ولم يتبدل أهل شمال إفريقية مع كثرة فتوح الأجانب لها، وهؤلاء الأهلون هم البربر الذين حافظوا على دينهم ولغتهم وعاداتهم خارج المدن على الأقل.
وينطوي تاريخ استقرار العرب بإفريقية على النزاع الذي دام طويلاً بينهم وبين البربر، وكان للبربر من الشأن في إفريقية والأندلس ما يجب درسه؛ لفهم ذلك التاريخ، وتزيد ضرورة ذلك الدرس كلما أمعن العلماء في الغلط حين يتكلمون عن البربر بسبب بلاد الجزائر.
وجميع أمم إفريقية الشمالية التي سماها الرومان بالنوميديين واللوبيين والإفريقيين والمغاربة والجيتول ... إلخ، من عرق البربر، ويمكن القول بأن من لم يكن زنجياً في شمال إفريقية كان بربرياً، وذلك قبل العرب.
ولا يقل جهلنا للأصل البربري عن جهلنا لأصول أكثر العروق.
بيد أن ما نراه في شواطئ إفريقية العليا من البيض بين الزنوج يدلنا على أن البربر نتيجة اختلاط مختلف الشعوب التي هاجرت إلى شمال إفريقية في أقدم القرون، وقد قلنا «أقدم القرون» إما ليس لدينا من الروايات والتاريخ ما دون ذلك، وقد قلنا «مختلف الشعوب» لما نشاهد بين سود الشعور من زرق العيون شقر الشعور.
ويمكننا أن نأتي بافتراضات معقولة عن الأمكنة التي صدرت عنها تلك الهجرة فنقول: إن أولئك المهاجرين لم يأتوا من الجنوب الذي لا يرى فيه غير الزنوج، ولا من الشمال الذي لم يكن إلا بحراً خضماً لم يفكر الأقدمون في عبوره، وإنما جاء أولئك المهاجرون من الشرق، أي من آسية، مارين من الأرض الضيقة التي تصلها بإفريقية، أو جاءوا من الغرب، أي من مضيق جبل طارق.
والحق أن المهاجرين السود الشعور أتوا من شواطئ الفرات ومن شمال جزيرة العرب، أو من مكان أبعد منها على ما يحتمل، وأن المهاجرين الشقر الشعور الزرق العيون أتوا من شمال أوربة، ولا ريب في مجيء هؤلاء من شمال أوربة مارين، على الأرجح، من أقصى طرف غربي بإفريقية، وذلك بدليل ما بين آثارهم الحجرية في إفريقية وما بين الآثار الحجرية التي اكتشفت في شمال أوربة من المطابقة التي لا ترى مثلها عند مقايسة تلك الآثار بأثار الوندال الذين أوغلوا في إفريقية بعد الميلاد بزمن طويل.
وهنالك بعض الأدلة على هجرة شقر الشعور إلى إفريقية، ففي مصر من المباني التي أقيمت منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، أو خمسة عشر قرناً، قبل الميلاد ما رسمت عليه صور إفريقيين شقر الشعور زرق العيون، وأخبر الجغرافي سلاكس في رحلته التي