وإذا كانت الصور الفوتوغرافية من عمل الشمس وحدها حُق ليَّ أن أناضل عن قيمتنها، وعلى العالِم الذي قد يستخف بالصور التي يحتويها هذا الكتاب أن يفكر قليلاً؛ ليرى كيف تُفضَّل مجموعةٌ من الصور الفوتوغرافية على تِلال الكتب التي بُحث فيها عن اليونان والرومان، وما أكثر ما نتعلمه من الصور الفوتوغرافية، وما أحقر المؤلفاتِ بجانبها!
وليترُك فنُّ الرسم، وهو الذي قام حتى الآن بما طُلِب منه في تصوير المباني والموجودات، مكانه للفوتوغرافية التي يُركَن إليها، اليوم، في كتب العلم أو التاريخ أو الرَّحلات، نَعَم، إن في نقل الآلات الفوتوغرافية المعقدة إلى البلدان البعيدة واستعمالها لمصاعب كثيرة، ولكنه يجب على كل عالم أو سائح ثَبَتٍ يريد أن تكون لأثرة قيمةٌ أن يخضع لحكم الضرورة مهما كلفه الأمر.
ولا يُترك مثلُ هذا العمل إلا لأربابه، فإذا كان من السهل استعمال آلة التصوير والتقاط الصور، فإنه يُعسر انتخاب الآثار التي يجب تصويرها ويصعُب تعيين الأحوال التي يجب أن تكون عليها هذه الآثار وقت تصويرها.
ويكفي لإدراك درجة الاختلاف في اللون أو الصفة أو الأوضاع، أن نُنْعِم النظر في المنظر الواحد أو البناء الواحد أو الشخص الواحد الذي يُصَّوره مصورون كثير.
وعدسةُ التصوير صادقةٌ في ذلك كله لا ريب، ولكن الطبيعية هي التي تتغير، فالبناء أو المنظر الواحد الذي تضيئه الشمس في الشتاء لا يظلُّ البناء أو المنظر نفسه حين إضاءة الشمس له في الصيف، أو حين إضاءتها له في الصباح أو المساء.
وكلُّ الفن في التقاط صورة الأشياء حينما تكون مؤثرة في النفس مع تَوَخيَّ الضبط، ولا يكفي أن تكون الصورة صادقةً لتؤثر في النفس، فمع أنني أنظر بعين العجب إلى كتاب ميسو بيرو عن مصر أرى الصور الشاحبة الجافة التي زَيَّن بها صفحاته لا تؤثر في النفس ذاك التأثير المطلوب، وغرضٌ غير هذا ما يجب على المؤلفين أن يَسعَوا إليه.
وتختلف الوسائلُ التي نشرنا بها صورنا الفوتوغرافية على حسب تأثيرها في النفس، ففي الأمور التي قُصد بها التأثير جملة، لا تفصيلاً، حُوَّلت صُورها إلى كليشات على طريقة التجويف الفوتوغرافي الحديث (فوتوغرافور)، وفي الأمور التي قُصد فيها إظهار الدقائق حُفرت صُورها الفوتوغرافية بالمِنْقَاش في الخشب من غير أن يكون للرسام عمل فيها، وإذا عدوت بعض الشواذ وجدتَنا لم نلجأ، لإظهار دقائق فن البناء، إلى طريقة الرسم بالتخطيط إلا عند عدم كفاية أية طريقة أخرى غيرها.