الْآمِرُ عَالِمًا بِالْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ لِئَلَّا يَنْهَى عَنْ مَعْرُوفٍ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُنْكَرٌ أَوْ يَأْمُرُ بِمُنْكَرٍ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ وَأَنْ يَأْمَنَ أَنْ يُؤَدِّيَ إنْكَارُهُ إلَى مُنْكَرٍ أَكْبَرَ مِنْهُ، مِثْلُ أَنْ يَنْهَى عَنْ شُرْبِ خَمْرٍ فَيُؤَدِّيَ إلَى قَتْلِ نَفْسٍ وَنَحْوِهِ وَأَنْ يَعْلَمَ أَوْ يَظُنَّ أَنَّ إنْكَارَهُ يُزِيلُ الْمُنْكَرَ وَأَنَّ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ مُؤَثِّرٌ فِيهِ وَنَافِعٌ.
وَبِفَقْدِ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يَحْرُمُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَبِفَقْدِ الثَّالِثِ يَسْقُطُ الْوُجُوبُ وَيَبْقَى الْجَوَازُ أَوْ النَّدْبُ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ وَإِذْنِ الْإِمَامِ ابْنُ نَاجِي وَيُشْتَرَطُ ظُهُورُ الْمُنْكَرِ مِنْ غَيْرِ تَجْسِيسٍ وَلَا اسْتِرَاقِ سَمْعٍ وَلَا اسْتِنْشَاقِ رِيحٍ وَلَا بَحْثٍ عَمَّا أَخْفَى بِيَدٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ حَانُوتٍ فَإِنَّهُ حَرَامٌ وَأَقْوَى مَرَاتِبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ الْيَدُ ثُمَّ اللِّسَانُ بِرِفْقٍ وَلِينٍ ثُمَّ الْقَلْبُ ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَنْ ضَلَّ وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ أَوْ يَكُونَ مَدْرَكُ عَدَمِ التَّحْرِيمِ فِيهِ ضَعِيفًا وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْفَرْعُ الثَّالِثُ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا مُخْتَلَفًا فِي تَحْرِيمِهِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ التَّحْرِيمَ أُنْكِرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اعْتَقَدَ التَّحْلِيلَ لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَدْرَكُ الْقَوْلِ بِالتَّحْلِيلِ ضَعِيفًا يَنْقُضُ قَضَاءَ الْقَاضِي بِمِثْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ التَّحْرِيمَ وَلَا التَّحْلِيلَ وَالْمَدْرَكُ فِيهِمَا مُتَوَازٍ أُرْشِدَ لِلتَّرْكِ بِرِفْقٍ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَلَا تَوْبِيخٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْوَرَعِ انْتَهَى (ص) .
وَالْحِرَفُ الْمُهِمَّةُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحِرَفَ الْمُهِمَّةَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْحِيَاكَةِ وَالْحِجَامَةِ وَالْبِنَاءِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهَا إذْ لَا يَقُومُ صَلَاحُ الْعَالَمِ إلَّا بِهَا وَاحْتُرِزَ بِالْمُهِمَّةِ عَنْ غَيْرِهَا كَالْقَصِيرِ لِلثِّيَابِ وَالنَّقْشِ لِلسَّقْفِ (ص) وَرَدُّ السَّلَامِ (ش) أَيْ وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ رَدُّ السَّلَامِ فَيَسْقُطُ بِرَدِّ وَاحِدٍ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْوَاحِدِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُلَبِّي وَقَاضِي الْحَاجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ لَكِنْ لَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى الْمُلَبِّي وَالْمُؤَذِّنِ فِي حَالِ التَّلْبِيَةِ وَالْأَذَانِ فَإِذَا فَرَغَ كُلٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ، وَلَوْ سِرًّا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْإِسْمَاعُ فِي الرَّدِّ حَيْثُ كَانَ الْمُسْلِمُ حَاضِرًا.
وَأَمَّا قَاضِي الْحَاجَةِ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ الرَّدُّ، وَلَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. وَأَمَّا قَارِئُ الْقُرْآنِ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ أَوْ يُسَنُّ السَّلَامُ عَلَيْهِ وَيَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْوَنْشَرِيسِيِّ (ص) وَتَجْهِيزُ الْمَيِّتِ (ش) يَعْنِي أَنَّ تَجْهِيزَ الْمَيِّتِ مِنْ غُسْلٍ وَكَفَنٍ وَصَلَاةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهَا الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ لَكِنْ فِي الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي بَابِهِ وَبَيَّنَ هُنَا أَنَّ التَّجْهِيزَ لِلْمَيِّتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهَذَا لَا يُسْتَفَادُ مِمَّا قَدَّمَهُ فِي الْجَنَائِزِ (ص) وَفَكُّ الْأَسِيرِ (ش) يَعْنِي أَنَّ فَكَّ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَوْ بِجَمِيعِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ (ص) .
وَتَعَيَّنَ بِفَجْءِ الْعَدُوِّ، وَإِنْ عَلَى امْرَأَةٍ وَعَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ إنْ عَجَزُوا (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ الْجِهَادَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ وَذَكَر هُنَا أَنَّهُ قَدْ يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَإِنْ يَأْمَنْ إلَخْ) لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ هَذَا الشَّرْطِ وُجُودُ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَيَبْقَى الْجَوَازُ أَوْ النَّدْبُ) أَوْ لِلشَّكِّ.
