للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتجلى غدر البربر منذ أوائل الفتح العربي، فلما سأل الخليفة في دمشق فاتح إسبانية موسى بن نصير عن البربر، أجابه بقوله: «هم أشبه العجم بالعرب لقاءً ونجدة وصبراً وفروسية، غير أنهم أغدر الناس، ولا وفاء لهم ولا عهد.»

واشتهر البربر قبل الفتح العربي بطويل زمن بأنهم ممن لا يوثق بكلامهم، وقد كان عددهم كبيراً في جيوش قرطاجة، فأوجبوا اشتهار الحروب اليونانية بسوء السمعة لا ريب.

ولم يكن تقسيم البربر إلى أهل بدو وأهل حضر أقل أهمية من تقسيم العرب إلى مثل هذا كما يرى، وإلى هذا انتبه ابن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي فقال: «هذا الجيل من الآدميين هم سكان المغرب القديم ملأوا البسائط والجبال من تلوله وأريافه وضواحيه وأمصاره، ويتخذون البيوت من الحجارة والطين ومن الخوص والشجر ومن الشعر والوبر، ويظعن أهل العر منهم والغلبة لاتتجاع المراعي فيما قرب من الرحلة لا يجاوزون فيها الريف إلى الصحراء والقفار الملس، ومكاسبهم الشاء والبقر، والخيل في الغالب للركوب والنتاح، وربما كانت الإبل من مكاسب أهل النجعة منهم، شأن العرب، ومعاش المستضعفين منهم بالفلح ودواجن السائمة، ومعاش المعتزين أهل الانتجاع والإظعان في نتاج الإبل وظلال الرماح وقطع السابلة.»

وظهر مما تقدم خطأ كثير من المؤلفين المعاصرين الذين رأوا أن يفرقوا بين العرب والبربر، فزعموا أن البربر أهل حضر وزراعة وأن العرب أهل بدو، وانتهوا إلى قولهم: إن البربر أهل للتمدن، وإن العرب غير أهل له؛ وذلك عندما تكلموا عن سكان بلاد الجزائر.

ولكن نتيجة مثل هذه تقوم على أساس باطل، وذلك أن العرب والبربر أهل حضر وأهل بدو على سواء، وأن هذين الطرازين يصدران عن البيئة التي يكونون فيها بالحقيقة، فترى العربي حضرياً دائماً في البقاع الخصيبة من جزيرة العرب ومصر والجزائر، وتراه بدوياً، وبدوياً دائماً، في الصحاري الرملية من تلك الأقطار.

ومن يسكن الصحراء الكبرى من عرب أو بربر أو من أية أمة أخرى لا يكون إلا بدوياً، ومن ذلك أنك تبصر الطوارق الذين هم بربر تخلص من النوميديين عريقين في البداوة، فيقوم معاشهم على الحرب والسلب والنهب خاصة، كأعراب جزيرة العرب، وأنك تبصير البربر من سكان الجبال، التي تتعذر معيشة أهل البدو فيها، يبنون البيوت ويزاولون أمور الزراعة.

وذلك هو شأن البربر قبل فتح العرب لإفريقية وبعده، ويتعذر حمل بدوييهم، الذين تأصلت فيهم البداوة بفعل القرون حتى صارت فيهم طبيعة ثانية، على الحضارة

<<  <   >  >>