للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ إحْرَامُهُ فِي وَقْتٍ يُدْرِكُ فِيهِ الْحَجَّ لَوْلَا الْحَصْرُ أَمَّا إنْ حُصِرَ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ وَكَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْحَجُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُصِرَ لَمْ يَتَحَلَّلْ وَيَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ إلَى قَابِلٍ حَتَّى يَحُجَّ؛ لِأَنَّ الْعَدُوَّ لَيْسَ الَّذِي مَنَعَهُ مِنْ الْحَجِّ وَلَا هَدْيَ عَلَى مَنْ تَحَلَّلَ لِلْحَصْرِ؛ لِأَنَّ الْمُحْصَرَ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَلَا دَمَ لِمَا فَاتَهُ مِنْ الْحَجِّ بِحَصْرِ الْعَدُوِّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَوْجَبَهُ أَشْهَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] .

وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى الْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ وَرَدَّهُ اللَّخْمِيُّ بِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَ حَصْرُهَا بِعَدُوٍّ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا أَمِنْتُمْ} [البقرة: ١٩٦] ، وَالْأَمْنُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ عَدُوٍّ اهـ.

وَأَجَابَ التُّونُسِيُّ وَابْنُ يُونُسَ لِابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّ الْهَدْيَ فِي الْآيَةِ لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الْحَصْرِ إنَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ سَاقَهُ تَطَوُّعًا فَأَمَرُوا بِذَبْحِهِ وَاسْتُضْعِفَ قَوْلُ أَشْهَبَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] ، وَالْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ يَحْلِقُ أَيْنَ كَانَ (ص) بِنَحْرِ هَدْيِهِ وَحَلْقِهِ (ش) هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: فَلَهُ التَّحَلُّلُ لَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ التَّحَلُّلَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِحَلْقِ رَأْسِهِ وَبِنَحْرِ هَدْيِهِ إنْ كَانَ مَعَهُ سَاقَهُ عَنْ شَيْءٍ مَضَى، أَوْ تَطَوَّعَ حَيْثُ كَانَ إنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ إرْسَالُهُ لِمَكَّةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي التَّحَلُّلِ نِيَّتُهُ وَصَرَّحَ سَنَدٌ بِأَنَّ الْحَلْقَ مِنْ سُنَّتِهِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ، وَكَذَا نَحْرُ الْهَدْيِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَوْ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ الْهَدْيِ عَلَى الْمُحْصَرِ فَأَوْلَى عَلَى الْمَشْهُورِ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ، قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ، أَوْ نَحَرَ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّحَلُّلَ لَا يَتَحَلَّلُ (ص) وَلَا دَمَ إنْ أَخَّرَهُ (ش) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ لِلْحِلَاقِ، أَوْ لِلتَّحَلُّلِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُحْصَرَ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ إذَا أَخَّرَ التَّحَلُّلَ، أَوْ أَخَّرَ الْحِلَاقَ إلَى أَنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحِلَاقَ لَمَّا لَمْ يَقَعْ فِي زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا بَلْ تَحَلُّلًا.

