للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِكَسْرِ الْبَاءِ مُضَارِعُهُ يَلْبَسُ بِفَتْحِ الْبَاءِ هَذَا فِي لُبْسِ الثِّيَابِ وَأَمَّا مَصْدَرُ اللَّبْسِ الَّذِي هُوَ مِنْ تَخْلِيطِ الْأُمُورِ فَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ مَاضِيهِ لَبَسَ بِفَتْحِ الْبَاءِ مُضَارِعُهُ يَلْبِسُ بِكَسْرِ الْبَاءِ قَالَ تَعَالَى {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: ٩] (ص) وَسِتْرُ وَجْهٍ إلَّا لِسِتْرٍ بِلَا غَرْزٍ وَرَبْطٍ (ش) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى لُبْسِ قُفَّازٍ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتُرَ وَجْهَهَا فِي إحْرَامِهَا كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتُرَ يَدَيْهَا لِخَبَرِ: «إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا» مَعْنَاهُ تَكْشِفُهُمَا إلَّا أَنْ تُرِيدَ بِذَلِكَ السِّتْرَ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَسْتُرَهُ بِأَنْ تَسْدُلَ عَلَى وَجْهِهَا رِدَاءً وَلَا تَرْبِطَهُ وَلَا تَغْرِزَهُ بِإِبْرَةٍ فَإِنْ فَعَلَتْ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِمَّا حَرُمَ عَلَيْهَا بِأَنْ لَبِسَتْ الْقُفَّازَيْنِ، أَوْ سَتَرَتْ وَجْهَهَا، أَوْ بَعْضَهُ لِغَيْرِ سِتْرٍ أَوْ لِسِتْرٍ وَغَرَزَتْ أَوْ رَبَطَتْ أَوْ سَتَرَتْهُ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ لَزِمَتْهَا الْفِدْيَةُ إنْ طَالَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَإِلَّا فَفِدْيَةٌ) فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ الْقُفَّازَيْنِ وَمَسْأَلَةِ الْوَجْهِ فَقَوْلُهُ وَسِتْرُ وَجْهٍ أَيْ تَرَفُّهًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إلَّا لِسِتْرٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ.

(ص) وَعَلَى الرَّجُلِ مُحِيطٌ بِعُضْوٍ وَإِنْ بِنَسْجٍ، أَوْ زِرٍّ، أَوْ عَقْدٍ (ش) يَعْنِي وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ أَنْ يَلْبَسَ الْمُحِيطَ فَلَوْ ارْتَدَى بِثَوْبٍ مُحِيطٍ أَوْ بِثَوْبٍ مُرَقَّعٍ بِرِقَاعٍ أَوْ بِإِزَارٍ كَذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْهُ وَلَا فَرْقَ فِي حُرْمَةِ لُبْسِ الْمُحِيطِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُحِيطًا بِكُلِّ الْبَدَنِ أَوْ بِبَعْضِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا أَحَاطَ بِنَسْجٍ أَوْ زِرٍّ يُقْفِلُهُ عَلَيْهِ، أَوْ عَقْدٍ يَرْبِطُهُ أَوْ يُخَلِّلُهُ بِعُودٍ وَالْمُرَادُ بِالرَّجُلِ الذَّكَرُ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا بَالِغًا كَانَ أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ وَعَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يُجَنِّبَهُ الْمُحِيطَ مَخِيطًا أَوْ غَيْرَهُ، وَقَوْلُهُ: مُحِيطٌ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بِقَرِينَةِ الْمُبَالَغَةِ بَعْدَهُ وَعَلَى قِرَاءَتِهِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ تُنَافِيهِ الْمُبَالَغَةُ وَعَلَيْهَا يُقَدَّرُ لِقَوْلِهِ بِعُضْوٍ عَامِلٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْ يُحِيطُ بِعُضْوٍ (ص) كَخَاتَمٍ (ش) تَشْبِيهٌ فِي الْمَنْعِ وَوُجُوبِ الْفِدْيَةِ أَيْ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ فِي حَالِ إحْرَامِهِ أَنْ يَلْبَسَ الْخَاتَمَ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَيَجُوزُ لَهَا لُبْسُ الْخَاتَمِ وَنَحْوِهِ (ص) وَقَبَاءٍ وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ كَمَا (ش) الْقَبَاءُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمَدِّ وَالْقَصْرِ مَا كَانَ مُفَرَّجًا مِثْلُ الْقُفْطَانِ فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ الْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَهُ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ وَلَا زَرَّرَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى اللِّبَاسِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فَلَوْ نَكَّسَ الْقَبَاءَ بِأَنْ جَعَلَ أَسْفَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَإِنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْبَسُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ حُرْمَةُ لُبْسِ الْقَبَاءِ وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي مَوْضِعِهِمَا مِنْ الْقَبَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَيُقَيَّدُ كَلَامُهُ بِمَا إذَا أَدْخَلَ كَتِفَيْهِ فِي الْقَبَاءِ.

