للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْضًا يَجْلِسُونَ يَنْتَظِرُونَ قَضَاءَهُ لِيُسَلِّمُوا بِسَلَامِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ مِنْ بَقِيَّةِ صَلَاةِ الْأَوَّلِ وَقَدْ حَلَّ هَذَا مَحَلَّهُ فِي الْإِمَامَةِ فِيهِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ لِغَيْرِ مَعْنًى يَقْتَضِيهِ، وَانْتِظَارُ الْقَوْمِ لِفَرَاغِهِ مِنْ الْقَضَاءِ أَخَفُّ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ إمَامَتِهِ، وَقِيلَ: يَسْتَخْلِفُ مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ قَبْلَ قِيَامِهِ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ. فَقَوْلُهُ " وَجَلَسَ لِسَلَامِهِ الْمَسْبُوقُ " أَيْ: وَالْمُسْتَخْلَفُ فِي هَذِهِ أَيْضًا مَسْبُوقٌ. وَقَوْلُهُ " كَأَنْ سُبِقَ هُوَ " أَيْ: وَحْدَهُ دُونَ مَنْ خَلْفَهُ فَلَوْ لَمْ يَجْلِسْ الْمُقْتَدِي لِسَلَامِهِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالِاسْتِخْلَافِ إمَامَهُ وَقَدْ سَلَّمَ قَبْلَهُ وَقَضَى فِي صُلْبِهِ أَوْ حَصَلَ مِنْهُ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَانْظُرْ مَا وَجْهُ إبْرَازِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ " كَأَنْ سُبِقَ هُوَ ".

(ص) لَا الْمُقِيمِ يَسْتَخْلِفُهُ مُسَافِرٌ لِتَعَذُّرِ مُسَافِرٍ أَوْ جَهْلِهِ فَيُسَلِّمُ الْمُسَافِرُ وَيَقُومُ غَيْرُهُ لِلْقَضَاءِ. (ش) الْمُقِيمِ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ " سَلَامِ " مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْخَافِضِ أَيْ: لَا الْإِمَامِ الْمُقِيمِ يَسْتَخْلِفُهُ إلَخْ.

وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِمَامَ الْمُسَافِرَ إذَا اسْتَخْلَفَ مُقِيمًا عَلَى مُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ وَأَكْمَلَ صَلَاةَ الْأَوَّلِ فَإِنَّ مَنْ خَلْفَهُ مِنْ الْمُقِيمِينَ يَقُومُونَ لِإِتْمَامِ مَا عَلَيْهِمْ أَفْذَاذًا لِدُخُولِهِمْ عَلَى عَدَمِ السَّلَامِ مَعَ الْأَوَّلِ وَالْمُسَافِرِينَ يُسَلِّمُونَ لِأَنْفُسِهِمْ عِنْدَ قِيَامِ الْمُسْتَخْلَفِ الْمُقِيمِ لِمَا عَلَيْهِ وَلَا يَنْتَظِرُونَهُ لِيُسَلِّمُوا مَعَهُ إذْ لَمْ يَدْخُلْ هَذَا الْمُقِيمُ عَلَى أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْأَوَّلِ فِي السَّلَامِ وَقِيلَ: يَسْتَخْلِفُ مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ، وَقِيلَ: يَنْتَظِرُونَهُ. وَلَمَّا كَانَتْ السُّنَّةُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْمُسَافِرُ مِثْلَهُ لِكَرَاهَةِ إمَامَةِ الْمُقِيمِ لِلْمُسَافِرِ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى الْعُذْرِ بِقَوْلِهِ " لِتَعَذُّرِ اسْتِخْلَافِ مُسَافِرٍ " بِأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا هُنَاكَ وَلَا يَصْلُحَ لِلْإِمَامَةِ، وَلَيْسَ مِنْ التَّعَذُّرِ بُعْدُهُ لِإِمْكَانِ اسْتِخْلَافِهِ مَعَ صَلَاتِهِ فِي مَكَانِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ، أَوْ جَهْلُهُ أَيْ: جَهْلُ تَعْيِينِهِ مِنْ الْمُقِيمِينَ أَوْ جَهْلُ أَنَّهُ خَلْفَهُ أَوْ لِكَوْنِهِ جَاهِلًا فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ " أَوْ جَهْلُهُ " مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ أَوْ لِفَاعِلِهِ فَإِنْ قُلْت: كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا اسْتَخْلَفَهُ لِغَيْرِ تَعَذُّرِ مُسَافِرٍ وَجَهْلِهِ أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ كَذَلِكَ قُلْت: مُرَادُهُ بَيَانُ الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ اسْتِخْلَافُ الْمُقِيمِ عَلَى الْمُسَافِرِينَ إذْ اسْتِخْلَافُهُ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَكِنْ الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ " لِتَعَذُّرِ مُسَافِرٍ أَوْ جَهْلِهِ " لِيَشْمَلَ مَا إذَا اسْتَخْلَفَهُ مَعَ عَدَمِ تَعَذُّرِ الْمُسَافِرِ وَجَهْلِهِ، وَيُفْهَمُ حُكْمُ مَا إذَا اسْتَخْلَفَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهُوَ الْكَرَاهَةُ مِمَّا يَأْتِي فِي بَابِ السَّفَرِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْهُ جَوَازُ اسْتِخْلَافِهِ لِتَعَذُّرِ مُسَافِرٍ أَوْ جَهْلِهِ. تَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّ الْمُسَافِرَ يُسَلِّمُ وَيَقُومُ غَيْرُهُ لِلْقَضَاءِ عِنْدَ قِيَامِ الْمُسْتَخْلَفِ الْمُقِيمِ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ مِنْ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ يَجْلِسُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا لِسَلَامِ الْمُقِيمِ الْمُسْتَخْلَفِ

