وُجُوبِ الْإِتْيَانِ بِالْحَجِّ فِي أَوَّلِ عَامِ الْقُدْرَةِ وَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهِ عَنْهُ، وَلَوْ ظَنَّ السَّلَامَةَ، وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ وَشَهَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ بَزِيزَةَ، أَوْ لَا يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ، بَلْ وُجُوبُهُ عَلَى التَّرَاخِي لِخَوْفِ الْفَوَاتِ، وَشَهَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ وَرَأَى الْبَاجِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ والتِّلِمْسَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمَغَارِبَةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ خِلَافٌ فِي التَّشْهِيرِ، أَمَّا عِنْدَ خَوْفِ الْفَوَاتِ فَيَتَّفِقُ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ وَيَخْتَلِفُ الْفَوَاتُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ مِنْ ضَعْفٍ وَقُوَّةٍ وَكَثْرَةِ أَمْرَاضٍ وَقِلَّتِهَا وَأَمْنِ طَرِيقِهَا وَخَوْفِهَا وَوِجْدَانِ مَالٍ وَعَدَمِهِ، وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْعُمْرَةِ كَالْحَجِّ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ كَمَا قَالَهُ ح، وَلَا خِلَافَ فِي الْفَوْرِيَّةِ إذَا فَسَدَ حَجُّهُ، سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ، أَوْ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ: وَوَجَبَ إتْمَامُ الْمُفْسَدِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْأَوَّلُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (ص) وَصِحَّتُهُمَا بِالْإِسْلَامِ (ش) الْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُحْرِمُ بِهِمَا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى حُرًّا، أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا (ص) فَيُحْرِمُ وَلِيٌّ عَنْ رَضِيعٍ وَجُرِّدَ قُرْبَ الْحَرَمِ (ش) أَيْ: فَبِسَبَبِ أَنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ الْإِسْلَامُ لَا زَائِدَ عَلَيْهِ يُنْدَبُ إحْرَامُ الْوَلِيِّ مِنْ أَبٍ أَوْ كَافِلٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ الرَّضِيعِ أَيْ: إدْخَالُهُ فِي الْإِحْرَامِ بِأَنْ يَنْوِيَ عَنْهُ وَيُجَرِّدَ الذَّكَرَ مِنْ الْمَخِيطِ وَوَجْهُ الْأُنْثَى وَكَفَّاهَا كَالْكَبِيرَةِ، وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْإِحْرَامِ وَالتَّجْرِيدِ قُرْبَ الْحَرَمِ إذْ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا إلَّا بِالتَّجْرِيدِ وَالنِّيَّةِ، وَلَا يُقَدِّمُ الْإِحْرَامَ عِنْدَ الْمِيقَاتِ، وَيُؤَخِّرُ التَّجْرِيدَ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ كَمَا فَهِمَهُ بَعْضٌ، وَلَا مَفْهُومَ لِرَضِيعٍ، وَكَذَا غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يُمَيِّزُ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِالْمُمَيِّزِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الرَّضِيعَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ لِمَالِكٍ لَا يَحُجُّ عَنْ الرَّضِيعِ.
(ص) وَمُطْبَقٍ لَا مُغْمًى عَلَيْهِ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى رَضِيعٍ أَيْ: فَيُحْرِمُ الْوَلِيُّ عَنْ الْمُطْبِقِ وَيَجْرِي عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الصَّبِيِّ مِنْ تَأْخِيرِ إحْرَامِهِ وَتَجْرِيدِهِ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ، وَالْمُطْبِقُ مَنْ لَا يَفْهَمُ الْخِطَابَ، وَلَا يُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ، وَلَوْ مَيَّزَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ فَإِنْ أَفَاقَ أَحْيَانَا اُنْتُظِرَ وَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى الْمَغْمِيِّ عَلَيْهِ إحْرَامُ غَيْرِهِ، فَإِنْ خِيفَ عَلَى الْمَجْنُونِ خَاصَّةً الْفَوَاتُ فَكَالْمُطْبِقِ قَالَ: فِيهَا وَالْمَجْنُونُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ كَالصَّبِيِّ لَا مُغْمًى عَلَيْهِ فَلَا يُحْرِمُ عَنْهُ أَحَدٌ، وَلَوْ خِيفَ الْفَوَاتُ، وَلَا يَصِحُّ إنْ فَعَلَ بِفَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ أَنَّ الْإِغْمَاءَ مَرَضٌ يُرْجَى زَوَالُهُ بِالْقُرْبِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْجُنُونِ فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِالصِّبَا لِدَوَامِهِ وَصَحَّ الْإِحْرَامُ عَنْ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ غَيْرَهُ فِي أَصْلِ الدِّينِ، فَإِنْ أَفَاقَ فَأَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ عَنْهُ أَصْحَابُهُ أَوْ بِغَيْرِهِ فَالْإِحْرَامُ مَا أَحْرَمَ بِهِ هُوَ، وَلَيْسَ مَا أَحْرَمُوا بِهِ عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِتَعَدِّي الْمِيقَاتِ، وَإِنْ لَمْ يُفِقْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَقَدْ وَقَفَ بِهِ أَصْحَابُهُ لَمْ يُجْزِهِ.
