تَخْصِيصُهُ الْمُصْحَفَ بِالْجَوَازِ مَنْعَ تَحْلِيَةِ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ كَذَلِكَ الْمِقْلَمَةُ وَالدَّوَاةُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَحْوُهُ فِي الطِّرَازِ وَيَجُوزُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ فِي الْحَرِيرِ وَتَحْلِيَتُهُ بِهِ وَيَمْتَنِعُ كِتَابَةُ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ فِيهِ وَيَمْتَنِعُ أَيْضًا تَحْلِيَةُ الْإِجَازَةِ خِلَافًا لِلْبَرْزَلِيِّ وَشُيُوخِهِ فِي اسْتِحْسَانِهِمْ جَوَازَهُ.
(ص) وَالسَّيْفُ وَالْأَنْفُ وَرَبْطُ سِنٍّ مُطْلَقًا (ش) أَيْ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ سَوَاءٌ اتَّصَلَتْ الْحِلْيَةُ كَقَبْضَتِهِ أَوْ انْفَصَلَتْ كَغِمْدِهِ لِوُرُودِ السُّنَّةِ بِالْجَوَازِ لَا؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ آلَاتِ الْحَرْبِ وَمَحَلُّ الْجَوَازِ فِي غَيْرِ سَيْفِ الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا هُوَ فَيَحْرُمُ تَحْلِيَتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكْحُلَةِ وَنَحْوِهَا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ تُقَاتِلُ وَكَذَا يَجُوزُ اتِّخَاذُ الْأَنْفِ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ لِئَلَّا يُنْتِنَ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّدَاوِي وَكَذَلِكَ يَجُوزُ رَبْطُ سِنٍّ تَتَلَخْلَخُ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَكَذَا مَا يَسُدُّ بِهِ مَحَلَّ سِنٍّ سَقَطَتْ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَهُ اتِّخَاذُ الْأَنْفِ وَرَبْطُ السِّنِّ مَعًا وَالْمُرَادُ بِالسِّنِّ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ وَمَعْنَى قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ مُطْلَقًا أَيْ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِلْفُرُوعِ الْأَرْبَعَةِ وَأَشْعَرَ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْأَنْفِ وَالسِّنِّ بِالْمَنْعِ فِي غَيْرِهِمَا وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ الْأُنْمُلَةَ أَيْضًا دُونَ الْأُصْبُعِ وَقَاسُوهَا هِيَ وَالسِّنَّ عَلَى الْأَنْفِ.
(ص) وَخَاتَمُ الْفِضَّةِ (ش) أَيْ وَيَجُوزُ اتِّخَاذُ خَاتَمٍ مِنْ الْفِضَّةِ بَلْ يُسْتَحَبُّ كَمَا يُسْتَحَبُّ بِالْيُسْرَى لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَعْسَرِ وَغَيْرِهِ وَقُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ وَلَا بَأْسَ بِجَعْلِهِ فِي يَمِينِهِ لِحَاجَةٍ يَتَذَكَّرُهَا أَوْ يَرْبِطُ خَيْطًا فِي أُصْبُعِهِ وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ جَعْلُهُ فِي الْخِنْصَرِ وَلَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ الْخَاتَمِ وَلَوْ كَانَ وَزْنُ جَمِيعِ الْمُتَعَدِّدِ دِرْهَمَيْنِ كَمَا فِي شَرْحِ هـ.
(فَرْعٌ) وَيَجُوزُ نَقْشُ الْخَوَاتِمِ وَنَقْشُ أَسْمَاءِ أَصْحَابِهَا وَأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ «وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فِي ثَلَاثَةِ أَسْطُرٍ مُحَمَّدٌ سَطْرٌ أَعْلَى وَرَسُولُ سَطْرٌ أَوْسَطُ وَاَللَّهُ سَطْرٌ أَسْفَلُ» وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ خَاتَمُ الْفِضَّةِ يَصْدُقُ عَلَى الْخَالِصِ مِنْهَا وَالْمُخْتَلِطِ بِغَيْرِهَا أَخْرَجَ مُخَالِطًا مَخْصُوصًا بِقَوْلِهِ.