(ص) وَلَا يَلْزَمُهُ طَرِيقٌ مُخِيفَةٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْعَدُوَّ إذَا أَحْصَرَ الْحَاجَّ وَمَنَعَهُ مِنْ تَمَامِ النُّسُكِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْلُكَ طَرِيقًا مُخِيفًا لَا يُسْلَكُ فِيهَا بِالْحَرِيمِ وَالْأَثْقَالِ وَهُوَ مَحْصُورٌ حِينَئِذٍ فَإِنْ وَجَدَ طَرِيقًا مَأْمُونَةً فَإِنَّهُ يَسْلُكُهَا وَلَوْ كَانَتْ أَبْعَدَ إذَا كَانَ يُدْرِكُ الْحَجَّ قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ شَيْءٌ آخَرُ وَيَنْبَغِي الْحُرْمَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] وَقَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ. . . إلَخْ هُوَ فِي الْمُحْصَرِ مُطْلَقًا لَا فِي الْمُحْصَرِ عَنْ الْوُقُوفِ وَالْبَيْتِ فَقَطْ وَقَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ. . . إلَخْ أَيْ وَهُوَ يُدْرِكُ مِنْهَا، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ اتِّفَاقًا وَالْقِيَاسُ مَخُوفَةٌ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لَيْسَتْ مُخِيفَةً وَإِنَّمَا الْمُخِيفُ قَاطِعُهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يُخِيفُ مَنْ نَظَرَهُ يُقَالُ فِيهِ مُخِيفٌ وَاَلَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ الْخَوْفُ يُقَالُ فِيهِ مَخُوفٌ فَيُقَالُ: جُرْحٌ مُخِيفٌ، وَطَرِيقٌ مَخُوفٌ.

(ص) وَكُرِهَ إبْقَاءُ إحْرَامِهِ إنْ قَارَبَ مَكَّةَ، أَوْ دَخَلَهَا (ش) هَذَا فِيمَنْ يَتَحَلَّلُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ وَهُوَ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْبَيْتِ وَفَاتَهُ الْحَجُّ بِأَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ غَيْرِ الْحَبْسِ ظُلْمًا أَيْ أَنَّ مَنْ يَتَحَلَّلُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ، أَوْ

ــ

[حاشية العدوي]

مَا لَوْ زَالَ الْعَدُوُّ لَأَدْرَكَ فِيهِ الْحَجَّ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ الْبَدْرُ.

وَالْأَحْسَنُ تَعَلُّقُهُ بِقَوْلِهِ فَلَهُ التَّحَلُّلُ قَبْلَ فَوَاتِهِ لِيَكُونَ رَدًّا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بَعْدَ الْفَوَاتِ (قَوْلُهُ وَكَانَ إحْرَامُهُ. . . إلَخْ) هَذَا الشَّرْطُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَيِسَ مِنْ زَوَالِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى الْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ) أَيْ فَإِنْ حَصَلَ لَهُ مَنْعٌ بِسَبَبِ الْمَرَضِ لِأَنَّ أُحْصِرَ الرُّبَاعِيَّ فِي الْمَرَضِ وَحُصِرَ فِي الْعَدُوِّ.

(قَوْلُهُ إنَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ سَاقَهُ تَطَوُّعًا) فِيهِ شَيْءٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ هَذَا عَلَى غَيْرِ مَسَاقِهِمْ لِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْحَصْرُ بِمَرَضٍ الثَّانِي أَنَّهُ رَتَّبَ اسْتِيسَارَ الْهَدْيِ عَلَى الْإِحْصَارِ وَتَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُؤْذِنُ بِعَلِيَّةِ الْمَأْخَذِ فَكَيْفَ يَأْتِي هَذَا الْقَوْلُ مَعَ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ خُصُوصًا وَقَدْ قَالَ {فَمَا اسْتَيْسَرَ} [البقرة: ١٩٦] أَيْ مَا تَيَسَّرَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ (قَوْلُهُ وَالْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ يَحْلِقُ. . . إلَخْ) قَدْ يُقَالُ الْمَحَلُّ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ (قَوْلُهُ بِنَحْرِ هَدْيِهِ وَحَلْقِهِ) فِي شَرْحِ عب مِثْلُ حَصْرِهِ عَنْ الْبَيْتِ وَعَرَفَةَ الَّذِي كَلَامُهُ فِيهِ هُنَا فِي التَّحَلُّلِ بِنَحْرِ هَدْيِهِ وَحَلْقِهِ مَنْ حَصْرٍ عَنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَكَانَ حَصْرُهُ بِمَكَانٍ بَعِيدٍ فَيَتَحَلَّلُ بِنَحْرِ هَدْيِهِ وَحَلْقِهِ كَمَا يُفِيدُهُ الْحَطَّابُ فَيُسْتَثْنَى هَذَا مِمَّا يَأْتِي اهـ.

