ولأن القيمة يصار إليها عند فوات العين، وعندهم: أن اللبن لو كان قائمًا بعينه، فأراد المشتري رده، لم يجبر البائع على قبوله، وكان له أن يطالبه بصاع تمر.
ولأنه يجوز أن يكون ثمن الشاة في الأصل صاع تمر، فإذا ردها، ورد معها صاعًا من تمر، حصل للبائع الشاة ومقدار ثمنها، ويجوز أن يكون ثمنها أقل من صاع، فتحصل له الشاة وأكثر من ثمنها.
قيل له: الخبر إذا كان مخالفًا للأصول كان أصلاً بنفسه، وثبت كثبوت سائر الأصول، ووجب المصير إلى موجبه، كما يجب المصير إلى غيره، فلئن وجب رده لمخالفة الأصول، وجب رد الأصول لمخالفته.
ولا يمتنع أن تكون الأصول مختلفة، ولهذا عمل أبو حنيفة بخبر نبيذ التمر في الوضوء، وخبر القهقهة، وخبر الأكل ناسيًا مع اعترافه أنه مخالف للأصول المرتبة في الشريعة، كذلك هاهنا.
وعلى أن ليس فيما ذكروه مخالفة للأصول.
فأما قولهم:(إن من أتلف شيئًا له مثل، وجب رد مثله، واللبن له مثل)، فلا يصح؛ لأنه إنما يجب رد مثله إذا كان معلومًا، واللبن هاهنا مجهول المقدار؛ لأنه في الضرع، وقد اختلط بما حدث بعد العقد للمشتري، ولا سبيل له إلى الوقوف على قدره، [و] في إيجاب عوضه من جنسه ما يؤدي إلى الربا؛ لأن الصاع منه يجوز أن يزيد عليه، ويجوز أن ينقص عنه، فيكون ربًا، فأوجب من جنس التمر؛ لئلا يؤدي إلى الربا.