(ص) وَالْمُمَيِّزُ بِإِذْنِهِ وَإِلَّا فَلَهُ تَحْلِيلُهُ، وَلَا قَضَاءَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى " وَلِيٌّ " مِنْ قَوْلِهِ: فَيُحْرِمُ عَنْ رَضِيعٍ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُمَيِّزَ، وَهُوَ مَنْ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ وَمَقَاصِدَ الْكَلَامِ، وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ، بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْإِفْهَامِ هُوَ الَّذِي يُحْرِمُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَيُبَاشِرُ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ خَالَفَ وَأَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَلِلْوَلِيِّ تَحْلِيلُهُ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً، وَيَكُونُ بِالنِّيَّةِ وَالْحِلَاقِ، وَلَا يَكْفِي رَفْضُ النِّيَّةِ وَحْدَهَا وَإِذَا حَلَّلَهُ وَلِيُّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِمَا حَلَّلَهُ مِنْهُ وَمِثْلُهُ السَّفِيهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْبَالِغِ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَحَلَّلَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عَنْ ذَلِكَ إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ، أَوْ عَتَقَ وَيُقَدِّمُهُ عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ وَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهِ) أَيْ: مَعَ كَوْنِهِ أَدَاءً (قَوْلُهُ: لَا زَائِدَ عَلَيْهِ) أَيْ: مِنْ تَمْيِيزٍ، أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِمَا) كَوَصِيٍّ (قَوْلُهُ: أَيْ: إدْخَالُهُ فِي الْإِحْرَامِ) ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِإِحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْهُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يُجَرِّدَهُ وَيَنْوِيَ إدْخَالَهُ فِي الْإِحْرَامِ أَيْ: فَيَكُونُ إحْرَامُهُ عَنْهُ فِي حَالِ تَجْرِيدِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ إنَّمَا يَنْعَقِدُ بِنِيَّةٍ مَعَ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ تَعَلُّقًا بِهِ وَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوا تَجْرِيدَهُ كَالتَّوَجُّهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ مُحْرِمًا وَلَا أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ كُلٌّ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْحَرَمِ هُنَا مَكَّةُ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمِيقَاتَ حَلَالًا رِفْقًا بِهِ وَخَوْفًا مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ يَحْصُلُ بِتَجْرِيدِهِ قُرْبَ الْحَرَمِ مَا ذَكَرَ مِنْ الضَّرَرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الْإِحْرَامَ عَنْهُ وَالتَّجْرِيدَ إلَى دُخُولِ الْحَرَمِ كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَحْصُلُ بِتَجْرِيدِهِ الضَّرَرُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَنْهُ بِغَيْرِ تَجْرِيدٍ وَيَفْدِي كَمَا فِي شَرْحِ شب.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ لِمَالِكٍ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنَّمَا خَصَّهُ لِلْخِلَافِ فِيهِ (قَوْلُهُ: لَا مَغْمِيٍّ عَلَيْهِ) ثُمَّ إنْ لَمْ يُفِقْ إلَّا بَعْدَ زَمَنِ الْحَجِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَفَاقَ فِي زَمَنٍ يُدْرِكُ الْوُقُوفَ فِيهِ أَحْرَمَ وَأَدْرَكَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ رُجُوعِهِ إلَى الْمِيقَاتِ (قَوْلُهُ: أَيْ: فَيُحْرِمُ الْوَلِيُّ عَنْ الْمُطْبِقِ) وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ إذْ ذَاكَ لَمْ يَكُنْ الْحَجُّ فَرْضًا عَلَيْهِ فَلَوْ أَفَاقَ الْمُطْبِقُ بَعْدَ إدْخَالِهِ فِي الْإِحْرَامِ فَالظَّاهِرُ لُزُومُهُ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ رَفْضُهُ وَتَجْدِيدُ إحْرَامٍ بِالْفَرْضِ لِعَدَمِ رَفْضِهِ بِالنِّيَّةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَا يَأْتِي مِنْ عَدَمِ رَفْضِهِ بِالنِّيَّةِ فِيمَنْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ.
(قَوْلُهُ يُرْجَى زَوَالُهُ بِالْقُرْبِ) أَيْ: الشَّأْنُ ذَلِكَ فَلَا يُنْتَقَضُ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْإِغْمَاءُ طَوِيلًا (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَفَاقَ) أَيْ: الْمَغْمِيُّ عَلَيْهِ لَا الْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ الْعِبْرَةُ بِإِحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْهُ فَلَا يَرْفُضُهُ الْمَجْنُونُ إنْ أَفَاقَ (قَوْلُهُ: بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ) أَيْ: إنْ كَانُوا تَعَدَّوْا وَأَحْرَمُوا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا عَنْ الْمَغْمِيِّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هَذَا بَعْدَ الْوُقُوعِ (قَوْلُهُ: لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ: الْمَغْمِيَّ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَحَجُّهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقَعُ فَرْضًا كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ) أَطْلَقَ الْعِبَارَةَ، وَفِي عب نَقْلًا عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ هَذَا فِي الْمُنَاهِزِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَقُرْبَ الْحَرَمِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ.
(تَنْبِيهٌ) : إذَا أُذِنَ لِلْمُمَيِّزِ الْحُرِّ، أَوْ الرَّقِيقِ بَالِغًا أَوْ لَا وَأَرَادَ مَنْعَهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ فَفِي الشَّامِلِ لَيْسَ لِسَيِّدٍ مَنْعُ عَبْدٍ أُذِنَ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute