أَظْهَرَ الْخَمْرَ وَيُرِيقُهَا وَلَا يَضْمَنُ لَهُمْ شَيْئًا فِيهَا. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَظْهَرْ الْخَمْرُ وَأَرَاقَهَا مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِتَعَدِّيهِ وَلَمْ يَقُلْ وَكُسِرَتْ أَوَانِيهَا؛ لِأَنَّ أَوَانِيهَا مِنْ جُمْلَةِ مَالِ الذِّمِّيِّ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ إتْلَافُهُ، وَكَذَلِكَ يُعَزَّرُ إذَا حَمَلَ الْخَمْرَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَإِذَا أَظْهَرَ ضَرْبَ النَّاقُوسِ وَهُوَ خَشَبَةٌ لَهَا حِسٌّ يَضْرِبُونَهَا لِأَجْلِ اجْتِمَاعِهِمْ لِصَلَاتِهِمْ فَإِنَّهُ يُكْسَرُ وَيُعَزَّرُ وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ كَسَرَهُ وَمِثْلُهُ الصَّلِيبُ إذَا أَظْهَرُوهُ فِي أَعْيَادِهِمْ وَاسْتِسْقَائِهِمْ وَيُمْنَعُونَ مِنْ الزِّنَا وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ الزَّوَاجِ بِالْبَنَاتِ وَالْأُمَّهَاتِ إنْ اسْتَحَلُّوهُ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ الْحَمِيرِ، وَلَوْ نَفِيسَةً وَلَا يُكَنُّونَ وَلَا تُشَيَّعُ جَنَائِزُهُمْ؛ لِأَنَّ الْكُنَى تَعْظِيمٌ وَإِكْرَامٌ، وَكَذَلِكَ تَشْيِيعُ جَنَائِزِهِمْ؛ لِأَنَّهُ إكْرَامٌ، وَلَوْ قَرِيبًا.
(ص) وَيُنْتَقَضُ بِقِتَالٍ وَمَنْعِ جِزْيَةٍ وَتَمَرُّدٍ عَلَى الْأَحْكَامِ وَغَصْبِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ وَغُرُورِهَا وَتَطَلُّعٍ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ (ش) لَمَّا ذَكَرَ الْأُمُورَ الْمَمْنُوعَ مِنْهَا أَهْلُ الذِّمَّة وَلَيْسَتْ نَقْضًا لِعَهْدِهِ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْأُمُورِ الَّتِي يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِأَحَدِهَا وَذَكَرَ أَنَّهَا سَبْعَةٌ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ إذَا انْتَقَضَ عَهْدُ الذِّمِّيِّ يَصِيرُ كَالْحَرْبِيِّ الْأَصْلِيِّ فِي النَّظَرِ فِيهِ إذَا ظُفِرَ بِهِ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ الْمُخَيَّرِ فِيهَا فِي الْأَسْرِ الَّتِي أَحَدُهَا إبَاحَةُ اسْتِرْقَاقِهِ مِنْهَا قِتَالُ الذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِينَ لَا عَنْ ظُلْمٍ رَكِبَهُ لِمُنَافَاتِهِ الْأَمَانَ وَالتَّأْمِينَ فَيَسْقُطُ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْحِمَايَةِ وَالذَّبِّ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ عَنْ ظُلْمٍ رَكِبَهُ فَلَا يَكُونُ نَقْضًا لِعَهْدِهِ وَمِنْهَا أَنْ يَمْتَنِعَ الذِّمِّيُّ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ الَّتِي قُرِّرَتْ عَلَيْهِ عِوَضًا مِنْ حَقْنِ دَمِهِ فَيَسْقُطُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الْأَمَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالصُّلْحِ يَنْعَقِدُ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى شُرُوطٍ، فَإِنْ لَمْ يُوفُوا بِهَا انْتَقَضَ الصُّلْحُ وَمِنْهَا أَنْ يَتَمَرَّدَ الذِّمِّيُّ عَلَى أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يُظْهِرَ عَدَمَ الْمُبَالَاةِ بِهَا وَيَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِجَاهٍ أَوْ اسْتِمَالَةِ ذِي جَرَاءَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَخْشَاهُ الْحَاكِمُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ عَرْضِهِ فَيَسْقُطُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الْأَمَانِ عِنْدَهُمْ وَمِنْهَا إذَا غَصَبَ حُرَّةً مُسْلِمَةً عَلَى الزِّنَا أَيْ وَوَطِئَهَا بِالْفِعْلِ.