(تَنْبِيهٌ) : اعْلَمْ أَنَّ الْمَنْدُوبَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ يَدْخُلُ فِيهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ عَلَى سَبِيلِ الْإِرْشَادِ مِنْ غَيْرِ تَعَسُّفٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ خَوْفُ الْعُزْلَةِ مِنْ الْخُطَّةِ لَيْسَ مِنْ الضَّرَرِ قَالَهُ الْبَدْرُ (قَوْلُهُ وَلَا اسْتِرَاقُ سَمْعٍ إلَخْ) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ وَقَوْلُهُ وَلَا اسْتِرَاقُ سَمْعٍ أَيْ بِحَيْثُ يَنْظُرُ هَلْ يَسُبُّونَ أَوْ يَقْذِفُونَ أَوْ يَغْتَابُونَ وَلَا اسْتِنْشَاقُ رِيحٍ كَأَنْ يَنْظُرَ هَلْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ أَوْ لَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُرْمَةَ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ النَّهْيِ بَعْدَ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ الْيَدُ) هَذَا شَأْنُ الْأُمَرَاءِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ اللِّسَانُ هَذَا شَأْنُ الْعُلَمَاءِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ الْقَلْبُ وَهُوَ شَأْنُ عَامَّةِ النَّاسِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّهُ بِالْقَلْبِ فَرْضُ عَيْنٍ لَا فَرْضُ كِفَايَةٍ فَقَوْلُهُ وَأَقْوَى مَرَاتِبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ أَيْ الْأَمْرُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ بِأَنْ يُقَالَ كَيْفَ يَكُونُ فَرْضُ الْعَيْنِ أَقْوَى مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ يَنْقُضُ قَضَاءَ الْقَاضِي بِمِثْلِهِ) كَمِيرَاثِ ذِي رَحِمٍ وَشُفْعَةِ جَارٍ (قَوْلُهُ مُتَوَازٍ) أَيْ مُتَسَاوٍ (قَوْلُهُ وَالْحِيَاكَةُ) الْقَزَّازَةُ (قَوْلُهُ فَيَسْقُطُ بِرَدِّ وَاحِدٍ) أَيْ حَيْثُ قَصَدُوا بِالسَّلَامِ احْتِرَازًا عَنْ قَصْدٍ كَبِيرٍ مِنْهُمْ فَقَطْ بِالسَّلَامِ فَلَا يُجْزِئُ رَدُّ غَيْرِهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الرَّادُّ بَالِغًا فَلَا يُكْتَفَى بِرَدِّ صَبِيٍّ عَنْ الْبَالِغِينَ فِيمَا يَظْهَرُ لِعَدَمِ خِطَابِهِ هُوَ بِالرَّدِّ وَيَجِبُ رَدُّ سَلَامِهِ وَفِي بَعْضِ شُرَّاحِ الرِّسَالَةِ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِرَدِّهِ.
(قَوْلُهُ حَيْثُ كَانَ الْمُسْلِمُ حَاضِرًا) فَلَوْ اسْتَمَرَّ الْمُسْلِمُ حَاضِرًا فَيَجِبُ عَلَى الْمُلَبِّي وَالْمُؤَذِّنِ الْإِسْمَاعُ وَمِثْلُهُمَا الْمُقِيمُ (قَوْلُهُ. وَأَمَّا قَاضِي الْحَاجَةِ) وَمِثْلُهُ الْوَاطِئُ وَمُسْتَمِعُ الْخُطْبَةِ (قَوْلُهُ أَوْ يُسَنُّ السَّلَامُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
(فَائِدَةٌ) اعْلَمْ أَنَّ السَّلَامَ كَمَا يُطْلَبُ مِنْ قَادِمٍ يُطْلَبُ مِنْ مُفَارِقِ الْجَمَاعَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ وَأَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْكُفَّارِ تَنْزِيهًا، فَإِنْ سَلَّمُوا عَلَيْنَا بِإِخْلَاصٍ وَجَبَ عَلَيْنَا الرَّدُّ عج.
(قَوْلُهُ وَهَذَا لَا يُسْتَفَادُ) ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا أَفَادَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ وَاجِبَانِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَكَوْنُ ذَلِكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ شَيْءٌ آخَرُ وَكَذَا الدَّفْنُ وَاجِبٌ. وَأَمَّا كَوْنُهُ فَرْضَ كِفَايَةٍ فَشَيْءٌ آخَرُ يُسْتَفَادُ مِنْ هُنَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِجَمِيعِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ بِجَمِيعِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ صَارَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ لَا كِفَايَةً فَلَا تَظْهَرُ الْمُبَالَغَةُ، وَإِنْ اُحْتِيجَ فِي فَكِّهِ لِقِتَالٍ كَانَ ذَلِكَ فَرْضَ كِفَايَةٍ عَلَيْهِمْ وَسَيَأْتِي بِقَوْلِ وَفُدِيَ بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ بِمَالِهِ.
(تَنْبِيهٌ) : مَحَلُّ كَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ إذَا كَانَ بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا إنْ كَانَ بِمَالِهِ أَوْ مِنْ الْفَيْءِ فَلَا (قَوْلُهُ وَإِنْ عَلَى امْرَأَةٍ) مُبَالَغَةٌ فِي تَعَيُّنٍ أَيْ وَإِنْ كَانَ التَّعَيُّنُ عَلَى امْرَأَةٍ لَا فِي فَجْءٍ إذْ لَا كَبِيرَ فَائِدَةٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْعَدُوَّ إذَا فَجَأَ، وَلَوْ عَلَى دِرْهَمٍ تَعَيَّنَ (قَوْلُهُ وَعَلَى قُرْبِهِمْ) مُسْتَأْنَفٌ أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى امْرَأَةٍ قُرْبٌ بِمَعْنَى مُقَارِبٌ أَوْ ذَوِي قُرْبِهِمْ وَهَكَذَا فِي نُسْخَتِهِ وَعَلَى قُرْبِهِمْ وَفِي غَيْرِهِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمَا) كَالصَّبِيِّ الْمُطِيقِ لِلْقِتَالِ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ.