لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ لَا لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي رُؤْيَتِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ فَيَسْتَمِرُّ عَلَى الْفِطْرِ إنْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي آخِرِ شَعْبَانَ، وَعَلَى الصَّوْمِ إنْ وَقَعَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ وَقَوْلُهُ: وَرُؤْيَتُهُ أَيْ: فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّصَهُ بِهِلَالِ شَوَّالٍ.
(ص) ، وَإِنْ ثَبَتَ نَهَارًا أَمْسَكَ وَإِلَّا كَفَّرَ إنْ انْتَهَكَ (ش) يَعْنِي: أَنَّ رَمَضَانَ إذَا ثَبَتَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ رُئِيَ فِي اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْإِمْسَاكُ وَهُوَ الْمَنْعُ وَالْكَفُّ عَنْ الْأَكْلِ فِي حَقِّ مَنْ أَكَلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَفِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ فِيهِ ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ فَإِنْ لَمْ يُمْسِكْ وَأَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا بِأَكْلٍ أَوْ جِمَاعٍ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ إنْ انْتَهَكَ الْحُرْمَةَ بِعِلْمِهِ الْحُكْمَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْتَهِكٍ بِأَنْ تَأَوَّلَ جَوَازَ الْفِطْرِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّوْمِ فَلَا كَفَّارَةَ
(ص) وَإِنْ غَيَّمَتْ وَلَمْ يُرَ فَصَبِيحَتُهُ يَوْمُ الشَّكِّ (ش) غَيَّمَتْ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ يُقَالُ غَيَّمَتْ السَّمَاءُ تَغْيِيمًا وَأَغَامَتْ السَّمَاءُ تُغَيِّمُ إغْيَامًا إذَا عَلَاهَا الْغَيْمُ وَقَوْلُهُ: غَيَّمَتْ أَيْ: لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ لَا لَيْلَةَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ كَمُلَتْ وَقَوْلُهُ: فَصَبِيحَتُهُ يَوْمُ الشَّكِّ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْبَعْضِ وَهُوَ الصَّبِيحَةُ بِاسْمِ الْكُلِّ وَهُوَ الْيَوْمُ، وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ: فَصَبِيحَةُ صَبِيحَةِ يَوْمِ الشَّكِّ أَيْ: الْيَوْمِ الْمُسَمَّى بِيَوْمِ الشَّكِّ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ، وَلَمَّا كَانَ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ مَنْهِيًّا عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ بَيَّنَ وُجُوهَ الْجَوَازِ بِقَوْلِهِ:.
(ص) وَصِيمَ عَادَةً وَتَطَوُّعًا وَقَضَاءً وَكَفَّارَةً وَلِنَذْرٍ صَادَفَ (ش) أَيْ: جَازَ صَوْمُهُ عَادَةً لِمَنْ عَادَتُهُ سَرْدُ الصَّوْمِ أَوْ صَوْمُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَوَافَقَهُ وَتَطَوُّعًا عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَضَاءً عَمَّا فِي الذِّمَّةِ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَفَّارَةً عَنْ هَدْيٍ وَفِدْيَةٍ وَنَذْرًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَإِنْ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْهُمَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَضَى يَوْمًا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ وَيَوْمًا عَنْ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ وَيَجِبُ صَوْمُهُ لِنَذْرٍ صَادَفَ كَمَنْ نَذَرَ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ فَوَافَقَ يَوْمَ الشَّكِّ فَيَجُوزُ لَهُ صَوْمُهُ وَيُجْزِئُهُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ، وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ عَنْهُمَا وَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ لِرَمَضَانَ الْحَاضِرِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِلنَّذْرِ لِكَوْنِهِ مُعَيَّنًا وَفَاتَ قَالَهُ فِي التَّلْقِينِ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: صَادَفَ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَوْمُ الشَّكِّ لَا يَلْزَمُ لِكَوْنِهِ نَذْرَ مَعْصِيَةٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: وَتَطَوُّعًا جَوَازُ صَوْمِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ شَعْبَانَ عَلَى انْفِرَادِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَا يَرِدُ حَدِيثُ «لَا تُقَدِّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا بِيَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصِلْهُ» ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ عِيَاضًا قَالَ النَّهْيُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى تَحَرِّي التَّقْدِيمِ تَعْظِيمًا لِلشَّهْرِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ قَبْلَهُ عَادَةً أَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَنَحْوِهَا فَوَافَقَهُ وَقَوْلُهُ: (لَا احْتِيَاطًا) أَيْ: لَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ لِأَجْلِ الِاحْتِيَاطِ فَمَنْ صَامَهُ كَذَلِكَ فَلَا يُجْزِئُهُ إذَا صَادَفَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لِتَزَلْزُلِ النِّيَّةِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» فَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ وَعَلَيْهِ حَمَلَ أَبُو الْحَسَنِ وَأَبُو إِسْحَاقَ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَنْبَغِي صِيَامُ يَوْمِ الشَّكِّ وَفِي الْجَلَّابِ يُكْرَهُ، ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ الْكَافَّةُ مُجْمِعُونَ عَلَى الْكَرَاهَةِ.
