للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لجميع السلطات المدنية والدينية والحربية مع اختياره مجلساً لإسداء النصح إليه في جميع أمور الدولة.

وكان يقوم بحكم الولايات ولاة ينصبهم الخليفة جامعون لمثل سلطاته كلها.

وكان قانون الدولة المدني يستند في نصوصه إلى القرآن وتفسير القرآن، كما نوضح ذلك في فصل آخر؛ فيتخذ القضاة القرآن دستوراً في أحكامهم، وكانت المحاكم على درجتين؛ فتقوم محاكم الدرجة الثانية (الاستئناف) بإصلاح ما تصدره محاكم الدرجة الأولى من الأحكام.

وكان الخليفة، كملوك ذلك العصر، غير ذي جيش دائم، وكانت الكتيبة الوحيدة المسلحة على الدوام مؤلفة من حرس ولي الأمر الشخصي الذي يبلغ عدده عشرة رجال أو اثني عشر رجلاً، وإن كان يستطيع أن يجند كل شخص قادر على حمل السلاح من أبناء الدولة.

وكانت البحرية قوية جداً، وكانت تتم بفضلها صلات العرب التجارية بجميع مرافئ أوربية وآسية وإفريقية، وظل العرب وحدهم سادة البحر المتوسط زمناً طويلاً.

وكان دخل بيت المال يقوم على الضرائب والمناجم، كما في بغداد، وكانت مناجم الفضة والذهب والزئبق غنية في ذلك الزمن، وكانت الضرائب تتألف من العشر العيني لمحاصيل أراضي المسلمين، ومن الجزية التي يعطيها النصارى واليهود، ومن الجمارك والمكوس، فبلغ دخل دولة الخلافة في إسبانية ثلاثمائة مليون في إبان عظمتها، أي في عهد الحكم الثاني.

وقلنا: إن الإمامة الثقافية كانت للعرب في البلاد، وأما العوام فكانوا من البربر، ومن سكان البلاد القدماء على الخصوص، وكان باب المناصب مفتوحاً للنصارى، وكان النصارى يستخدمون في الجيش غالباً، ولم يكن توالد المسلمين والنصارى غير قليل، وكانت أم الخليفة عبد الرحمن الثالث نصرانية.

واستطاع العرب أن يحولوا إسبانية مادياً وثقافيا في بضعة قرون، وأن يجعلوها على رأس جميع الممالك الأوربية، ولم يقتصر تحويل العرب الإسبانية على هذين الأمرين؛ بل أثروا في أخلاق الناس أيضاً، فهم الذين علموا الشعوب النصرانية، وإن شئت فقل حاولوا أن يعلموها، التسامح الذي هو أثمن صفات الإنسان، وبلغ حلم عرب إسبانية نحو الأهلين المغلوبين مبلغاً كانوا يسمحون به لأساقفهم أن يعقدوا مؤتمراتهم الدينية، كمؤتمر إشبيلية النصراني، الذي عقد في سنة ٧٨٢ م ومؤتمر قرطبة النصراني الذي عقد

<<  <   >  >>