. (ص) وَإِنْ جَهِلَ مَا صَلَّى أَشَارَ فَأَشَارُوا وَإِلَّا سُبِّحَ بِهِ. (ش) أَيْ: إذَا جَهِلَ الْمُسْتَخْلَفُ الْمَسْبُوقُ مَا صَلَّى الْإِمَامُ الْأَوَّلُ أَشَارَ إلَيْهِمْ لِيُعْلِمُوهُ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمَأْمُومُونَ بِعَدَدِ مَا صَلَّى فَإِنْ فَهِمَ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا سَبَّحُوا بِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ بِالتَّسْبِيحِ كَلَّمُوهُ وَكَلَّمَهُمْ عَلَى مَا فِي سَمَاعِ مُوسَى. ابْنُ رُشْدٍ هُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ غَيْرُ مُبْطِلٍ. وَقَوْلُهُ " سَبَّحَ بِهِ " أَيْ: لِأَجْلِ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: وَقَدْ سَلَّمَ قَبْلَهُ إلَخْ) هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَأْمُومُ مَسْبُوقًا بِأَقَلَّ مِمَّا عَلَى الْمُسْتَخْلَفِ بِالْفَتْحِ وَقَوْلُهُ: أَوْ حَصَلَ مِنْهُ أَحَدُهُمَا أَيْ: الْقَضَاءُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ مَسْبُوقًا بِأَكْثَرَ أَوْ بِمُسَاوٍ أَوْ السَّلَامِ كَمَا إذَا كَانَ الَّذِي خَلْفَهُ غَيْرَ مَسْبُوقٍ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: مَا وَجْهُ إبْرَازِ الضَّمِيرِ) أَقُولُ: كَانَ وَجْهُهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ السَّبْقَ اخْتَصَّ بِهِ وَقَدْ أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: كَأَنْ سُبِقَ هُوَ أَيْ: وَحْدَهُ. (قَوْلُهُ: عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ) فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى: الْمَسْبُوقُ يَجْلِسُ لِسَلَامِ الْإِمَامِ الْمَسْبُوقِ لَا لِسَلَامِ الْإِمَامِ الْمُقِيمِ فَيَقْتَضِي تَقْيِيدَ هَذِهِ بِالْمَسْبُوقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ عَطْفُهُ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: وَجَلَسَ لِسَلَامِهِ إلَخْ؛ لِأَنَّهَا فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ أَيْ: الْمُسْتَخْلَفُ الْمَسْبُوقُ يَنْتَظِرُ لَا الْمُسْتَخْلَفُ الْمُقِيمُ وَفُرِّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَالسَّابِقَةِ بِأَنَّ هَذِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا عَلَى مُوَافَقَةِ الْإِمَامِ فِي السَّلَامِ فَلَا يَلْزَمُ انْتِظَارُ سَلَامِهِ بِخِلَافِ السَّابِقَةِ. (قَوْلُهُ: يَقُومُونَ لِإِتْمَامِ مَا عَلَيْهِمْ أَفْذَاذًا) أَيْ: وَهِيَ بِنَاءٌ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِلْقَضَاءِ تَسْمَحُ. (قَوْلُهُ: إذْ لَمْ يَدْخُلْ هَذَا الْمُقِيمُ عَلَى أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْأَوَّلِ فِي السَّلَامِ) أَيْ: حَتَّى يَنْتَظِرَهُ الْمُسَافِرُونَ يُسَلِّمُونَ بِسَلَامِهِ. (قَوْلُهُ: لِكَرَاهَةِ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ) أَيْ: الَّذِينَ هُمْ الْمُؤْتَمُّونَ بِالْمُقِيمِ نَقُولُ وَكَذَا يُكْرَهُ اقْتِدَاءُ الْمُقِيمِينَ الَّذِينَ خَلْفَهُ بِالْمُسَافِرِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا هُنَاكَ) وَإِنَّمَا لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الْعَدَمِ أَصْلًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَيُسَلِّمُ الْمُسَافِرُ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ أَيْ: لِكَوْنِهِ عَاجِزًا مَثَلًا أَوْ جَاهِلًا فَقَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدُ: أَوْ لِكَوْنِهِ جَاهِلًا. لَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّكْرَارُ إلَّا أَنْ يَخُصّ الْأَوَّلُ بِمَا عَدَا الْجَاهِلَ، بَقِيَ أَنْ يُقَالَ إنْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ صَحَّ الِائْتِمَامُ بِهِ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا وَتَصِحَّ صَلَاتُهُ وَلَا يَصِحَّ الِائْتِمَامُ بِهِ إلَّا أَنْ يُفْرَضَ ذَلِكَ فِي أُمِّيٍّ. وَقَوْلُهُ: فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ أَيْ: فِي الْأَوَّلَيْنِ وَقَوْلُهُ: أَوْ لِفَاعِلِهِ أَيْ: فِي الثَّالِثِ. (قَوْلُهُ: كَمَا يُفْهَمُ مِنْهُ) أَيْ: مِمَّا يَأْتِي فِي بَابِ السَّفَرِ، وَلَمَّا كَانَ فِي ذَلِكَ خَفَاءٌ قَالَ تَأَمَّلْ. (أَقُولُ) تَأَمَّلْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ إلَّا الْكَرَاهَةَ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ لَا عِنْدَ عَدَمِهِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ يَجْلِسُونَ) أَيْ: مُسَافِرُهُمْ وَمُقِيمُهُمْ وَلَا يَقُومُ الْمُقِيمُ لِيَأْتِيَ بِمَا عَلَيْهِ خَلْفَ الْمُسْتَخْلَفِ الْمُقِيمِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ بِإِمَامَيْنِ فِي صَلَاةٍ لَيْسَ أَحَدُهُمَا نَائِبًا عَنْ الْآخَرِ نَعَمْ لَوْ جَاءَ شَخْصٌ فَوَجَدَ الْإِمَامَ فِي رَكْعَتَيْ الْإِتْمَامِ فَلَهُ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ.

(قَوْلُهُ: أَشَارَ فَأَشَارُوا) أَيْ: لِيُعْلِمُوهُ بِمَا صَلَّى لَا بِمَا بَقِيَ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَإِنْ جَهِلَ مَا صَلَّى لِاتِّفَاقِ الْمُؤْتَمِّينَ سَوَاءٌ كَانُوا مُقِيمِينَ أَوْ مُسَافِرِينَ عَلَى مَا صَلَّى وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ فِيمَا بَقِيَ مَعَ أَنَّ الْعِلْمَ بِأَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِالْآخَرِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا سُبِّحَ بِهِ) فَإِنْ قُدِّمَ التَّسْبِيحُ مَعَ الْفَهْمِ بِالْإِشَارَةِ فَقِيلَ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ وَاسْتُظْهِرَ الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْإِفْهَامِ بِالتَّسْبِيحِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ يُبْطِلُ وَحَيْثُ حَصَلَ الْفَهْمُ بِالْإِشَارَةِ صَارَ التَّسْبِيحُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. (قَوْلُهُ: كَلَّمُوهُ) فَلَوْ كَلَّمُوهُ مَعَ وُجُودِ الْفَهْمِ بِالْإِشَارَةِ وَالتَّسْبِيحِ لَبَطَلَتْ.

(قَوْلُهُ: لِأَجْلِ إفْهَامِ الْمُسْتَخْلَفِ أَوْ بِسَبَبِهِ) مَرْجِعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>