للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِئَلَّا يَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَتُجْمِعُ الْجَذْمَى فِي مَوْضِعِهِمْ بِلَا أَذَانٍ وَأَوْجَبَ ابْنُ حَبِيبِ عَلَيْهِمْ السَّعْيَ إلَيْهَا قَالَ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ فِيهَا خَاصَّةً وَلِلسُّلْطَانِ مَنْعُهُمْ مِنْ غَيْرِهَا الْمَازِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ وَهَذَا عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ مَوْضِعًا يَتَمَيَّزُونَ فِيهِ أَمَّا لَوْ وَجَدُوهُ بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُ ضَرَرُهُمْ بِالنَّاسِ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ إذَا كَانَ الْمَكَانُ تَجْرِي فِيهِ الْجُمُعَةُ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ النَّاسِ وَمِثْلُ الْجُذَامِ الْبَرَصُ الْمُضِرُّ الرَّائِحَةِ وَمِنْهَا شِدَّةُ الْمَرَضِ بِحَيْثُ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ وَمِثْلُهُ كِبَرُ السِّنِّ وَمِنْهَا التَّمْرِيضُ لِمَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ وَيُخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةُ لَكِنْ تَمْرِيضُ الْقَرِيبِ الْخَاصِّ وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ الْمَوْتُ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى تَرْكِ تَمْرِيضِهِ ضَيَاعٌ، وَأَمَّا الْقَرِيبُ غَيْرُ الْخَاصِّ فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يُفِيدُ أَنَّ تَمْرِيضَهُ كَتَمْرِيضِ الْأَجْنَبِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّامِلِ أَنَّ التَّمْرِيضَ الْمُسْقِطَ هُوَ مَا يَحْصُلُ بِتَرْكِهِ هَلَاكُ الْمَرِيضِ وَلَوْ قَرِيبًا خَاصًّا وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ الْحَاجِبِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَمِنْهَا إشْرَافُ قَرِيبٍ عَلَى الْمَوْتِ وَنَحْوِهِ مِنْ صَدِيقٍ وَشَيْخٍ وَزَوْجَةٍ وَمَمْلُوكٍ وَلَوْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ لِأَنَّ تَخَلُّفَهُ لَيْسَ لِأَجْلِ تَمْرِيضِهِ بَلْ لِمَا عُلِمَ مِمَّا يَدْهَمُ الْقَرَابَةَ بِشِدَّةِ الْمُصِيبَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَيَجُوزُ التَّخَلُّفُ لِلنَّظَرِ فِي أَمْرِ مَيِّتٍ مِنْ إخْوَانِهِ مِمَّا يَكُونُ مِنْ شَأْنِ الْمَيِّتِ ابْنُ رُشْدٍ إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ أَوْ تَغَيُّرَهُ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِشْرَافُ قَرِيبٍ غَيْرُ قَوْلِهِ وَتَمْرِيضٍ

(ص) وَخَوْفٌ عَلَى مَالٍ، أَوْ حَبْسٌ، أَوْ ضَرْبٌ (ش) أَيْ وَمِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلتَّخَلُّفِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ الْخَوْفُ مِنْ ظَالِمٍ، أَوْ غَاصِبٍ، أَوْ نَارٍ عَلَى مَالٍ لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لَهُ بَالٌ بِأَنْ يُجْحَفَ بِهِ وَكَذَلِكَ خَوْفٌ عَلَى عِرْضٍ، أَوْ دِينٍ كَخَوْفِ إلْزَامِ قَتْلِ رَجُلٍ، أَوْ ضَرْبِهِ، أَوْ يَمِينِ بَيْعَةِ ظَالِمٍ أَوْ خَوْفِ حَبْسٍ، أَوْ ضَرْبٍ فَقَوْلُهُ، أَوْ حَبْسٌ وَمَا بَعْدَهُ بِالرَّفْعِ عُطِفَ عَلَى: خَوْفٌ بَعْدَ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ لَا بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَالٍ لِفَسَادِ الْمَعْنَى فَالتَّقْدِيرُ، أَوْ خَوْفُ حَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ قَالَ بَعْضٌ وَكَأَنَّ سَبَبَ عَطْفِهِمَا بِأَوْ خَوْفُ تَوَهُّمِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَكْفِي مُنْفَرِدًا

(ص) وَالْأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ، أَوْ حَبْسُ مُعْسِرٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلتَّخَلُّفِ خَوْفَ الْغَرِيمِ الْمُعْسِرِ أَنْ يَسْجُنَهُ غُرَمَاؤُهُ لِيَثْبُتَ عُسْرُهُ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ بَاطِنِ حَالِهِ مَا لَوْ تَحَقَّقَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ السِّجْنُ فَهُوَ مَظْلُومُ الْبَاطِنِ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِحَقٍّ فِي الظَّاهِرِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَقَالَ سَحْنُونَ لَا عُذْرَ لَهُ فِي التَّخَلُّفِ وَنَظَرَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيُّ بِمَا تَقَدَّمَ فَحَقُّ الْمُؤَلِّفِ أَنْ يَقُولَ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ وَتُجْمِعُ الْجَذْمَى) أَيْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ جَمَاعَةً، جَمْعُ أَجْذَمَ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ الْمَكَانُ تُجْزِئُ فِيهِ الْجُمُعَةُ) وَلَوْ الطُّرُقُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْجُمُعَةَ تُجْزِئُ فِي الطُّرُقِ (قَوْلُهُ بِحَيْثُ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ) تَصْوِيرٌ لِشِدَّةِ الْمَرَضِ وَإِنْ لَمْ يَشُقُّ جِدًّا كَمَا فِي شَرْحِ شب وَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا تَعَذَّرَ مَعَهُ الْإِتْيَانُ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ كِبَرُ السِّنِّ) لَكِنْ يَنْبَغِي لُزُومُهَا لِقَادِرٍ عَلَى مَرْكُوبٍ لَا يُجْحَفُ كَالْحَجِّ قَالَهُ الْمَنُوفِيُّ

(فَائِدَةٌ) الْمَرَضُ قِيلَ نُقْصَانُ الْقُوَّةِ، وَقِيلَ اخْتِلَالُ الطَّبِيعَةِ (قَوْلُهُ: وَيُخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ كَمَا أَفَادَهُ شَرْحُ شب وَالْمُرَادُ بِالضَّيْعَةِ أَنْ يُخَافَ عَلَيْهِ أَنْ يَقَعَ فِي نَارٍ مَثَلًا أَوْ يُخَافَ عَلَيْهِ الْعَطَشُ بَلْ خَوْفُ الضَّيْعَةِ أَعَمُّ (قَوْلُهُ إشْرَافُ قَرِيبٍ) وَأَوْلَى مَوْتُ كُلٍّ قَالَ عج: وَالْحَاصِلُ أَنَّ شِدَّةَ مَرَضِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ ابْنَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يُبِيحُ التَّخَلُّفَ وَأَوْلَى إشْرَافُ مَنْ ذُكِرَ عَلَى الْمَوْتِ، وَأَمَّا الصَّدِيقُ فَلَا يُبِيحُ شِدَّةُ مَرَضِهِ التَّخَلُّفَ وَيُبِيحُهُ الْإِشْرَافُ (قَوْلُهُ: مِنْ صَدِيقٍ) قَالَ تت وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الصَّاحِبُ غَيْرُ الصَّدِيقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ قَالَ عج وَلِقَرِيبِ الْمَرِيضِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ إذَا بَلَغَهُ مَا يَخْشَى مِنْهُ الْمَوْتَ وَقَدْ اسْتَصْرَخَ عُمَرُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ بَعْدَ تَأَهُّبِهِ لِلْجُمُعَةِ فَتَرَكَهَا وَذَهَبَ إلَيْهِ بِالْعَقِيقِ اهـ. قُلْت وَفِي الْمَدْخَلِ مَا نَصُّهُ وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ أَنَّ مِنْ إكْرَامِ الْمَيِّتِ تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَدَفْنَهُ فَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِمَّنْ كَانَ يُحَافِظُ عَلَى السُّنَّةِ إذَا جَاءُوا بِالْمَيِّتِ إلَى الْمَسْجِدِ صَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَيَأْمُرُ أَهْلَهُ أَنْ يَخْرُجُوا إلَى دَفْنِهِ وَيُعَلِّمُهُمْ أَنَّ الْجُمُعَةَ سَاقِطَةٌ عَنْهُمْ إنْ لَمْ يُدْرِكُوهَا بَعْدَ دَفْنِهِ فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا عَنْ نَفْسِهِ عَلَى مُحَافَظَتِهِ عَلَى السُّنَّةِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى الْبِدْعَةِ اهـ.

وَقَوْلُهُ وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ. إلَخْ فِيهِ تَصْدِيقٌ لِقَوْلِ بَعْضِ عُلَمَاءِ عَصْرِنَا: إنَّ مِنْ إكْرَامِ الْمَيِّتِ دَفْنَهُ، وَتَكْذِيبٌ لِمَنْ كَذَّبَهُ مِمَّنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ بَلْ إنَّهُ لَا أَعْلَمَ مِنْهُ ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ أَنَّ السُّنَّةَ مَا ذُكِرَ وَإِنْ لَمْ يُخْشَ تَغَيُّرُ الْمَيِّتِ وَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ الضَّيَاعُ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِشْرَافِ وَكَلَامُهُ يُفِيدُ أَنَّهُمْ إذَا دَخَلُوا وَقْتَ الْخُطْبَةِ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالذَّهَابِ لِدَفْنِهِ وَحَرَّرَهُ قَالَهُ فِي ك (قَوْلُهُ: مِمَّا يَدْهَمُ الْقَرَابَةَ) أَيْ الْأَقَارِبَ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ دَهَمَهُمْ الْأَمْرُ يَدْهَمُهُمْ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَفِي لُغَةٍ مِنْ بَابِ نَفَعَ فَاجَأَهُمْ فَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَقَوْلُهُ: بِشِدَّةٍ الْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ أَيْ لِمَا يَفْجَأُ الْأَقَارِبَ مِنْ شِدَّةِ الْمُصِيبَةِ أَوْ أَنَّ الْبَاءَ لِلتَّصْوِيرِ (قَوْلُهُ: ابْنُ رُشْدٍ. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ حَبْسٌ أَوْ ضَرْبٌ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ قَلِيلًا (قَوْلُهُ: أَوْ غَاصِبٌ) هُوَ نَفْسُ الظَّالِمِ (قَوْلُهُ: أَوْ يَمِينُ بَيْعَةِ ظَالِمٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ أَيْ كَخَوْفِ إلْزَامِ يَمِينِ بَيْعَةِ ظَالِمٍ بِأَنْ يَقُولَ الَّذِي يُرِيدُ التَّوْلِيَةَ احْلِفُوا لِي عَلَى أَنَّكُمْ لَا تَخْرُجُونَ مِنْ تَحْتِ يَدِي وَلَا مِنْ تَحْتِ حُكْمِي وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِلدِّينِ وَمِثَالُ الْعِرْضِ خَوْفٌ مِنْ سَبٍّ أَوْ قَذْفٍ (قَوْلُهُ: لِفَسَادِ الْمَعْنَى) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ أَوْ خَوْفٌ عَلَى حَبْسٍ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالْأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ) خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ أَيْ وَهُوَ أَظْهَرُ وَأَصَحُّ (قَوْلُهُ: لِيَثْبُتَ عُسْرُهُ) فَلَوْ كَانَ ثَابِتَ الْعُسْرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّخَلُّفُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَبْسُهُ فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يُحْبَسُ لِفَسَادِ الْحَالِ فَيَجُوزُ لَهُ التَّخَلُّفُ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: وَنَظَرَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيُّ بِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ قَالَا وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ بَاطِنِ حَالِهِ مَا لَوْ تَحَقَّقَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سِجْنٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] فَهُوَ مَظْلُومُ الْبَاطِنِ مَحْكُومٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>