وكان يحف بصاحب تلك العجائب جمع من المتفننين والعلماء والأدباء الذين كانوا أعلام ذلك العصر، وكان لذلك الصاحب أن يعد الملوك الآخرين من الحاسدين له، وكان له أن يكتب على باب قصره كما صنع ذلك الملك الهندي الذي حكت عنه القصة:«إن كان في الأرض فردوس فهو هذا! »
واشتهر أهم أقسام قصر الحمراء بفضل الفوتوغرافية والرسم، فذاع صيت قاعة الأسود وغرفة الأختين وحجرة بني سراج وردهة العدل، والقارئ الذي ينعم النظر في الصور التي نشرناها عن تلك الأقسام في هذا الكتاب يرى أنها ليست دون شهرتها، وانتهت الشهرة إلى قاعة الأسود على الخصوص، قال جيژول دوبرانجه:«يعجز الإنسان عن بيان ما يشعر به حين يمر من قاعة البركة، ويدخل قاعة الأسود فيرى فيها الأروقة التي تزينها الأقواس المنوعة المزخرفة بالنقوش المزهرة والزخارف المتدلية والتخاريم التي كانت ذهبية ملونة، وتقع عينه على غابة من الأعمدة الهيف التي وضع بعضها منفرداً وبعضها مزدوجاً وبعضها مجتمعاً على شكل بديع، فيبصر من خلالها التماع مياه فسقية الأسود المتدفقة.»
وتقول القصة: إن رقاب بني سراج الستة والثلاثين ضربت على تلك الفسقية، وتقول العامة: إنه يشاهد في كل ليلة طيف أولئك القتلى متوعداً متهدداً.
ولا تمت أسود تلك الفسقية إلى أي حيوان بوجه شبه حقيقي، فهي ناقصة الشكل نقصاً قصده المثالون الذين أرادوا بها نوعاً من الزينة.
ويكاد زائرو الحمراء لا يصدقون، أول وهلة، أن زخارف جدرانها منقوشة على الجص، لا على الحجارة، كما هو الأمر في القاهرة والهند، ويرى أولئك الزائرون الذين يتأملون قرن تلك الزخارف وسطها الأملس المصقول أن من المستحيل ألا تكون منقوشة على الرخام، ولم أر أنها من الجص إلا بعد أن حلل لي أحد أعضاء المجمع العلمي، مسيو فريدل، قطعة صغيرة منها.
والجص الممزوج بقليل من المواد العضوية هو، إذن، ما صنعت منه جميع نقوش الحمراء، ولا نستطيع سوى الاعتراف بإتقان صنع ذلك الجص الذي قاوم تقلبات الجو خمسمائة سنة من غير أن يفد، ولا أعتقد أن مهندساً أوربياً في الوقت الحاضر يمكنه أن يعاهد على صنع نوع من الجص يستطيع أن يدوم مثل هذا الزمن الطويل بلا عطب.