حُكْمٌ شَرْعِيٌّ: كَحُلُولِ دَيْنٍ أَوْ إكْمَالِ عِدَّةٍ، وَأَمَّا إنْ أُرِيدَ بِالْهِلَالِ عِلْمُ التَّوَارِيخِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ، قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي أَلْغَازِهِ، وَيَثْبُتُ بِالْعَدْلَيْنِ فِي الْغَيْمِ وَالْبَلَدِ الصَّغِيرِ اتِّفَاقًا، وَفِي الصَّحْوِ فِي الْمِصْرِ الْكَبِيرِ، عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ بِصَحْوِ مِصْرٍ) خِلَافًا لِسَحْنُونٍ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى قَوْلُهُ: بِكَمَالِ شَعْبَانَ وَيَعُمُّ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ وَلَا يَعُمُّ إلَّا إذَا نُقِلَ عَنْهُمَا وَقَوْلُهُ: أَوْ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ فَكُلُّ مَنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ سَمِعَهُمَا يُخْبِرَانِ بِرُؤْيَتِهِ وَصَدَّقَهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ لَا أَوْ بِالْحُكْمِ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي النَّقْلِ عَنْهُمَا كَمَا يَأْتِي
. (ص) فَإِنْ لَمْ يُرَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ صَحْوًا كُذِّبَا (ش) يَعْنِي: إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَمَضَى ثَلَاثُونَ يَوْمًا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَ غَيْرُهُمَا الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فَقَدْ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِتَبَيُّنِ كَذِبِهِمَا، وَهَذَا الْحُكْمُ أَعَمُّ مِنْ شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ فِي الْمِصْرِ مَعَ الصَّحْوِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِذَا كُذِّبَا فَلَا يَصُومُ النَّاسُ إنْ شَهِدَا عَلَى هِلَالِ شَعْبَانَ وَلَا يُفْطِرُوا إنْ شَهِدَا عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ فَقَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَرَ إلَخْ مُفَرَّعٌ عَلَى رُؤْيَةِ الْعَدْلَيْنِ، وَمِثْلُهُمَا مَا زَادَ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَبْلُغْ عَدَدَ الْمُسْتَفِيضَةِ، وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ فَلَا تُكَذَّبُ وَقَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُرَ أَيْ: يَرَهُ غَيْرُهُمَا، وَأَمَّا هُمَا فَلَا يُقْبَلَانِ لِاتِّهَامِهِمَا عَلَى تَرْوِيجِ شَهَادَتِهِمَا.
(ص) أَوْ مُسْتَفِيضَةٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّ رَمَضَانَ يَتَحَقَّقُ صَوْمُهُ أَيْضًا بِالرُّؤْيَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ أَيْ: الْمُنْتَشِرَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ خَبَرِ مَنْ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَادَةً، وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ الْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ (ص)
ــ
[حاشية العدوي]
هُوَ وَقْتٌ وَفِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ تَوْقِيتُ الْفِعْلِ بِالزَّمَانِ لِيُعْلَمَ مِقْدَارُ مَا بَيْنَ ابْتِدَائِهِ وَبَيْنَ أَيِّ غَايَةٍ فُرِضَتْ لَهُ، فَإِذَا قُلْت: كَتَبْت مِنْ يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا، وَقُرِئَ بَعْدَ مَا كَتَبْته بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ عُلِمَ أَنَّ مَا بَيْنَ الْكِتَابَةِ وَقِرَاءَتِهِ سَنَةٌ، وَاخْتَصَّتْ الْعَرَبُ بِأَنَّهَا تُؤَرِّخُ السَّنَةَ الْقَمَرِيَّةَ دُونَ الشَّمْسِيَّةِ فَلِذَلِكَ تُقَدَّمُ اللَّيَالِي فِي التَّارِيخِ عَلَى الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ الْهِلَالَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي اللَّيْلِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ الْوَاحِدُ) أَيْ: الْعَدْلُ الَّذِي لَيْسَ بِفَاسِقٍ الَّذِي هُوَ عَدْلُ الرِّوَايَةِ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ) أَيْ:؛ لِأَنَّ الْهِلَالَ خَبَرٌ أَيْ: ذُو خَبَرٍ أَيْ: كَلَامٌ خَبَرِيٌّ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ أَيْ:؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا، بَلْ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ كَلَامٌ خَبَرِيٌّ: كَمَاتَ فُلَانٌ فِي الشَّهْرِ الْفُلَانِيِّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَعْتَمِدُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ: ابْنُ فَرْحُونٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِسَحْنُونٍ) فِيهِ حَمْلٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِمِصْرٍ عَلَى الْكَبِيرَةِ وَأَنَّ خِلَافَ سَحْنُونَ إنَّمَا هُوَ فِي الْكَبِيرَةِ فَإِنْ قُلْت أَيُّ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمِصْرُ الْكَبِيرَةُ قُلْت: إنَّ الْعَادَةَ قَاضِيَةٌ بِأَنَّ الْمِصْرَ إنَّمَا يَكُونُ كَبِيرًا فَاسْتَغْنَى عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ وَبِأَنَّ التَّنْوِينَ لِلتَّعْظِيمِ وَالْمِصْرَ مَا احْتَوَتْ عَلَى قَاضٍ وَحَوَانِيتَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ ثُبُوتِ الْأَذَانِ بِوَاحِدٍ وَالْهِلَالِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اثْنَيْنِ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ يُشَارِكُهُ فِي مَعْرِفَةِ الزَّوَالِ غَيْرُهُ بِحَيْثُ لَوْ أَذَّنَ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ لَقِيمَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مُدَّعِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ ك (قَوْلُهُ: وَيَعُمُّ) أَيْ: كُلَّ مَنْ تَحَقَّقَ عِنْدَهُ كَمَالُ شَعْبَانَ،.