(ص) وَسِتْرُ وَجْهٍ، أَوْ رَأْسٍ (ش) يَعْنِي وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَسْتُرَ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ فِي حَالِ إحْرَامِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَلَمَّا كَانَ وَجْهُ الرَّجُلِ وَرَأْسُهُ فِي حَالِ إحْرَامِهِ مُخَالِفَيْنِ لِسَائِرِ بَدَنِهِ حَرُمَ تَغْطِيَتُهُمَا مُطْلَقًا فَلِذَا قَالَ (بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا كَطِينٍ) لِأَنَّهُ يَدْفَعُ الْحَرَّ وَدَخَلَ غَيْرُهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى كَالْعِمَامَةِ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ سَائِرِ الْبَدَنِ فَإِنَّمَا يَحْرُمُ تَغْطِيَتُهُ بِنَوْعٍ خَاصٍّ وَهُوَ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ وَسِتْرُ وَجْهٍ) أَيْ أَوْ بَعْضِهِ وَلَوْ لَمْ يُلَاصِقْهُ (قَوْلُهُ إلَّا لِسِتْرٍ) أَيْ إلَّا لِقَصْدِ سِتْرٍ أَيْ حَيْثُ عَلِمَتْ، أَوْ ظَنَّتْ أَنَّهُ يُنْظَرُ لَهَا بِقَصْدِ لَذَّةٍ كَذَا قُرِّرَ أَيْ وَلَوْ مَعَ مُلَاصَقَةٍ وَانْظُرْ فِي حَالَةِ الشَّكِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي حَالَةِ الشَّكِّ يَحْرُمُ السِّتْرُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مُحَقَّقَةٌ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهَا إلَّا بِأَمْرٍ قَوِيٍّ وَلَا يَكُونُ إلَّا ظَنَّ الْفِتْنَةِ أَوْ تَحَقُّقَهَا لَا شَكَّهَا وَانْظُرْ إذَا خَشِيَ الْفِتْنَةَ مِنْ وَجْهِ الذَّكَرِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ سِتْرُهُ إنْ كَانَ بَالِغًا وَعَلَى وَلِيِّهِ إنْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ، أَوْ لَا، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الذَّكَرَ أَشَدُّ (قَوْلُهُ أَوْ سَتَرَتْهُ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ) مِنْ جُزْئِيَّاتِ قَوْلِهِ لِغَيْرِ سِتْرٍ (قَوْلُهُ إنْ طَالَ. . . إلَخْ) لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيَقُولُ وَشَرْطُهَا فِي اللُّبْسِ انْتِفَاعٌ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ إنْ طَالَ (قَوْلُهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ) أَيْ بِحَسَبِ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْمُرَادُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مُتَّصِلٌ مِنْ حَيْثُ تَنَاوُلُ الْمُسْتَثْنَى لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فَتَدَبَّرْ، وَذَكَرَ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ مُنْقَطِعًا لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَى الِاتِّصَالِ إلَّا لِسِتْرٍ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ فَلَا يَحْرُمُ وَهُوَ صَادِقٌ بِالْجَوَازِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ إلَّا لِسِتْرٍ فَيَجِبُ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ مَعَ الِانْقِطَاعِ وَالِانْقِطَاعُ كَمَا يَكُونُ بِمُبَايَنَةِ الْمَاصَدَقِ يَكُونُ بِمُبَايَنَةِ الْحُكْمِ نَحْوُ جَاءَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا مَاتَ كَمَا لِلْإِمَامِ الْقَرَافِيِّ.