(ص) لَا مَا بَعْضُهُ ذَهَبٌ (ش) أَيْ لَا يَجُوزُ لُبْسُ خَاتَمٍ بَعْضُهُ ذَهَبٌ (وَلَوْ قَلَّ) وَاعْتَمَدَ الْمُؤَلِّفُ فِي هَذَا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَوْ صَرِيحِهِ وَرَدَّ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى الْقَائِلِ بِالْكَرَاهَةِ وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ غَيْرَهَا وَاعْتَمَدَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
أَيْ أَعْشَارَ الْأَحْزَابِ وَأَخْمَاسَهَا (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْمِقْلَمَةُ) فِي الْبُرْزُلِيِّ يَجُوزُ تَحْلِيَةُ الدَّوَاةِ إنْ كُتِبَ بِهَا قُرْآنٌ (قَوْلُهُ وَيَمْتَنِعُ كِتَابَةُ الْعَلَمِ إلَخْ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ وَيُتَّفَقُ عَلَى جَوَازِهِ لِلنِّسَاءِ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى افْتِرَاشِهِ فَيَكُونُ الْمَشْهُورُ مَنْعَهُ لِلرِّجَالِ وَجَوَازَهُ لِلنِّسَاءِ (قَوْلُهُ وَيَمْتَنِعُ أَيْضًا تَحْلِيَةُ الْإِجَازَةِ) أَيْ وَلَوْ بِالْحَرِيرِ فِيمَا يَظْهَرُ.
(قَوْلُهُ وَالسَّيْفُ) قَرَّرَ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ لِلْجِهَادِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ لِحَمْلِهِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ وَالْأَنْفُ إلَخْ) الِاسْتِثْنَاءُ بِاعْتِبَارِهِمَا مُتَّصِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُحَلَّى مَا فِيهِ الْحِلْيَةُ وَالْحِلْيَةُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْأَنْفُ وَالسِّنُّ فِيهِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ (قَوْلُهُ وَرَبْطُ سِنٍّ) أَيْ ذَا رَبْطِ سِنٍّ أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُحَلَّى ذَا رَبْطِ سِنٍّ، وَهُوَ مَا يُرْبَطُ بِهِ (قَوْلُهُ وَرَبْطُ سِنٍّ) وَكَذَا يَجُوزُ رَدُّهَا بَعْدَ سُقُوطِهَا؛ لِأَنَّ مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ طَاهِرَةٌ وَكَذَا سِنُّ مُذَكَّى بَدَلُهَا وَإِلَّا فَخِلَافٌ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يُنْتِنَ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَتَعِبَ وَكَرُمَ (قَوْلُهُ وَقَاسُوهَا هِيَ وَالسِّنَّ عَلَى الْأَنْفِ) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَارِدٌ فِي الْأَنْفِ.
(قَوْلُهُ وَخَاتَمُ الْفِضَّةِ) إنْ لَبِسَهُ لِلسُّنَّةِ لَا لِمُبَاهَاةٍ وَنَحْوِهَا وَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمَيْنِ وَإِلَّا حَرُمَ (قَوْلُهُ كَمَا يُسْتَحَبُّ بِالْيُسْرَى) لِأَنَّهُ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ لُبْسَهُ بِالْيُسْرَى أَبْعَدُ لِقَصْدِ التَّزَيُّنِ (قَوْلُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَعْسَرِ وَغَيْرِهِ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِسُؤَالٍ وَرَدَ فِي الْجَامِعِ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فَفِيهَا وَمِنْهَا أَنَّك سَأَلْت عَنْ وَجْهِ كَرَاهَةِ مَالِكٍ التَّخَتُّمَ فِي الْيُمْنَى مَعَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي أُمُورِهِ كُلِّهَا» وَهَلْ يُسَامَحُ الْأَعْسَرُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا وَهَلْ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ فَرْقٌ فَأَجَابَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ اسْتِحْبَابِ التَّخَتُّمِ فِي الْيَسَارِ هُوَ الصَّوَابُ أَيْ وَفِي الْيَمِينِ مَكْرُوهٌ وَفِي الْحَطَّابِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ وَزْنَهُ دِرْهَمَانِ فِضَّةٌ وَفَصُّهُ مِنْهُ وَجَعَلَهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ اهـ.
وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْته حُجَّةٌ لَهُ لَا عَلَيْهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ بِالْيَمِينِ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَهُوَ إذَا أَرَادَ التَّخَتُّمَ تَنَاوَلَ الْخَاتَمَ بِيَمِينِهِ فَجَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَطْبَعَ بِهِ عَلَى مَالٍ أَوْ كِتَابٍ أَوْ شَيْءٍ تَنَاوَلَهُ بِيَمِينِهِ مِنْ شِمَالِهِ فَطَبَعَ بِهِ، ثُمَّ رَدَّهُ فِي شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَعْسَرِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ الْقُرَشِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِجَعْلِهِ فِي يَمِينِهِ لِلْحَاجَةِ إلَخْ) أَيْ يَكُونُ الْبَاعِثُ لَهُ عَلَى جَعْلِهِ فِي الْيَمِينِ تَذَكُّرَ الْحَاجَةِ وَهَلْ يَفُوتُ اسْتِحْبَابُ الْجَعْلِ فِي الْيَسَارِ أَوْ يَحْصُلُ وَالظَّاهِرُ الْحُصُولُ (قَوْلُهُ أَوْ يَرْبِطُ خَيْطًا) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ خَارِجَةٌ مُنَاسِبَةٌ لِلْمَقَامِ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ إلَخْ) قَالَ الْبَدْرُ وَيُكْرَهُ فِي السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى لِحَدِيثِ «عَلِيٍّ نَهَانِي أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي هَذِهِ وَهَذِهِ وَأَوْمَأَ إلَى السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى» اهـ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ الْبَدْرُ وَفِي بَعْضِ التَّقَايِيدِ اُنْظُرْ مَا وَجْهُ اسْتِحْبَابِ كَوْنِهِ فِي خِنْصَرِ الْيُسْرَى اهـ، ثُمَّ رَأَيْت فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ وَلَا يَلْبَسُهُ فِي الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الرَّوَافِضَ اهـ.
وَانْظُرْ هَلْ يُقَالُ كَذَلِكَ فِي لُبْسِهِ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ.
(فَائِدَةٌ) تَرَدَّدَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فِي قَوْلِهِ لَا مَا بَعْضُهُ ذَهَبٌ وَلَوْ قَلَّ هَلْ يَشْمَلُ الْخَاتَمَ الْمَطْلِيَّ بِالذَّهَبِ أَوْ يَجْرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ فِي الْمُغَشَّى وَارْتَضَى غَيْرُهُ الشُّمُولَ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُغَشَّى بِالنِّسْبَةِ إلَى الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ بِأَنَّ اجْتِمَاعَ النَّقْدَيْنِ أَشَدُّ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَلَا كَذَلِكَ نَقْدٌ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَنَقْشُ أَسْمَائِهَا إلَخْ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ.
(قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَ الْمُؤَلِّفُ فِي هَذَا) أَيْ فِي قَوْلِهِ إلَّا مَا بَعْضُهُ ذَهَبٌ أَيْ مِنْ الْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ غَيْرَهَا) أَيْ غَيْرَ الْكَرَاهَةِ فِي الْيَسِيرِ وَقَوْلُهُ وَاعْتَمَدَهُ (هـ) فِي شَرْحِهِ أَيْ اعْتَمَدَ الْكَرَاهَةَ أَيْ لَا يُقَيِّدُ كَوْنَ مَحَلِّهَا وَلَوْ قَلَّ بَلْ يُقَيِّدُ كَوْنَ مَحَلِّهَا قَوْلُهُ لَا مَا بَعْضُهُ ذَهَبٌ