وَقَوْلُهُ: وَلَا يَعُمُّ أَيْ: وَلَا يَعُمُّ كُلَّ مَنْ تَحَقَّقَ عِنْدَهُ رُؤْيَةُ الْعَدْلَيْنِ أَيْ: بِدُونِ سَمَاعٍ مِنْهُمَا.
وَقَوْلُهُ: إلَّا إذَا نَقَلَ عَنْهُمَا أَيْ: وَحَكَمَ حَاكِمٌ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَشْخَاصَ ثَلَاثَةٌ: إمَّا رَاءٍ، أَوْ سَامِعٌ مِنْ الرَّائِي، أَوْ سَامِعٌ مِنْ السَّامِعِ مِنْ الرَّائِي فَالْأَوَّلَانِ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الصَّوْمُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الثَّالِثِ إلَّا إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ (قَوْلُهُ: وَصَدَّقَهُمَا) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّصْدِيقُ حَيْثُ كَانَتْ عَدَالَتُهُمَا ثَابِتَةً (قَوْلُهُ: لَا، أَوْ بِالْحُكْمِ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ نَقُولُ فِي مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوْ بِنَفْسِ رُؤْيَةِ الْعَدْلَيْنِ لَا نَقُولُ أَوْ بِالْحُكْمِ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ
. (قَوْلُهُ: صَحْوًا) حَالٌ مِنْ بَعْدَ أَيْ: حَالَ كَوْنِ الْبَعْدِ صَحْوًا أَيْ: ذَا صَحْوٍ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يَقَعُ حَالًا إلَّا بِتَأْوِيلٍ لَا حَالًا مِنْ ثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنْ يَعْتَبِرَ فِي الثَّلَاثِينَ أَنْ تَكُونَ مُصْحِيَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنْ قُلْت يُقَدِّرُ مُصْحِيًا آخِرَهَا قُلْت لَا يَصِحُّ فَإِنَّ الْمُصْحِيَ إنَّمَا هُوَ الْمُجَاوِرُ لِلْآخِرِ وَهُوَ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ لَا الْآخِرُ وَهُوَ الثَّلَاثُونَ (قَوْلُهُ: كُذِّبَا) أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا هُمَا فَيَعْمَلَانِ عَلَى اعْتِقَادِهِمَا قَالَ الزَّرْقَانِيُّ اُنْظُرْ لَوْ وَقَعَ الصَّوْمُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَحَكَمْنَا بِتَكْذِيبِهِمَا هَلْ يُجْزِئُ الصَّوْمُ الْوَاقِعُ بِالنِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، أَوْ لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ وَقَعَتْ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا وَأَجَابَ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِالْإِجْزَاءِ لِلْمَشَقَّةِ.
(فَائِدَةٌ) ذَكَرَ النَّاصِرُ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ مَا نَصُّهُ: أَمَّا الْهِلَالُ إذَا رُئِيَ لَيْلَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ كَبِيرًا وَلَمْ يَغِبْ إلَّا عِنْدَ الْعِشَاءِ، وَقَدْ كَانَ لَمْ يُرَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ فَهُوَ وُلِدَ لَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا يُعْتَبَرُ كِبَرُهُ وَلَا صِغَرُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَبَيُّنِ كَذِبِهِمَا) قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ؛ لِأَنَّ الْهِلَالَ لَا يَخْفَى مَعَ إكْمَالِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْلَةُ إحْدَى وَثَلَاثِينَ، وَإِنَّمَا يَخْفَى وَيُدْرِكُهُ بَعْضُ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ مَعَ نُقْصَانِ الْأَشْهُرِ اهـ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَقْضِيَ النَّاسُ يَوْمًا إذَا كَانَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ، وَعَدَّ النَّاسُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يُرَ هِلَالُ ذِي الْقِعْدَةِ وَكَذَلِكَ يَفْسُدُ الْحَجُّ إذَا شَهِدَا بِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ ك (قَوْلُهُ: وَإِذَا كُذِّبَا) أَيْ: حُكِمَ بِتَكْذِيبِهِمَا أَيْ: الشَّاهِدَيْنِ أَيْ: لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِمَا شُهَدَاءَ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ (قَوْلُهُ: أَيْ يَرَهُ غَيْرُهُمَا) هَذَا الْقَيْدُ يُحْتَاجُ لَهُ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا جَرَّتْ لِلشَّاهِدِ نَفْعًا، أَوْ دَفَعَتْ عَنْهُ ضُرًّا مُنِعَتْ (قَوْلُهُ الْحَاصِلَةِ مِنْ خَبَرِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: الْحَاصِلَةِ مِنْ جَمَاعَةٍ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا جَعَلَ الِاسْتِفَاضَةَ صِفَةً لِلرُّؤْيَةِ أَفَادَ أَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ بِالْإِخْبَارِ بِأَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا أَنَّهُ رُئِيَ الْهِلَالُ لَيْسَتْ مُرَادَةً؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْخَبَرِ خَبَرَ وَاحِدٍ.
(قَوْلُهُ: مِنْ خَبَرِ مَنْ يَسْتَحِيلُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ هُوَ الْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ وَهُوَ مَا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْمُسْتَفِيضَ هُوَ الْخَبَرُ الْمُفِيدُ لِلْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ الْقَرِيبِ مِنْهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَشُهُودُ الْمُسْتَفِيضَةِ لَيْسَ لَهُمْ عَدَدٌ مَحْصُورٌ لَكِنَّهُمْ لَا يَنْقُصُونَ عَنْ خَمْسَةٍ فَقَدْ تَكُونُ الْخَمْسَةُ مُسْتَفِيضَةً إذَا أَفَادَ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ، وَقَدْ لَا يَكُونُ إذَا لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ الْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ)