وكان دور تحول مباني الهند بعد الإسلام طويلاً، وتأخر زمن ظهور المباني التي كان للعبقرية العربية أثر فيها، ويرجع سبب هذا إلى أن دعاة شريعة الرسول لم يكونوا من العرب، بل من الترك والمغول المشابهين للبرابرة الذين استولوا على العالم الروماني، والذين لم يهضموا حضارة المغلوبين إلا بعد انقضاء زمن طويل.
حقاً إنهم لم يهضموها إلا بعد زمن طويل، وبهذا البطء يبدو لنا الفرق الأساسي بين الأمم التي تكون على جانب كبير من الذكاء فتتطور بسرعة، كالأمة العربية، والأمم المنحطة التي تتطور ببطء كبرابرة القرون الوسطى الذين قضوا على دولة الرومان، وكأجلاف الآسيويين الذين غمر طوفانهم دولة محمد.
ولقد أبدع العرب من فورهم تقريباً، حضارة جديدة أفضل من الحضارات التي جاءت قبلها، وذلك بعد أن استعانوا بحضارة اليونان وحضارة الرومان وحضارة الفرس، وكانت عقول البرابرة عاجزةً عن إدراك كنه الحضارة التي قهروا أهلها، وكان انتفاعهم بها ممسوخاً في بدء الأمر، وهم لم يسيروا بها نحو الرقي إلا بعد أن قلت أدمغتهم، وصارت قادرةً على إدراك معانيها بعد زمن طويل.
والواقع أن تقدم أولئك البرابرة الذين هدموا الدولة الرومانية لم يحدث إلا بتوالي الأجيال، وأنهم، لبطء تقدمهم، لم يستطيعوا إقامة حضارة جديدة على أنقاض حضارة العالم السابق إلا بعد جهود استمرت قروناً كثيرة.
ودام سلطان أصحاب غزنة حتى سنة ١١٨٦ م وحل الغوريون، الذين هم من التركمان، محلهم، ونذكر من ملوكهم المشهورين قطب الدين الذي توفي سنة ١٢١٠ م، والذي أقام في بلاد الهند مباني ذات قيمة كما سيأتي بيان ذلك.
وأصبحت مدينة دهلي، في سنة ١٢٥٠ م، ملجأ لرجال العلم والفن من الغرباء، وصارت تحدب عليهم حدب بغداد فيما مضى، ثم أتى المغول، وصاروا يغزون الدولة الجديدة، ونازلهم علاء الدين تحت أسوار دهلي في سنة ١٢٩٧ م فوجد أمامه خمسمائة ألف رجل، على ما يروى، فدحرهم.
وفتح تيمور لنك مدينة دهلي عنوة في سنة ١٣٧٨ م، ولم يكن أمره غير عابر سبيل فقد نشأ عن الفوضى التي أسفرت عنها فتوحه قيام دولة مستقلة مؤقتة هنا وهنالك، ولما حلت سنة ١٥١٧ م استولى ملك كابل، الذي هو من ذرية تيمورلنك، على مدينة دهلي، وأسس دولة المغول الكبرى التي كتب لها البقاء مدة ثلاثة قرون، ثم قضى عليها الإنكليز.
والآن ندرس على طريقتنا أهم ما في الهند من المباني العربية أو المباني التي كان للفن العربي أثر واضح فيها، فما نقش على الحجارة أفصح مما جاء في الكتب.