للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ظهور الرسول، ولم تر الأمم التي اعتنقت الإسلام شيئاً جديداً فيه، وعند لوبون: «أن حب الشرقيين الجم لكثرة الأولاد وميلهم الشديد إلى حياة الأسرة، وخلق الإنصاف الذي يردعهم عن ترك المرأة غير الشرعية بعد أن يكرهوها خلافاً لما يقع في أوربة، وغير ذلك من الأسباب الكثيرة، كلها أمور تحفز الشرائع إلى تأييد العادات التي هي وليدة الطبائع، وإذا نظرنا إلى أن القوانين لا تلبث أن تطابق العادات كان لنا أن نقول: إن تعدد الزوجات غير الشرعي في أوربة لا يلبث أن تؤيده القوانين»، ولم ير لوبون سبباً لجعل مبدأ تعدد الزوجات الشرعي عند الشرقيين أدنى مرتبةً من مبدأ تعدد الزوجات السري الخبيث الذي يؤدي إلى زيادة اللُّقطاء في أوربة.

وإنما عزا لوبون سقوط الدولة العربية وانحطاط العرب إلى صفات العرب الحربية المتأصلة التي كانت نافعةً في دور فتوحهم، فالعرب بعد أن تمت فتوحهم أخذ ميلهم إلى الانقسام يبدو، وصارت دولتهم تتجزأ، وقوضوا كيانهم بسلاحهم أكثر مما قوض بسلاح الأمم الأخرى، وعزا لوبون انحطاط العرب، أيضاً، إلى ما حدث من قبض أناس من ذوي العقول المتوسطة على زمام دولتهم الواسعة بعد أن كان يدير شؤونها رجالٌ من العباقرة، وإلى ما ألفه العرب من الترف، وما أصابهم من فتورٍ في الحماسة لمثلهم الأعلى، وإلى تنافس مختلف الشعوب التي خضعت لسلطانهم، وإلى فساد الدم العربي الذي نشأ عن توالد العرب وتلك الشعوب.

وعلى ما في هذه الأسباب من الصحة لا نعتقد أن لوبون أصاب حين ظن أن من أصول الإسلام النظام الأساسي القائل بجمع جميع السلطات في يد سيد مطلق، وحين عزا انحطاط العرب إلى هذا النظام الذي حمل به الناس كما ادعى، على التمسك بأحكام الماضي الإسلامية غير المطابقة لاحتياجاتهم المتحولة، فبعد أن أوضح لوبون أن نظام العرب ديموقراطيٌ، وأن مبدأ المساواة التامة ساد الجميع بفضله، وأن الفقهاء ساروا على مبدأ «لا ينكر تغُّير الأحكام يتغير الأمكنة والأزمان»، وأن المسلمين في عصر خلفاء بغداد وقرطبة الزاهر كانوا يعلمون، بما يأتون من ضروب الاجتهاد، كيف يوفقون بين هذه الأحكام واحتياجات الأمم التي انتحلتها، كان من الخطأ ذهابه إلى أن نظام الحكم المطلق هو من أصول الإسلام، جاء في القرآن: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ... {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} ... {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} ... إلخ، وقال الرسول الأعظم: «الدين النصيحة لله ولكتابه، ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» ... و «إن الله يرضى لكم

<<  <   >  >>