ولا يستدل على بقاء جدر الحمراء بملاءمة جو إسبانية لها ما تطرق الفساد إلى أجزائها التي رممت بعد إجلاء العرب بزمن طويل، ويعرف هذا الفساد، بسهولة، من انثلام تلك الأجزاء المرممة وانخفاضها وانتفاخها.
وقص جميع رجال الفن الذين زاروا قصر الحمراء العجيب، والألم ملء قلوبهم، ما لا يكاد العقل يصدقه من أنباء التخريب الفظيع الذي أحدثه الإسبان فيه، فقد هدم شارلكن قسماً مهماً منه لينشئ في مكانه بناءً ثقيلاً، وعدته جميع الحكومات الإسبانية مجموعة من الخرائب القديمة التي لا تنفع لغير الاستفادة من موادها، قال مسيو دفليه في كتابه عن إسبانية:«لقد بيعت ألواح الميناء التي كانت تزين رداه الحمراء منذ بضع سنين لصنع الملاط، وبيع باب مسجدها البرونزي كنحاس عتيق، وحرقت منها أبواب ردهة بني سراج الخشبية الأنيقة كما يحرق الحطب، ثم اخذ من رداهها الجميلة سجون للمجرمين ومخازن للميرة بعد أن بيع ما أمكن نزعه منها.»
وأراد الإسبان تطهير جدران الحمراء المزينة بالنقوش العربية الجميلة، فكسوها طبقة كثيفة من الكلس، ويظهر أن التكليس الذي تساوي في حبه الإسبان والإنكليز هو مما يرغب فيه بعض الشعوب المتمدنة التي لا ترى ما هو أطيب منه للزينة، وهو مما يروق بالتدريج أولئك الأوربيين الذين يرون فيه مظهراً للمساواة ووحدة الشكل المبتذلة.
ولا يمض زمن طويل على تذمر المتفنين من تخريب قصر الحمراء، ونزع أولو الأمر من الإسبان إلى المحافظة على ما بقي من هذا القصر الساحر بعد أن قيل لأهل غرناطة، غير مرة، إنهم يملكون به إحدى العجائب التي تجلب إليهم السياح من كل جانب، فأزيل شيء من الكلس الذي سترت به تلك النقوش العربية، وبدئ بالترميم، والإسبان عاملون على ذلك ببطء لعدم وجود عمال في إسبانية قادرين على إنجاز هذا الترميم الذي يسهل أمره عند النظر إلى النماذج
ويرى بجانب الحمراء قصر عربي آخر يسمى جنة العريف، وقد بالغ الإسبان في تكليس جدران هذا القصر، فصرت لا تستطيع أن تتمثل حالته الأولى، وصار لا يستحق الحماسة التي يصفه بها مطوفو السياح خلا روضته.
وأما مدينة غرناطة فلا أنصح أحداً بأن يزورها بعد أن وصفها شعراء العرب بأنها أنضر مدينة تنالها أشعة الشمس وبأنها دمشق الأندلس.
ولا أقدر أن أصف الحال التي كانت عليها غرناطة فيما مضى، ولكن غرناطة الحديثة لم تكن سوى قرية كبيرة كئيبة قذرة ليس فيها ما يجدر ذكره غير كاتدرائيتها