الكاتدرائية، أو محطة السكة الحديدية، أو مخدع المرأة العصرية أو الفأس المصنوعة من الصَّوَّان، أو السيف ذو المِقبضين، أو المِدفَع الذي يزن خمسين طُناً، أفضل لمعرفة جميع ذلك من أكداس كتب البحث والجدل.
ولا نرى غير طريقةٍ واحدةٍ لوصف الآثار الماثلة، وهي عَرض صورها، فصور البارتِنُون والحمراء وأفروديت أولى مجموعة الكتب التي وصفها جميعُ مؤلفي العالم لوصفها.
وما تُلقِيه صور الآثار التاريخية في الرُّوع من المعاني الصادقة يدفعنا إلى الإكثار منها في هذا الكتاب، والقارئ الذي يقتصر على تصفُّح صور هذا الكتاب يطلع على حضارة العرب وتحولاتها في مختلف الأقطار أكثر مما يَطلع عليه من الكتب الكثيرة، وذلك عدا إعفائه من مطالعة المباحث المطوَّلة في وصف تلك الآثار من غير أن يظفر منها بفكر صحيح ولقد أصاب من قال:«إن صورة متقنة خيرٌ من مائة صفحة في الوصف»، وليس من المبالغة أن يقال: إنها خير من مائة مجلد.
ولا تكفي ألفاظ أيَّةِ لغةٍ لوصف آثار الشعوب، ولاسيما آثار الشرقيين، وإنما نطلع بالمشاهدة على مناظرها ومبانيها وفنونها وعروقها، ولا يستطيع أروعُ القول أن يؤثر في النفس بمثل ما تؤثَّر به رؤية الأشياء نفسها أو صورها عند الضرورة.
والفوتوغرافية هي التي يمكن أن تجود علينا بصورة صحيحة للأبنية والآثار الفنية والمناظر وأمثلة الشعوب ومظاهر الحياة المنزلية، وبها نستعين في وضع هذا الكتاب، فما تقدر الفوتوغرافية عليه من الدقة في بضع ثوانٍ لا يستطيعه أمهر رجال الفن في أيام كثيرة.
ولو اقتصر الأمر على تصوير المباني، مثلاً، لاستطاع رسام ماهر لا قيمة للوقت عنده أن ينافس الفوتوغرافية، ولكن مثل هذه المنافسة تتعذر عندما يجب تصوير ألوف من مناظر الحياة العامة التي هي عنوان وجود الأمة، فالفوتوغرافية وحدها هي التي تستطيع أن تُصوَّر الأشياء في أثناء حركتها تصويراً صادقاً، وذلك كشارع يزدحم الناس فيه، أو سوقٍ أو حصانٍ جوادٍ راكض، أو مركب عرس، أو ما ماثل ذلك.
ومنذ أمس فقط أوْصَت طرق العلم الحديثة بأن يُستعان في الرحلات بالفوتوغرافية، وهذا الكتاب هو أول الكتب انتفاعاً بالفوتوغرافية، وفيه يرى القارئ مقدار النتائج المهمة التي توصلنا إليها بفضل الفوتوغرافية، وكلُّ صورة فوتوغرافية اشتمل عليها وثيقة صادقة قوية لا يتطرق إليها الوهن.