{قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: ١٤٥] فَهَذِهِ الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَمَّا كَانَ نَفْيُ التَّحْرِيمِ لَا يَقْتَضِي الْجَوَازَ عَيْنًا اُحْتِيطَ لِلْكَرَاهَةِ وَرَوَى الْمَدَنِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ تَحْرِيمَ أَكْلِ مَا يَعْدُو مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالثَّعْلَبِ وَالْكَلْبِ وَمَا لَا يَعْدُو يُكْرَهُ أَكْلُهُ (ص) وَقِيلَ (ش) الْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَكْرُوهُ الْأَكْلِ لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ وَمِثْلُ الْفِيلِ الدُّبُّ وَأَمَّا الضَّبُّ فَقَدْ صَحَّحَ فِي تَوْضِيحِهِ إبَاحَتَهُ وَمِنْ الْمَكْرُوهِ النِّمْسُ وَالْفَهْدُ وَالنَّمِرُ.
(ص) وَكَلْبُ مَاءٍ وَخِنْزِيرِهِ (ش) هَذَا فِي مَعْرِضِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ الْبَابِ وَالْبَحْرِيِّ أَيْ إلَّا كَذَا وَكَذَا فَإِنَّهُ مَكْرُوهُ وَقِيلَ حَرَامٌ وَوَجْهُ الْخِلَافِ أَنَّ مِنْ نَظَرَ إلَى قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: ١٤٥] الْآيَةَ مَنَعَ أَكْلَهُ وَمَنْ نَظَرَ إلَى عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: ٩٦] أَجَازَ أَكْلَهُ وَالْمَذْهَبُ الْكَرَاهَةُ وَأَمَّا آدَمِيُّ الْبَحْرِ فَأَكْلُهُ مُبَاحٌ وَاللَّيْثُ يَمْنَعُهُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ كَرَاهَةُ أَكْلِ كَلْبِ غَيْرِ الْمَاءِ.
(ص) وَشَرَابُ خَلِيطَيْنِ (ش) أَيْ وَمِنْ الْمَكْرُوهِ شُرْبُ شَرَابِ خَلِيطَيْنِ أَوْ عَمَلُ شَرَابِ خَلِيطَيْنِ لِيَشْرَبَهُ مِنْ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ أَوْ بُسْرٍ وَزَهْوٍ وَرُطَبٍ أَوْ حِنْطَةٍ مَعَ شَعِيرٍ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ تِينٍ أَوْ عَسَلٍ وَسَوَاءٌ خُلِطَا عِنْدَ الِانْتِبَاذِ أَوْ عِنْدَ الشُّرْبِ وَهَلْ النَّهْيُ تَعَبُّدٌ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُوَطَّإِ أَوْ لِاحْتِمَالِ تَخَمُّرِ أَحَدِهِمَا بِمُخَالَطَةِ الْآخَرِ وَخَفَائِهِ قَوْلَانِ وَلَا بَأْسَ بِخَلْطِ الْعَسَلِ بِاللَّبَنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ انْتِبَاذًا بَلْ خَلْطُ مَشْرُوبَيْنِ كَخَلْطِ شَرَابِ الْوَرْدِ وَالنَّيْلَوْفَرِ ابْنُ سِرَاجٍ فَعَلَيْهِ يَجُوزُ خَلْطُ الرُّبِّ وَالْخَلِّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَنْتَهِي لِلْإِسْكَارِ وَيَتَنَاوَلُ قَوْلُهُ وَشَرَابٍ إلَخْ الْمَبْلُولَ الَّذِي لِلْمَرِيضِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
(ص) وَنَبْذٍ بِكَدُبَّاءٍ (ش) أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يَضَعَ فِي الدُّبَّاءِ أَيْ الْقَرْعِ وَالْمُزَفَّتِ مَاءً ثُمَّ يُلْقِي فِيهِ تَمْرًا أَوْ تِبْنًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَشْرَبَهَا فِي حَالِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ وَرَوَى الْمَدَنِيُّونَ) هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِ الشَّارِحِ الْمَشْهُورِ وَهُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ تَرَكَهُ الشَّارِحُ وَهُوَ تَحْرِيمُ مَا ذُكِرَ وَهُوَ أَكْلُ الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ وَالْهِرِّ الْوَحْشِيِّ وَالْإِنْسِيِّ وَالسِّبَاعِ (قَوْلُهُ وَمَا لَا يَعْدُو) أَيْ كَالضَّبُعِ وَالْهِرِّ كَذَا فِي بَهْرَامَ وَجَعَلَ الضَّبُعَ لَا يَعْدُو بِاعْتِبَارِ بَعْضِ الْأَقْطَارِ وَإِلَّا فَهُوَ يَعْدُو فِي بِلَادِنَا (قَوْلُهُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ) وَقِيلَ بِالْجَوَازِ وَقِيلَ بِالْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الضَّبُّ فَقَدْ صَحَّحَ فِي تَوْضِيحِهِ إبَاحَتَهُ) .
(قَوْلُهُ وَوَجْهُ الْخِلَافِ) أَيْ فِي الْخِنْزِيرِ فَقَطْ لَا فِيهِ وَفِي الْكَلْبِ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ فِي كَلْبِ الْمَاءِ قَوْلًا بِالْمَنْعِ وَقَوْلُهُ وَوَجْهُ الْخِلَافِ إلَخْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ الْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي لَا يُبَيِّنُ فِي الْوَجْهِ إلَّا الْحُرْمَةَ وَالْجَوَازَ (قَوْلُهُ وَالْمَذْهَبُ الْكَرَاهَةُ) ضَعِيفٌ بَلْ الْمَذْهَبُ الْإِبَاحَةُ (قَوْلُهُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ إلَخْ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقِيلَ حَرَامٌ وَلَمْ يَرَ الْقَوْلَ بِإِبَاحَتِهِ قَالَ الشَّيْخُ دَاوُد شَيْخُ تت يُؤَدَّبُ فِي نِسْبَةِ الْإِبَاحَةِ لِمَالِكٍ وَلَعَلَّهُ لِبَشَاعَةِ ذَلِكَ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ.
(قَوْلُهُ أَوْ عَمَلُ شَرَابِ إلَخْ) فِي عج أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْعَمَلَ حَرَامٌ فَعَلَى كَلَامِهِ الصَّوَابُ إبْدَالُ " عَمَلُ " بِاسْتِعْمَالِ وَيَكُونُ إشَارَةٍ لِلتَّفَنُّنِ فِي التَّعْبِيرِ إمَّا بِهَذَا أَوْ بِهَذَا لَكِنْ يُسْتَبْعَدُ كَوْنُ الْعَمَلِ حَرَامًا وَالشُّرْبُ مَكْرُوهٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ عج أَنَّ الْعَمَلَ حَرَامٌ وَأَمَّا الِاسْتِعْمَالُ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ بَلْ مَكْرُوهٌ وَهُوَ مُشْكِلٌ وَنَسَبَ عج الْحُرْمَةَ لِلْمُدَوَّنَةِ مَعَ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ لَمْ تُصَرَّحْ بِالْحُرْمَةِ إذْ لَفْظُهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْبَذَ تَمْرٌ مَعَ زَبِيبٍ وَلَا بُسْرٍ أَوْ زُهُورٍ مَعَ رُطَبٍ وَلَا بُرٍّ مَعَ شَعِيرٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَعَ تِينٍ أَوْ عَسَلٍ اهـ فَقَالَ الْبَاجِيُّ ظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَإِذَنْ يَكُونُ الْمُصَنِّفُ مَاشِيًا عَلَى الْكَرَاهَةِ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ شَارِحُنَا خِلَافًا لعج وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ يُمْكِنُ الْإِسْكَارُ وَلَمْ يَحْصُلْ بِالْفِعْلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِقِصَرِ مُدَّةِ الِانْتِبَاذِ فَلَا كَرَاهَةَ وَمِثْلُ قَصْدِ الِانْتِبَاذِ مَا لَا يُمْكِنُ حُصُولُ الْإِسْكَارِ مِنْهُمَا وَلَا مِنْ أَحَدِهِمَا كَخَلْطِ اللَّبَنِ بِالْعَسَلِ لِلشُّرْبِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ فَإِنْ حَصَلَ الْإِسْكَارُ بِهِ حُرِّمَ وَأَمَّا طَرْحُ التَّمْرِ فِي نَبِيذِ التَّمْرِ أَوْ طَرْحِ الْعَسَلِ فِي نَبِيذِ الْعَسَلِ أَوْ طَرْحِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ فِي نَبِيذِهِ فَجَائِزٌ (قَوْلُهُ أَوْ بُسْرٍ وَزَهْوٍ) قَالَ أَبُو حَاتِمٍ إنَّمَا يُسَمَّى زَهْوًا إذَا خَلَصَ لَوْنُ الْبُسْرَةِ فِي الْحُمْرَةِ أَوْ الصُّفْرَةِ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ زَهَا النَّخْلُ يَزْهُو ظَهَرَتْ الْحُمْرَةُ أَوْ الصُّفْرَةُ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ الْبُسْرَ هُوَ مَا إذَا تَهَيَّأَتْ الْبَلَحُ إلَى الِاحْمِرَارِ الْخَالِصِ أَوْ الِاصْفِرَارِ الْخَالِصِ أَيْ وَأَمَّا إذَا خَلَصَتْ إلَى الِاحْمِرَارِ أَوْ إلَى الِاصْفِرَارِ فَلَا يُقَالُ لَهُ بُسْرٌ فَإِذَا كَانَتْ الْبَلَحُ بَيْنَ بَيْنَ لَا اخْضِرَارَ وَلَا احْمِرَارَ خَالِصٌ فَيُقَالُ لَهُ بُسْرٌ وَقَوْلُهُ أَوْ بُسْرٍ إلَخْ الْوَاوُ فِي وَرُطَبٍ بِمَعْنَى مَعَ وَفِي وَزَهْوٍ بِمَعْنَى أَوْ وَالتَّقْدِيرُ بُسْرٌ مَعَ رُطَبٍ أَوْ زَهْوٍ مَعَ رُطَبٍ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُدَوَّنَةُ (قَوْلُهُ وَسَوَاءٌ خُلِطَا عِنْدَ الِانْتِبَاذِ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ النَّبْذِ أَيْ طُرِحَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ فِي الْآخَرِ وَالِانْتِبَاذُ لُغَةٌ عَامِّيَّةٌ وَأَمَّا لَوْ شَرِبَ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ فَلَا كَرَاهَةَ (قَوْلُهُ أَوْ عِنْدَ الشُّرْبِ) أَيْ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ أَوْ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْرِعُ الْإِسْكَارُ لِقُوَّةِ الِاجْتِمَاعِ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ اهـ (قَوْلُهُ لَيْسَ انْتِبَاذًا) أَيْ مُؤَثِّرًا (قَوْلُهُ وَالنَّيْلَوْفَرَ) نَوْعٌ مِنْ الْأَشْرِبَةِ (قَوْلُهُ الرَّبُّ) دِبْسُ الرُّطَبِ إذَا طُبِخَ وَالدِّبْسُ بِكَسْرِ الدَّالِ عُصَارَةُ الرُّطَبِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ مَا حَكَاهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ إجَازَتِهِ.
(قَوْلُهُ وَنَبْذٍ بِكَدُبَّاءٍ) بِالْمَدِّ وَيَجُوزُ الْقَصْرُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُنْصَرِفٌ كَقُرَّاءٍ وَقَوْلُهُ أَيْ الْقَرْعُ وَقِيلَ خَاصٌّ بِالْمُسْتَدِيرِ (قَوْلُهُ وَالْمُزَفَّتِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْكَافَ إنَّمَا أَدْخَلَتْ الْمُزَفَّتَ فَقَطْ وَجَعَلَ تت الْحَنْتَمَ وَالنَّقِيرَ دَاخِلَيْنِ فِي قَوْلِهِ بِكَدُبَّاءٍ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْحَنْتَمُ الْجَرَّارُ جَمْعُ حَنْتَمَةٍ وَهِيَ الْجَرَّةُ مَا طُلِيَ مِنْ الْفَخَّارِ بِالْحَنْتَمِ وَهُوَ الزُّجَاجُ وَالنَّقِيرُ الْمَنْقُورُ وَهُوَ جِذْعٌ لِنَخْلَةٍ يُنْقَرُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِحَ اقْتَصَرَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ إدْخَالِ الْكَافِ الْمُزَفَّتِ فَقَطْ (قَوْلُهُ خَشْيَةَ أَنْ يَشْرَبَهَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا بَادَرَ بِالشُّرْبِ بِحَيْثُ يَجْزِمُ بِعَدَمِ الْإِسْكَارِ فَلَا كَرَاهَةَ.