وهنا أذكر أن الكتاب «حضارة العرب» الذي أقم ترجمته مطالب ومناحي كثيرةً لا تتسع هذه المقدمة للإحاطة بها، وأن أقل نظرة إلى الفهرس المفصل الذي نشر في آخر هذا الكتاب يدل عليها.
فمن درس كتاب «حضارة العرب» وإنعام النظر فيه يتبين للقارئ أن العلامة غوستاف لوبون سلك في تأليفه طريقاً جديداً لم يسبقه إليه أحد، وأنه حاول فيه بعث حضارة العرب من مرقدها، وإظهارها للملأ على وجهها الصحيح.
ولم يألُ العلامة لوبون جهداً في درس حضارة العرب مستنداً إلى أهم المؤلفات التاريخية، وإلى مشاهداته الشخصية، فجاء كتابه جامعاً لكثيرٍ مما في تاريخ حضارة العرب من العظات والعبر، وقد أكثر بعض كتابنا من الاستشهاد بجملٍ منه عند بحثهم في تاريخ الحضارة فصار من الضروري نقله بأسره إلى اللغة العربية.
وهذا الكتاب صحيح المناحي والغايات في مجموعه، وهو كغيره من الكتب المهمة، لا يخلو من هفواتٍ لا تخفى على القارئ، ولكن هذه الهفوات لا تحط من قيمته العظيمة، وقد أشرت إلى أهمها في هذه المقدمة.
وبحث العلامة غوستاف لوبون في طبائع العرب وعاداتهم ونظمهم في مختلف الأقطار كما كانت عليه في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، فعلى القارئ أن يلاحظ ذلك، وأن يعلم أن هذا الكتاب ظهر في سنة ١٨٨٤ م، وأن طبائع العرب وعاداتهم تحولت بعض التحول منذ ذلك التاريخ بفعل مبتكرات العلوم والفنون والصناعة، وبفعل علاقات أمم الشرق الوثيقة بأمم الغرب في الزمن الحاضر.
ألا إن الأمة العربية التي هي عرضةٌ لأشد المصائب والمحن، والتي نرى أن القضاء على كيانها القومي، ومقومات حضارتها عن سياسة أكبر دول التاريخ في المشرق والمغرب منذ قرون كثيرة، لا تزال تقاوم، وها هي ذي قد أخذت تنهض وتسعى؛ لتحتل مكاناً لائقاً بتاريخها المجيد، فإذا كان التوفيق قد أصابني في تقل هذا الكتاب، وكان للأمة العربية نفع فيه، نلت ما أتمني