وَاحْتُرِزَ بِغَصْبِ الْحُرَّةِ مَا إذَا طَاوَعَتْهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ نَقْضًا لِعَهْدِهِ وَاحْتُرِزَ بِالْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ مِنْ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ فَإِنَّهُ إذَا زَنَى بِهَا طَوْعًا أَوْ كُرْهًا لَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِعَهْدِهِ مَا لَمْ يُعَاهِدْ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَتَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ فَيَنْتَقِضُ، وَكَذَلِكَ إذَا زَنَى بِالْحُرَّةِ الْكَافِرَةِ طَوْعًا أَوْ كُرْهًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ نَقْضًا لِعَهْدِهِ وَمِنْهَا إذَا غَرَّ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ وَقَالَ لَهَا إنَّهُ مُسْلِمٌ فَتَزَوَّجَتْ بِهِ وَوَطِئَهَا فَإِذَا هُوَ كَافِرٌ وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِمَّا إذَا عَلِمَتْ بِأَنَّهُ كَافِرٌ فَإِنَّ تَزْوِيجَهُ بِهَا لَا يَكُونُ نَقْضًا لِعَهْدِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَمِنْهَا أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ نَقْضًا لِعَهْدِهِ وَالْمُرَادُ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُطْلِعَ الْحَرْبِيِّينَ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ بِكُتُبٍ يَكْتُبُهَا لَهُمْ وَالْعَوْرَةُ الْمَوْضِعُ الْمُنْكَشِفُ الَّذِي لَا حَارِسَ عَلَيْهِ وَعَوْرَةُ الْعَدُوِّ مَا انْكَشَفَ لَهُ مِنْ حَالِهِ الَّذِي يَتَوَصَّلُ مِنْهُ إلَيْهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} [الأحزاب: ١٣] وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَوْرَةِ الْإِنْسَانِ الْمُنْكَشِفَةِ.
(ص) وَسَبِّ نَبِيٍّ بِمَا لَمْ يُكَفَّرْ بِهِ قَالُوا كَلَيْسَ بِنَبِيٍّ أَوْ لَمْ يُرْسَلْ أَوْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ أَوْ تَقَوَّلَهُ أَوْ عِيسَى خَلَقَ مُحَمَّدًا أَوْ مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ مَالَهُ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسَهُ حِينَ أَكَلَتْهُ الْكِلَابُ (ش) أَيْ وَمِمَّا يَكُونُ نَقْضًا لِعَهْدِ الذِّمِّيِّ سَبُّهُ لِمَنْ ثَبَتَتْ نُبُوَّتُهُ عِنْدَنَا بِلَفْظٍ لَمْ يَكْفُرْ السَّابُّ بِهِ كَقَوْلِهِ مَثَلًا مُحَمَّدٌ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ أَوْ لَمْ يُرْسَلْ أَوْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ أَوْ اخْتَلَقَ الْقُرْآنَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ أَوْ عِيسَى خَلَقَ مُحَمَّدًا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا كَفَرَ السَّابُّ بِهِ كَقَوْلِهِ لَمْ يُرْسَلْ إلَيْنَا إنَّمَا أُرْسِلَ إلَى الْعَرَبِ وَكَالشَّرِيكِ وَالْوَلَدِ وَنَحْوِهِمَا فَلَيْسَ نَقْضًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَقَرَّهُمْ عَلَى مِثْلِهِ وَلَكِنْ يُعَزَّرُ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ وَالْمُرَادُ بِمَا لَمْ يَكْفُرْ بِهِ مَا لَمْ يُقِرَّ عَلَيْهِ وَبِمَا كَفَرَ بِهِ مَا أَقْرَرْنَاهُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ كَلَيْسَ إلَخْ مِثَالٌ
ــ
[حاشية العدوي]
ذُلِّهِ لَا يُعَزَّرُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ وَكُسِرَتْ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تُكْسَرُ كَمَا يُفِيدُهُ مُحَشِّي تت وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ لَهَا حِسٌّ) أَيْ فِي وَقْتِ الضَّرْبِ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ تَشْيِيعُ جَنَائِزِهِمْ) أَيْ إكْرَامٌ وَتَعْظِيمٌ فَإِذَنْ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّهُ إكْرَامٌ.
(قَوْلُهُ وَتَطَلُّعٌ) الْأَوْلَى الِاطِّلَاعُ كَمَا يُفِيدُهُ حَلُّ الشَّارِحِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ التَّطَلُّعَ التَّتَبُّعُ وَشَأْنُهُ الِاطِّلَاعُ (قَوْلُهُ وَالتَّأْمِينُ) عَطْفُ مُرَادِفٍ (قَوْلُهُ وَالذَّبُّ) أَيْ الدَّفْعُ (قَوْلُهُ وَاسْتِمَالَةُ) السِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ أَيْ إمَالَةٌ أَيْ اسْتِنَادٌ لِذِي جَرَاءَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْجَاهِ (قَوْلُهُ يَخْشَاهُ الْحَاكِمُ) أَيْ الْقَاضِي وَخَشْيَةُ الْقُضَاةِ مِنْ أَصْحَابِ الْجَاهِ حَاصِلٌ فِي عُصُورِنَا هَذِهِ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا إذَا غَصَبَ حُرَّةً مُسْلِمَةً) وَلَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ يَرَوْنَهُ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحَلَةِ وَلَهَا الصَّدَاقُ مِنْ مَالِهِ وَوَلَدُهَا مِنْهُ عَلَى دِينِهَا أَيْ مُسْلِمٌ لَا أَبَ لَهُ وَكَذَا إذَا زَنَى بِهَا طَائِعَةً فَوَلَدُهَا عَلَى دِينِهَا وَقَوْلُهُمْ الْوَلَدُ تَابِعٌ لِأَبِيهِ فِي الدِّينِ وَالنَّسَبِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَنْسُوبِ لِأَبِيهِ (قَوْلُهُ الَّذِي لَا حَارِسَ) تَفْسِيرٌ لِلِانْكِشَافِ أَيْ انْكِشَافِهِ كَوْنِهِ لَا حَارِسَ لَهُ أَيْ وَيَخَافُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَعَوْرَةُ الْعَدُوِّ) أَيْ وَعَوْرَةُ الْمُسْلِمِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَدُوِّ مَا انْكَشَفَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ الَّذِي يَتَوَصَّلُ مِنْهُ أَيْ مِنْ أَجْلِهِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ تَقَوَّلَهُ) أَيْ اخْتَلَقَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَهُمَا فِي الْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَا لَفْظًا لَكِنَّهُ مِمَّا كَفَرُوا بِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ عِيسَى خَلَقَ مُحَمَّدًا قَالَ الْبِسَاطِيُّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِي التَّبَرِّي إذْ لَا شَكَّ فِي قَصْدِ التَّنْقِيصِ (قَوْلُهُ مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ نَصْرَانِيٍّ بِمِصْرَ شَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ مَالَهُ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسَهُ حِينَ أَكَلَتْهُ الْكِلَابُ لَوْ قَتَلُوهُ اسْتَرَاحَ النَّاسُ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ أَرَى أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ وَقَوْلُهُ فِي الْجَنَّةِ أَيْ أَمْرُهُ آيِلٌ إلَى الْجَنَّةِ وَقَوْلُهُ أَكَلَتْهُ الْكِلَابُ أَيْ أَكَلَتْ سَاقَهُ أَيْ قَصَبَةَ سَاقِهِ (قَوْلُهُ سَبُّهُ لِمَنْ ثَبَتَتْ نُبُوَّتُهُ عِنْدَنَا) سَوَاءٌ ثَبَتَتْ عِنْدَهُمْ أَوْ لَا فَإِذَا سَبَّ يَهُودِيٌّ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ نُقِضَ وَلَا يَنْفَعُهُ قَوْلُهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ عِنْدِي اُحْتُرِزَ عَمَّا اُخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ كَالْخَضِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute