وظن رئيس الأساقفة الإسباني أكزيمينيس أنه، بإحراقه مؤخراً ما قدر على جمعه من مخطوطات أعداء دينه العرب (أي ثمانين ألف كتاب)، محا ذكرهم من صفحات التاريخ إلى الأبد، وما درى أن ما تركه العرب من الآثار التي تملأ بلاد إسبانية، خلا مؤلفاتهم، يكفي لتخليد اسمهم إلى الأبد.
وكانت عاصمة الخلافة، قرطبة، داراً للعلوم والفنون والصناعة والتجارة، وتستطيع أن تقابلها بعواصم دول أوربة العظمي الحديثة، وهي على خلاف قرطبة الحاضرة التي أضحت مقراً للأموات، ومن المؤلم أن كنت أسير عدة ساعات في هذه المدينة الواسعة، التي كان يقم بها مليون شخص، قبل أن أصادف ماراً نشيطاً ...
شكل ٦ - ٩: داخل ردهة في منصر بإشبيلية (من صورة فوتوغرافية).
أجل، كان من النصر العظيم أن أحل النصارى الصليب محل الهلال في قرطبة، ولكن الهلال كان يهيمن على أغنى مدن العالم وأجملها وأكثرها أهلاً، فيشرف الصليب اليوم على بقايا تلك الحضارة القويمة التي قوضها عباده من غير أن يقيموا حضارة أخرى مقامها.
وكان نظام الحكم العربي في إسبانية مشابهاً لنظام الحكم الذي تكلمنا عنه في فصل «العرب في بغداد» أي كان الخليفة، وهو وكيل الله في الأرض، حاكماً مطلقاً جامعاً