ولذلك لم يكد القرن الأول من الهجرة ينقضي حتى كانت راية النبي العربي تخفق فوق البلاد الواقعة بين الهند والمحيط الأطلنطي، وبين القفقاس والخليج الفارسي وفوق إسبانية.
٤
وبحث العلامة لوبون في القرآن وأصول الإسلام، وفيما يسنده بعض كتاب أوربة إلى الإسلام من عوامل الانحطاط، كعقيدة القضاء والقدر (الجبرية) وأحوال المرأة، ومبدأ تعدد الزوجات.
رأى لوبون أنه ليس في القرآن من الجبرية ما ليس في الأديان الأخرى، وأن فريقاً من فلاسفة الوقت الحاضر وعلمائه يقول: إن مجرى الحوادث تابعٌ لسنة لا تتبدل، وأن الجبرية الإسلامية نوعٌ من التسليم الهادئ الذي يعلم به الإنسان كيف يخضع لحكم القدر من غير تبرم وملاومة، «وتسليم مثل هذا وليد مزاجٍ أكثر منه عقدة، والعرب كانوا جبريين بمزاجهم قبل ظهور محمد، فلم يكن لجبريتهم تأثير في ارتقائهم، كما أنها لم تؤد إلى انحطاطهم».
ولما تناول لوبون حال المرأة في الإسلام بين أن الرجال كانوا، قبل ظهور الرسول، يعدون منزلة النساء متوسطةً بين الأنعام والإنسان، وأنهم كانوا يرونها أداة للاستيلاد والخدمة، وأن عادة الوأد كانت شائعةً بين عرب الجاهلية، ثم جاء الإسلام وحسن حال المرأة، وكان أول دينٍ رفع شأنها، ومنحها حقوقاً إرثيه لا تجد مثلها في القوانين الأوربية، وأمر بمعاملتها بأحسن مما في تلك القوانين، وبين لوبون، أيضاً، أن نقصان شأن المرأة حدث خلافاً للإسلام، لا بسبب الإسلام، وأن الإسلام، الذي كان أول دين رفع شأن المرأة بريء من خفضه، وأنه اتفق للنساء أيام حضارة العرب ما اتفق لأخواتهن حديثاً في أوربة من التقدم، ثم التمس لوبون العذر للشرقيين في مراقبة المرأة، فقال:«إن الشرقيين، إذ كانوا مطلعين بغرائزهم على سرائر الأمور، وكانوا يرون من طبيعة المرأة أن تكون غادرة غير وفية، كما أن الطيران من طبيعة الطير، وكانوا حريصين على صفاء نسلهم، اتخذوا ما يروقهم من وسائل الحذر منعاً لحدوث ما يخشون».
وأنحى لوبون باللائمة على مؤرخي أوربة الذين قالوا: إن مبدأ تعدد الزوجات هو ركن الإسلام، وإنه علة انحطاط الشرقيين، فمبدأ تعدد الزوجات، كما أوضح لوبون، لم يكن خاصاً بالإسلام، فقد عرفه اليهود والفرس والعرب وغيرهم من أهم الشرق قبل