سُلْطَانٍ أَوْ نَائِبِهِ وَلَوْ أَنَّ غَيْرَهُ أَفْقَهُ وَأَفْضَلُ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ سُلْطَانٌ وَلَا نَائِبُهُ فَرَبُّ الْمَنْزِلِ الْمُجْتَمَعِ فِيهِ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْقَهَ مِنْهُ وَأَفْضَلَ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِقِبْلَتِهِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنْ يَؤُمَّ أَحَدٌ فِي الْمَسْجِدِ عَنْ إمَامِهِ الرَّاتِبِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَفِي دَارِهِ أَوْلَى، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمَالِكُ لِلذَّاتِ مَعَ مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ قُدِّمَ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ لِخِبْرَتِهِ بِعَوْرَةِ مَنْزِلِهِ وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَنْزِلِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً لَكِنْ الْعَبْدُ يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ مُبَاشَرَةً وَالْمَرْأَةُ اسْتِنَابَةً وَلِذَا تَسْتَخْلِفُ مَنْ شَاءَتْ، وَغَيْرُهَا مِنْ الذُّكُورِ الْمَمْنُوعِ الْإِمَامَةِ كَذَلِكَ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّ مَنْزِلٍ بِأَنْ اجْتَمَعُوا فِي غَيْرِهِ فَزَائِدُ فِقْهٍ وَإِنْ كَانَ الْمُحَدِّثُ أَفْضَلَ مِنْهُ لِأَعْلَمِيَّتِهِ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ، وَحَقُّ الْمُؤَلِّفِ أَنْ يُقَدِّمَ الْأَبَ وَالْعَمَّ عَلَى زَائِدِ الْفِقْهِ فَيَقُولَ: ثُمَّ أَبٌ وَعَمٌّ ثُمَّ زَائِدُ فِقْهٍ ثُمَّ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْفِقْهِ يُقَدَّمُ زَائِدُ حَدِيثٍ أَيْ: وَاسِعُ الرِّوَايَةِ وَالْحِفْظِ ثُمَّ مَعَ تَسَاوِيهِمْ حَدِيثًا وَمَا قَبْلَهُ فَيُقَدَّمُ زَائِدُ قِرَاءَةٍ أَيْ: أَدْرَى بِالْقِرَاءَةِ وَأَمْكَنُ فِي الْحُرُوفِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ قُرْآنًا أَوْ أَشَدَّ إتْقَانًا؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مُضَمَّنَةٌ بِالصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْعِبَادَةِ ثُمَّ مَعَ تَسَاوِيهِمْ قِرَاءَةً وَمَا قَبْلَهَا يُقَدَّمُ زَائِدُ عِبَادَةٍ مِنْ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ؛ لِأَنَّ مَنْ هَذَا شَأْنُهُ أَشَدُّ خَشْيَةً وَوَرَعًا وَتَنَزُّهًا ثُمَّ مَعَ تَسَاوِيهِمْ عِبَادَةً وَمَا قَبْلَهَا يُقَدَّمُ بِسِنِّ إسْلَامٍ لِزِيَادَةِ أَعْمَالِهِ ثُمَّ بِشَرَفِ نَسَبٍ لِدَلَالَتِهِ عَلَى صِيَانَةِ الْمُتَّصِفِ بِهِ عَمَّا يُنَافِي دِينَهُ وَيُوجِبُ لَهُ أَنَفَةً عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ بِكَمَالِ خَلْقٍ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ الصُّورَةُ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ وَالْخَيْرَ يَتْبَعَانِهَا غَالِبًا ثُمَّ بِحُسْنِ خُلُقٍ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ صِفَاتِ الشَّرَفِ وَقَدَّمَهُ بَعْضٌ عَلَى كَمَالِ الصُّورَةِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ هُنَا بِعَكْسِ الضَّبْطِ،
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: أَوْ نَائِبِهِ) فِيهِ حَمْلُ السُّلْطَانِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَقَالَ اللَّقَانِيِّ: الْمُرَادُ بِالسُّلْطَانِ مَنْ لَهُ سَلْطَنَةٌ كَانَ السُّلْطَانَ الْأَعْظَمَ أَوْ نَائِبَهُ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي وَالْبَاشَا وَنَحْوُهُمَا كَمَا أَفَادَهُ شب فَإِنْ اجْتَمَعَا فَاسْتَظْهَرَ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُقَدَّمُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ الْبَاشَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّ غَيْرَهُ أَفْقَهُ وَأَفْضَلُ) وَسَيَأْتِي فِي الْقَوْلَةِ الْآتِيَةِ مَا يُخَالِفُهُ فَهُمَا طَرِيقَتَانِ جُمِعَ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ) فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي السُّلْطَانِ مِنْ أَنَّهُ سَيَأْتِي يَحْكِي خِلَافَهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَدْرَى بِقِبْلَتِهِ) نَقُولُ: وَالْأَفْقَهُ أَدْرَى بِأَحْوَالِ الصَّلَاةِ، وَكَأَنَّهُ وَجْهُ مَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: لِأَنَّا نَمْنَعُ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَجْعَلَهُ تَعْلِيلًا ثَانِيًا. (قَوْلُهُ: أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ) قَالَ عب: احْتِرَازًا عَنْ مَالِكِ مَنْفَعَتِهِ بِعَارِيَّةٍ فَإِنَّ الظَّاهِرَ تَقْدِيمُ رَبِّهِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَا وَاقِفِ مَسْجِدٍ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَسْجِدِ مِنْ بَيْتٍ مَثَلًا اهـ.
وَقَالَ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ: الظَّاهِرُ تَقْدِيمُ الْمُسْتَعِيرِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ، وَقَوْلُ عب فَإِنَّ الظَّاهِرَ. لَا يُسَلَّمُ لَهُ. (قَوْلُهُ: عَبْدًا إلَخْ) أَيْ: فَيُقَدَّمُ عَلَى مَنْ بِبَيْتِهِ غَيْرَ سَيِّدِهِ وَإِلَّا قُدِّمَ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ حَقِيقَةً. (قَوْلُهُ: وَلِذَا تَسْتَخْلِفُ مَنْ شَاءَتْ) وُجُوبًا كَمَا فِي تت وَنَدْبًا كَمَا فِي الشَّيْخِ أَحْمَدَ وَلَا تَنَافِيَ إذْ مَعْنَى قَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا لَا تَتَقَدَّمُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهَا أَنْ تُقَدِّمَ رَجُلًا.
(قَوْلُهُ: وَغَيْرُهَا مِنْ الذُّكُورِ) أَيْ: مَا عَدَا الْكَافِرَ وَمَا عَدَا الْمَجْنُونَ وَمَا عَدَا الْمَغْمِيَّ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ الذَّكَرِ الْمَمْنُوعِ الْإِمَامَةِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ. (قَوْلُهُ: فَزَائِدُ فِقْهٍ) صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ الْأُولَى: أَنْ يَشْتَرِكَا فِي مَعْرِفَةِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ وَأَحَدُهُمَا أَزْيَدُ فِقْهًا. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْتَرِكَا فِي مَعْرِفَةِ الْفِقْهِ فَقَطْ وَيَزِيدَ أَحَدُهُمَا فِي الْفِقْهِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ أَبٌ وَعَمٌّ) أَيْ: فَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ وَلَوْ كَانَ ابْنُهُ أَزْيَدَ مِنْهُ فِقْهًا وَيُقَدَّمُ الْعَمُّ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ وَلَوْ كَانَ ابْنُ أَخِيهِ أَزْيَدَ فِقْهًا مِنْ شَرْحِ شب. وَمَعْنَى هَذَا كُلِّهِ عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ. وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِهَا فَيُقَدَّمُ زَائِدُ الْفِقْهِ مِنْ ابْنٍ وَابْنِ أَخٍ عَلَى أَبٍ وَعَمٍّ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ أَيْضًا وَلَا عُقُوقَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ الرِّضَا وَظَاهِرُهُ تَقْدِيمُ الْأَبِ وَالْعَمِّ وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ وَابْنَاهُمَا حُرَّانِ وَأَمَّا الْأَبُ وَالْعَمُّ فَهُمَا أَخَوَانِ فَيُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِمُوجِبٍ مِنْ الْمُوجِبَاتِ الْآتِيَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْ: وَاسِعُ الرِّوَايَةِ) أَيْ: النَّقْلِ عَنْ الثِّقَاتِ، وَعَطْفُ الْحِفْظِ مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّ وَاسِعَ الرِّوَايَةِ كَمَا يَصْدُقُ بِهِ يَصْدُقُ بِكَثِيرِ مَا كَتَبَهُ عَنْ الْأَشْيَاخِ وَضَبَطَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَافِظًا؛ لِأَنَّ الضَّبْطَ قِسْمَانِ: ضَبْطُ صَدْرٍ وَضَبْطُ كِتَابٍ.
(قَوْلُهُ: أَوْ أَشَدَّ إتْقَانًا) أَيْ: حِفْظًا وَانْظُرْ لَوْ وُجِدَ مَنْ يَحْفَظُ الْبَعْضَ وَهُوَ مُتْقِنٌ مِنْ جِهَةِ الْمَخَارِجِ، وَالثَّانِي أَكْثَرُ قُرْآنًا وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ الْأَوَّلِ. وَانْظُرْ لَوْ كَانَ كُلٌّ يَحْفَظُ الْبَعْضَ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ مَعْرِفَةً فِي الْمَخَارِجِ وَالثَّانِيَ أَشَدُّ حِفْظًا وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ مَحْفُوظُ الثَّانِي أَكْثَرَ وَانْظُرْ لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَحْفَظُ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَشَدُّ حِفْظًا وَالثَّانِيَ لَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ مَحْفُوظَهُ أَكْثَرُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مُضَمَّنَةٌ بِالصَّلَاةِ) عِلَّةٌ لِكَوْنِ زَائِدِ الْقِرَاءَةِ يَلِي مَا قَبْلَهُ وَيُقَدَّمُ عَلَى زَائِدِ الْعِبَادَةِ أَيْ: لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ جُعِلَتْ كَافِلَةً لِلصَّلَاةِ أَيْ: جُعِلَتْ مِنْ حَيْثُ وُجُودُهَا كَفِيلَةٍ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَكَمَالِهَا. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعِبَادَةِ) فَلَيْسَتْ مُسْتَلْزِمَةً لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: خَشْيَةً) هِيَ خَوْفٌ مَعَ تَعْظِيمٍ لِلْمَخُوفِ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: وَتَنَزُّهًا) أَيْ: وَتَبَاعُدًا عَمَّا يُخِلُّ بِدِينِهِ. (قَوْلُهُ: بِسِنِّ إسْلَامٍ لِزِيَادَةِ أَعْمَالِهِ) فَإِذَا وُجِدَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً إلَّا أَنَّ إسْلَامَهُ مِنْ نَحْوِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَابْنُ خَمْسِينَ سَنَةً مُسْلِمًا أَصْلِيًّا فَيُقَدَّمُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ أَزْيَدُ مِنْ حَيْثُ الْإِسْلَامُ. (قَوْلُهُ: أَنَفَةً) أَيْ: تَبَاعُدًا عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ شَارِحَنَا حَمَلَ قَوْلَهُ " ثُمَّ بِنَسَبٍ " عَلَى مَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ شَرَفُ النَّسَبِ وَكَذَا فِي تت إلَّا أَنَّ فِي عب وشب إنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ بِنَسَبٍ أَيْ: مَعْرُوفِ الْأَصْلِ كَانَ بِشَرَفٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ قَصَرَ الدَّلِيلُ وَهُوَ خَبَرُ «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا عَلَى الْأَوَّلِ» لِقِيَاسِ الثَّانِي عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَقْلَ) أَيْ: الْعَقْلَ الْكَامِلَ. (قَوْلُهُ: وَقَدَّمَهُ بَعْضٌ) أَيْ: وَهُوَ ابْنُ هَارُونَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ بِعَكْسِ الضَّبْطِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ جَعَلَهُ وَجْهًا مَرْجُوحًا مَعَ أَنَّ قَضِيَّةَ اسْتِظْهَارِ الْمُصَنِّفِ لَهُ فِي تَوْضِيحِهِ تَجْعَلُهُ وَجْهًا رَاجِحًا إذْ خَيْرُ مَا فَسَّرْته بِالْوَارِدِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ شَارِحَنَا اعْتَمَدَ فِي قُوَّةِ الْأَوَّلِ عَلَى الْأَخْذِ مِنْ الْأَشْيَاخِ وَكَذَا تَلَقَّاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ شَيْخِهِ كَذَلِكَ