وَيُحْمَلُ هَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ بِالْفِعْلِ وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ تَتِمَّةٌ.

(قَوْلُهُ إنْ كَانَ سَاقَهُ عَنْ شَيْءٍ مَضَى) أَيْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلَا دَمَ وَبَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ فَلَا ضَمَانَ وَحُكْمُهُ فِي الْأَكْلِ مَا بَلَغَ مَحَلَّهُ لَا مَا عَطِبَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ مَحَلِّهِ وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا جَرَى عَلَى حُكْمِ الْمَضْمُونِ فَإِنْ قُلْنَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا يَسْقُطُ الْهَدْيُ (قَوْلُهُ أَوْ أَخَّرَ الْحِلَاقَ) أَيْ أَوْ تَحَلَّلَ وَأَخَّرَ الْحِلَاقَ إلَى أَنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ كَذَا قَالَ سَنَدٌ فَظَهَرَ أَنَّ الرُّجُوعَ لِلْبَلَدِ فِي تَأَخُّرِ الْحِلَاقِ، وَأَمَّا تَأَخُّرُ التَّحَلُّلِ فَلَيْسَ لَهُ غَايَةٌ مُعَيَّنَةٌ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَخَّرَهُ لَكِنْ لَا لِدُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَتَحَلَّلُ إنْ دَخَلَ وَقْتُهُ

. (قَوْلُهُ طَرِيقٌ مُخِيفَةٌ) أَيْ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ الْكَثِيرِ كَالْيَسِيرِ مَعَ عَدُوٍّ يَنْكُثُ وَلَمْ يُبَيِّنُوا مَا الْمُرَادِ بِالْخَوْفِ هَلْ هُوَ التَّحَقُّقُ أَوْ الظَّنُّ مُطْلَقًا وَهُوَ الظَّاهِرُ، أَوْ غَلَبَتُهُ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَسْلُكُهَا) إذَا لَمْ تَعْظُمْ مَشَقَّتُهَا وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ اتِّفَاقًا) ظَاهِرُهُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفِ فِيهَا خِلَافٌ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ مَخُوفَةٌ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ مُخِيفَةٌ فِيهِ مَجَازٌ فِي الْإِسْنَادِ وَالْأَصْلُ مُخِيفٌ الْحَالُّ فِيهَا مِنْ إسْنَادِ مَا لِلْحَالِّ لِلْمَحَلِّ.

(قَوْلُهُ وَكُرِهَ إبْقَاءُ إحْرَامِهِ) أَيْ قَابِلٌ أَيْ، وَأَمَّا بَقَاؤُهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَفِعْلِ الْعُمْرَةِ فَأَمْرٌ لَازِمٌ إذْ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِفِعْلِ عُمْرَةٍ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ عج (قَوْلُهُ وَفَاتَهُ الْحَجُّ بِأَمْرٍ. . . إلَخْ) أَيْ الْوُقُوفُ (قَوْلُهُ غَيْرَ الْحَبْسِ ظُلْمًا) أَقُولُ: هَذِهِ الْعِبَارَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ عِبَارَةُ عج وَاتَّفَقَ كَلَامُهُ أَوَّلًا وَآخِرًا عَلَى أَنَّ الْمَحْبُوسَ عَنْ الْوُقُوفِ حَبْسًا ظُلْمًا يَتَحَلَّلُ بِالنِّيَّةِ وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الْبَيْتِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَنَّ مَنْ يَتَحَلَّلُ) أَيْ أَنَّ مَنْ يُطْلَبُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ (قَوْلُهُ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ) شَرْطِيَّةٌ أَوْ أَنَّهَا ظَرْفِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: يُكْرَهُ وَلَيْسَ ظَرْفًا لِقَوْلِهِ يَتَحَلَّلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>