهَا الطَّرِيقَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ.

(قَوْلُهُ يُنْدَبُ عَلَى الْمَذْهَبِ) مُقَابِلُهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ فَلَا يُنْدَبُ لِلْإِمَامِ) أَيْ بَلْ يُكْرَهُ وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ يَجُوزُ وَهُوَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ أَوْ يُخَيَّرُ وَهُوَ لِابْنِ بُكَيْرٍ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ فَلَا عَلَى الْأَظْهَرِ) أَيْ فَلَا يُؤَمِّنُ عَلَى الْأَظْهَرِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْأَظْهَرِ لَيْسَ رَاجِعًا لِلْمَنْطُوقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَمِعَهُ يُؤْمَرُ بِالتَّأْمِينِ اتِّفَاقًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ فَيَتَعَيَّنُ رُجُوعُهُ لِلْمَفْهُومِ أَيْ: لَا إنْ لَمْ يَسْمَعْهُ عَلَى الْأَظْهَرِ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهُ لَا يُؤْمَرُ بِالتَّأْمِينِ مَعَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِعَدَمِهِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ وَالظَّاهِرُ اسْتِحْبَابًا وَأَنَّهُ يُكْرَهُ التَّأْمِينُ (قَوْلُهُ وَرُبَّمَا صَادَفَ آيَةَ عَذَابٍ) أَيْ مُتَعَلِّقَةً بِالْمُؤْمِنِينَ أَيْ أَوْ بِالْكَافِرِينَ مِنْ حَيْثُ تَرَجِّي إيمَانِهِمْ.

(قَوْلُهُ أَيْ إنْ سَمِعَ جَهْرَ الْإِمَامِ بِآخِرِ الْفَاتِحَةِ) أَيْ الَّذِي هُوَ وَلَا الضَّالِّينَ وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ لِلْإِمَامِ أَيْ إنْ سَمِعَ الْإِمَامَ فِي آخِرِ الْفَاتِحَةِ قَالَ عب وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي تَكْبِيرِ الْعِيدِ وَتَحَرَّاهُ مُؤْتَمٌّ لَمْ يَسْمَعْ لِسُنَّتِهِ فَإِنْ سَمِعَ تَأْمِينَ مَأْمُومٍ لَا يُؤَمِّنُ وُقُوفًا مَعَ ظَاهِرِ الْخَبَرِ وَلِجَعْلِ ابْنِ عَرَفَةَ التَّحَرِّيَ مُقَابِلًا أَوْ يُؤَمِّنُ؛ لِأَنَّهُمْ نُوَّابُ الْإِمَامِ قَوْلَانِ.

(قَوْلُهُ وَقُنُوتٍ) هُوَ مَجْرُورٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَجْرُورِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَقِيلَ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ لُغَةً الطَّاعَةُ وَالْعِبَادَةُ) هُمَا بِمَعْنًى وَهُوَ الِانْقِيَادُ وَالْخُضُوعُ أَيْ وَأَمَّا اصْطِلَاحًا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْعِبَادَةَ أَخَصُّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ مُطْلَقًا وَالْعِبَادَةَ مَا تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْمَعْبُودِ فَتَنْفَرِدُ الطَّاعَةُ فِي النَّظَرِ الْمُوصِلِ لِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَعَانٍ لُغَوِيَّةٌ إلَّا مَا ذُكِرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ مِنْ مَعَانِيهِ اللُّغَوِيَّةِ الْإِقْرَارُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالصَّمْتُ وَالْخُشُوعُ.

(قَوْلُهُ وَالسُّكُوتُ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨] لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ «كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (قَوْلُهُ وَالدُّعَاءُ بِخَيْرٍ) فِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِلدُّعَاءِ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ يُقَالُ قَنَتَ لَهُ وَعَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ.

(قَوْلُهُ بَيْنَ رُكْنَيْ الصَّلَاةِ إلَخْ) أَفَادَ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَلَمْ يَنْظُرْ لِلرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَى رُكْنِيَّتِهِ (قَوْلُهُ حَتَّى انْحَنَى) أَيْ شَرَعَ فِي الِانْحِنَاءِ أَوْ انْحَنَى وَلَمْ يَطْمَئِنَّ فَفِي الصُّورَتَيْنِ الْبُطْلَانُ وَأَمَّا لَوْ انْحَنَى وَاطْمَأَنَّ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْإِتْيَانِ بِهِ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ إنْ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>