(ص) وَنُدِبَ إمْسَاكُهُ لِيَتَحَقَّقَ
ــ
[حاشية العدوي]
أَيْ: فَحُذِفَ مِنْ إحْدَاهُمَا لِدَلَالَةِ الْآخَرِ عَلَيْهِ أَوْ حُذِفَ مِنْ أَوَّلِهِمَا لِدَلَالَةِ الثَّانِي وَهُوَ أَظْهَرُ
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ) اُنْظُرْ هَذَا التَّعْلِيلَ فَإِنَّهُ لَا مَوْقِعَ لَهُ فَلَوْ قَالَ بَيَّتَ النِّيَّةَ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِهَا لَكَانَ أَحْسَنَ بَقِيَ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ تَسَامُحًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْقَصْدُ وَالْجَزْمُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَإِنَّمَا مُتَعَلِّقُهُ الْأَمْرُ الْمَجْزُومُ بِهِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالنِّيَّةِ الْمَنْوِيُّ أَيْ: لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالْمَنْوِيِّ أَيْ: وَالْجَزْمُ بِهِ يَرْجِعُ إلَى النِّيَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لِعَدَمِ النِّيَّةِ.
(قَوْلُهُ: فَصَبِيحَتُهُ يَوْمُ الشَّكِّ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِعَكْسِ ذَلِكَ يَوْمُ الشَّكِّ صَبِيحَةُ الثَّلَاثِينَ إذَا كَانَ صَحْوًا حَيْثُ تَحَدَّثَ فِيهَا بِالرُّؤْيَةِ مَنْ لَا تَثْبُتُ بِهِ: كَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ لَا صَبِيحَةَ الْغَيْمِ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُ تَفْسِيرِ الشَّافِعِيِّ لِلشَّكِّ (قَوْلُهُ: مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ إلَخْ) لَا تَسْمِيَةَ إنَّمَا ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْحُكْمِ عَلَى الْبَعْضِ بِالْكُلِّ، وَالْحُكْمُ غَيْرُ التَّسْمِيَةِ نَعَمْ لَوْ قَالَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ لَصَحَّ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى) وَجْهُهَا كَوْنُ ذَلِكَ أَوْضَحَ مَعْنًى (قَوْلُهُ: وَصِيمَ) أَيْ: أُذِنَ فِي صَوْمِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ عَادَةً وَتَطَوُّعًا؛ أَوْ الْوُجُوبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَقَضَاءً (قَوْلُهُ: وَتَطَوُّعًا) أَيْ: لَا لِعَادَةٍ وَلَا لِسَرْدٍ (قَوْلُهُ: وَقَضَاءً) وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي أَثْنَائِهِ أَنَّهُ قَضَاهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَمْ يَجُزْ الْفِطْرُ فَإِنْ أَفْطَرَ فَهَلْ يَقْضِيهِ، أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَصَوَّبَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَهُ ظَنًّا أَنَّهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَتَطَوُّعًا عَلَى الْمَشْهُورِ) مُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ مَسْلَمَةَ مِنْ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ: وَكَفَّارَةً عَنْ هَدْيٍ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَكَفَّارَةً عَنْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ فِدْيَةٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصِّيَامَ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْفِدْيَةِ وَالْهَدْيِ لَا أَنَّهُ كَفَّارَةٌ عَنْهُمْ (قَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُ لِكَوْنِهِ نَذَرَ مَعْصِيَةً) هَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَجُوزُ نَذْرُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ يَوْمَ الشَّكِّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ أَيْ: أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَلَهُ الْفِطْرُ إنْ نَذَرَ صِيَامَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَوْمَ الشَّكِّ لِيَحْتَاطَ بِهِ أَيْ: عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ احْتَسَبَ بِهِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ تَطَوُّعًا كَمَا فِي شَرْحِ شب قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ أَوْ بِالتَّحْرِيمِ لَا إنْ نَذَرَهُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بَلْ بِجَوَازِ التَّطَوُّعِ بِهِ فَيَلْزَمُهُ نَذْرُهُ (قَوْلُهُ: لَا تُقَدِّمُوا) فِي نُسْخَةِ بَعْضِ شُيُوخِنَا بِالشَّكْلِ بِضَمَّةٍ عَلَى التَّاءِ (قَوْلُهُ: إلَّا رَجُلٌ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ فِي تُقَدِّمُوا (قَوْلُهُ: فَلْيَصِلْهُ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ أَيْ: فَلْيَصِلْ ذَلِكَ الصَّوْمَ (قَوْلُهُ: الْكَافَّةُ مُجْمِعُونَ إلَخْ) أَيْ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ عَصَى اللَّهَ غَيْرُ مُرَادٍ ظَاهِرُهُ بَلْ كُنِّيَ بِهِ عَنْ شِدَّةِ الْكَرَاهَةِ.
(قَوْلُهُ: إمْسَاكُهُ) ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى مُرِيدِ الصَّوْمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى يَوْمِ الشَّكِّ، وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ وَاسْتَقَرَّ بِهِ بَعْضٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute