للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ وَيُحِبُّهُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ

وأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا ضِدَّ لَهُ شَهَادَةً أَسْتَفْتِحُ بِمَدَدِهَا أَبْوَابَ الْجِنَانِ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلُهُ قُطْبُ دَائِرَةِ الْأَنْبِيَاءِ

ــ

[حاشية العدوي]

أَيْ مِمَّنْ كَانَ ذَا رُوحٍ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْغَايَةُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مَا يَشْمَلُ الْجَمَادَاتِ وَلَا مَانِعَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَخْلُقُ فِيهَا إدْرَاكًا فَتَسْتَغْفِرُ لَهُمْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ التَّسْبِيحِ الْتِزَامًا وَقَدْ قَالَ {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّسْبِيحُ بِلِسَانِ الْمَقَالِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ سِرُّ الْحَيَاةِ سَارَ عِنْدَنَا فِي جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ (قَوْلُهُ حَتَّى الْحِيتَانُ) جَمْعُ حُوتٍ وَالْمُرَادُ مُطْلَقُ السَّمَكِ، ثُمَّ إنَّ حَتَّى عَاطِفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ كُلُّ شَيْءٍ وَعَطَفَ بِهَا ذَلِكَ مَعَ دُخُولِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهَا خَارِجَةٌ مِنْ الْعُمُومِ لِكَوْنِهَا مُسْتَتِرَةً بِالْمَاءِ فَلَمْ تَكُنْ عَلَى ظَاهِرِ الْأَرْضِ كَبَقِيَّةِ الْحَيَوَانَاتِ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُسْتَغْفِرَ لَهُمْ هُوَ مَا شَارَكَهُمْ فِي الظُّهُورِ فَوْقَ الْأَرْضِ فَأَفَادَ بِذَلِكَ دَفْعُهُ (قَوْلُهُ وَيُحِبُّهُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ) أَيْ وَأَهْلُ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَيْ أَهْلُ كُلِّ سَمَاءٍ وَأَهْلُ كُلِّ أَرْضٍ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ اسْتِغْفَارُهُمْ لَهُمْ وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ، فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا الْمُوجِبُ لِاقْتِصَارِ الشَّارِحِ عَلَى مَا ذَكَرَ قُلْت لِشِدَّةِ مَحَبَّتِهِمْ وَعِظَمِهَا إذْ هُمْ مُصَفُّونَ مِنْ الْكُدُورَاتِ الْبَشَرِيَّةِ الْمُوجِبَةِ لِكَرَاهَتِهِمْ سَاعَةً مَا أَوْ؛ لِأَنَّ مَحَبَّةَ أَهْلِ الْأَرْضِ فَرْعٌ عَنْ مَحَبَّةِ أَهْلِ السَّمَاءِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ إذَا أَحَبَّ عَبْدًا أَمَرَ أَهْلَ السَّمَاءِ بِمَحَبَّتِهِ فَإِذَا أَحَبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ أَحَبَّهُ أَهْلُ الْأَرْضِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ أَلْ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بَعْضُ أَهْلِ الْأَرْضِ لَا كُلُّهُمْ لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ بُغْضِ أَعْدَاءِ الدِّينِ لِلْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ أَوْ أَنَّ الْمَحَبَّةَ مَرْكُوزَةٌ فِي قُلُوبِهِمْ وَالْبُغْضُ الْحَاصِلُ مِنْهُمْ كَالْمُتَكَلَّفِ لَهُمْ، ثُمَّ مِنْ لَازِمِ الْمَحَبَّةِ الدُّعَاءُ بِالْغُفْرَانِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ.