(قَوْلُهُ وَعَلَى الرَّجُلِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ أَنَّ الْإِحْرَامَ يُطْلَقُ بِمَعْنَى التَّعْرِيَةِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ فِي الْمَرْأَةِ تَعْرِيَةُ وَجْهِهَا وَيَدَيْهَا وَفِي الرَّجُلِ تَعْرِيَةُ وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى التَّجْرِيدِ عَنْ الْمُحِيطِ بِعُضْوٍ لَا عَنْ التَّعْرِيَةِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ بِسَبَبِ نَسْجٍ) كَدِرْعِ حَدِيدٍ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّيهِ نَسْجًا أَوْ لَصْقِ لِبْدٍ عَلَى صُورَتِهِ أَوْ جِلْدَ حَيَوَانٍ سُلِخَ بِغَيْرِ شَقٍّ لِبَدَنِهِ أَوْ أَعْضَائِهِ (قَوْلُهُ مَا أَحَاطَ بِنَسْجٍ) أَيْ بِسَبَبِ نَسْجٍ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ يُقَدَّرُ لِقَوْلِهِ) هَذَا لَا يَنْفَعُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الْمَخِيطُ فَلَا تَتَأَتَّى الْمُبَالَغَةُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ كَخَاتَمٍ) وَلَوْ فِضَّةً وَوَزْنُهُ دِرْهَمَانِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ كَمَا) فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَلْبٌ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ كَمًّا، أَوْ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَمَفْعُولُ يُدْخِلُ مَحْذُوفٌ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي كُمِّهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُلْبَسُ إلَخْ) ظَاهِرُ تَعْلِيلِهِ عَدَمُ الْفِدْيَةِ فِي لُبْسِهِ بِجَعْلِ بَطْنِهِ عَلَى ظَهْرِهِ وَظَهْرِهِ دَاخِلَ جَسَدِهِ مَعَ إدْخَالِ مَنْكِبَيْهِ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ فِيهِ الْفِدْيَةُ أَيْضًا كَمَا إذَا جَعَلَ رِجْلَيْهِ فِي كُمَّيْهِ حِينَ جَعَلَ أَعْلَاهُ فِي أَسْفَلِهِ إنْ تَرَفَّهَ بِذَلِكَ، أَوْ أَزَالَ أَذًى وَإِلَّا فَلَا.

(قَوْلُهُ كَطِينٍ) وَمِثْلُ الطِّينِ مَا لَوْ جَعَلَ عَلَى وَجْهِهِ دَقِيقًا أَوْ جِيرًا لِأَنَّهُ جِسْمٌ أَيْ لِأَنَّ الطِّينَ يَدْفَعُ الْحَرَّ (قَوْلُهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ) أَيْ مِنْ كُلِّ مُحِيطٍ بِالْبَدَنِ أَوْ بَعْضِهِ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْجَسَدِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَجْهَ وَالرَّأْسَ لَمَّا كَانَا غَيْرَ عَوْرَةٍ مِنْ الرَّجُلِ كَالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَالْمُحْرِمُ مَأْمُورٌ بِالتَّجَرُّدِ حَرُمَ سَتْرُهُمَا بِكُلِّ شَيْءٍ وَمَا عَدَاهُمَا مِنْ الْجَسَدِ عَوْرَةٌ فِي الْجُمْلَةِ فَلَوْ حَرَّمْنَا سِتْرَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ كَالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ لَلَزِمَ عَلَيْهِ الْوُقُوعُ فِي مَعْصِيَةٍ وَرُبَّمَا يُتَوَصَّلُ فِي ذَلِكَ إلَى الْفَسَادِ فَلِذَا جَازَ سِتْرُهُ بِغَيْرِ الْمَخِيطِ وَالْمُحِيطِ وَحَرُمَ السِّتْرُ بِهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>