(قَوْلُهُ وَأَشْهَدَ) أَيْ أَعْتَرِفُ وَأُذْعِنُ إذْ لَا يُعْتَدُّ بِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ عَنْ صَمِيمِ الْقَلْبِ وَأَتَى بِذَلِكَ لِحَدِيثِ كُلِّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ (قَوْلُهُ أَنْ لَا إلَهَ إلَخْ) أَيْ لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ مَوْجُودٌ وَأَنْ مُخَفَّفَةٌ مِنْ الثَّقِيلَةِ لَا مُفَسِّرَةٌ وَاسْمُهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ وَجُمْلَةُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ خَبَرُهَا وَوَحْدَهُ حَالٌ اُخْتُلِفَ فِي صَاحِبِهَا هَلْ هُوَ اللَّهُ وَالضَّمِيرُ فِي الْخَبَرِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهِيَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ وَعَلَى الثَّانِي فَهِيَ مُؤَسِّسَةٌ (قَوْلُهُ وَحْدَهُ) حَالٌ مِنْ اللَّهِ أَيْ مُتَوَحِّدًا فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَهِيَ حَالٌ مُؤَسِّسَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ لَا شَرِيكَ لَهُ أَيْ فِي الْأَفْعَالِ وَقَوْلُهُ وَلَا ضِدَّ لَهُ أَيْ لَا مُضَادَّ لَهُ أَيْ لَا مُنَازِعَ لَهُ أَيْ يُرِيدُ أَنْ يَحِلَّ مَحَلَّهُ أَيْ يَقُومَ مَقَامَهُ وَلَا يُرِيدُ الْمُشَارَكَةَ وَقَوْلُهُ شَهَادَةً مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مُبَيِّنٌ لِلنَّوْعِ لِقَوْلِهِ أَشْهَدُ وَقَوْلُهُ أَسْتَفْتِحُ أَيْ أَطْلُبُ الْفَتْحَ بِمَدَدِهَا أَيْ بِمَا تَمُدُّهُ مِنْ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ.

(قَوْلُهُ أَبْوَابَ الْجِنَانِ) الثَّمَانِيَةَ هِيَ بَابُ الصَّلَاةِ وَبَابُ الزَّكَاةِ وَبَابُ الصِّيَامِ وَبَابُ الْجِهَادِ وَبَابُ التَّوْبَةِ وَبَابُ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَبَابُ الرَّاضِينَ أَيْ عَنْ اللَّهِ فِي أَحْكَامِهِ وَالْبَابُ الْأَيْمَنُ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنْ حَاشِيَةِ مُسْلِمٍ لِلسُّيُوطِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ بَابَ الْحَجِّ وَلَعَلَّهُ لِكَوْنِهِ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَا كَانَ مَبْرُورًا وَذَلِكَ نَادِرٌ فَتَدَبَّرْ، فَإِنْ قُلْت قَدْ عَلِمْنَا مِنْ ذَلِكَ أَصْحَابَ تِلْكَ الْأَبْوَابِ وَأَنَّهُمْ أُنَاسٌ مَخْصُوصُونَ لَا كُلُّ مَنْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَاحَظَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْت الْمَعْنَى أَنَّهَا تُفْتَحُ لَهُ إكْرَامًا لَهُ وَلَكِنْ لَا يَشَاءُ وَلَا يَدْخُلُ إلَّا مِنْ الْبَابِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِهِ كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ إذَا قَالَ آخِرَ الْوُضُوءِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إلَخْ وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَ أَنَّ لَهَا أَبْوَابًا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَلَا تَنَافِي؛ لِأَنَّ الثَّمَانِيَةَ هِيَ الْكَبِيرَةُ الْمَشْهُورَةُ وَمِنْ دَاخِلِ كُلِّ بَابٍ صِغَارٌ دُونَهَا كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ.

ثُمَّ إنَّ تَعْبِيرَهُ بِالْجِنَانِ يُفِيدُ أَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ وَاحِدَةٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهِيَ سَبْعٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ أَرْبَعٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهِيَ سَبْعٌ مُتَجَاوِرَةٌ أَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا الْفِرْدَوْسُ، وَهُوَ أَعْلَاهَا وَفَوْقَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ أَيْ هُوَ سَقْفُهَا؛ وَلِهَذَا كَانَ مَسْكَنُ الْأَنْبِيَاءِ وَمِنْهَا تَنْفَجِرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَجَنَّةُ الْمَأْوَى وَجَنَّةُ الْخُلْدِ وَجَنَّةُ النَّعِيمِ وَجَنَّةُ عَدْنٍ وَدَارُ السَّلَامِ وَدَارُ الْخُلْدِ وَعِبَارَةٌ أُخْرَى وَالْجِنَانُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سَبْعٌ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ وَجَنَّةُ عَدْنٍ وَجَنَّةُ النَّعِيمِ وَدَارُ الْخُلْدِ وَجَنَّةُ الْمَأْوَى وَدَارُ السَّلَامِ وَعِلِّيُّونَ وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَرَاتِبُ وَدَرَجَاتٌ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِ الْأَعْمَالِ وَالْعَمَلِ، ثُمَّ نَقُولُ إنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي الْقِسْمَةَ عَلَى الْآحَادِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ لِكُلِّ جَنَّةٍ الْأَبْوَابَ الثَّمَانِيَةَ (قَوْلُهُ سَيِّدَنَا إلَخْ) السَّيِّدُ هُوَ الْكَامِلُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ وَقِيلَ الْعَزِيزُ الشَّرِيفُ (قَوْلُهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) قَدَّمَ الْعَبْدَ لِمَا قِيلَ أَنَّ الْعُبُودِيَّةَ أَشْرَفُ الصِّفَاتِ وَهِيَ الرِّضَا بِفِعْلِ الرَّبِّ وَامْتِثَالًا لِمَا فِي الْحَدِيثِ وَلَكِنْ قُولُوا عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ وَلِأَنَّهُ أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ وَمِنْ ثَمَّ وَصَفَهُ بِهِ فِي أَشْرَفِ الْمَقَامَاتِ فَذَكَرَهُ فِي إنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا وَفِي مَقَامِ الدَّعْوَةِ إلَيْهِ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ وَفِي مَقَامِ الْإِسْرَاءِ وَالْوَحْيِ أَسْرَى بِعَبْدِهِ فَأَوْحَى إلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى فَلَوْ كَانَ لَهُ وَصْفٌ أَشْرَفُ مِنْهُ لَذَكَرَهُ بِهِ فِي الْمَقَامَاتِ الْعَلِيَّةِ وَقَالَ وَرَسُولُهُ دُونَ نَبِيِّهِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ أَخَصُّ وَلِأَنَّ رِسَالَةَ النَّبِيِّ أَفْضَلُ مِنْ نُبُوَّتِهِ.

(قَوْلُهُ وَخَلِيلُهُ) مِنْ الْخَلَّةِ بِالْفَتْحِ وَهِيَ الْحَاجَةُ أَيْ أَنَّهُ شَدِيدُ الِافْتِقَارِ إلَى مَوْلَاهُ فَلَمْ يَنْظُرْ إلَى مَنْ سِوَاهُ وَقَصَرَ حَاجَتَهُ عَلَى مَوْلَاهُ أَوْ مِنْ الْخُلَّةِ بِالضَّمِّ وَهِيَ صَفَاءُ الْمَوَدَّةِ فَالْمَعْنَى وَاَلَّذِي يُحِبُّ مَوْلَاهُ مَحَبَّةً خَالِصَةً صَافِيَةً لَا يُخَالِطُهَا شَيْءٌ مِنْ الْأَغْيَارِ مَحَبَّةً لَمْ تُوجَدْ فِيمَنْ سِوَاهُ وَلَمْ تَطْرُقْ سَاحَةَ أَحَدٍ مِمَّنْ عَدَاهُ (قَوْلُهُ قُطْبُ دَائِرَةِ الْأَنْبِيَاءِ إلَخْ) الدَّائِرَةُ هِيَ الْخَطُّ الْمُحِيطُ الَّذِي فِي وَسَطِهِ نُقْطَةٌ تُسَمَّى قُطْبَهَا بِحَيْثُ إنَّ كُلّ خَطٍّ خَرَجَ مِنْ تِلْكَ النُّقْطَةِ وَاتَّصَلَ بِتِلْكَ الدَّائِرَةِ يَكُونُ مُسَاوِيًا لِمَا عَدَاهُ مِنْ الْخُطُوطِ وَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ لَا وُجُودَ لِلدَّائِرَةِ وَلَا اسْتِقَامَةَ لَهَا إلَّا بِتِلْكَ النُّقْطَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ تَوَسُّطًا حَقِيقِيًّا كَمَا قُلْنَا فَإِذَنْ تَكُونُ الدَّائِرَةُ مُسْتَعَارَةً لِجَمَاعَةٍ وَلَفْظُ قُطْبٍ مُسْتَعَارٌ لِأَصْلٍ، ثُمَّ وَصَفَ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ فِي زَيْدٌ أَسَدٌ عَلَى طَرِيقَةِ سَعْدِ الدِّينِ ثُمَّ تَكُونُ إضَافَةُ دَائِرَةٍ لِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>