بعضهم أن سورية لا تزال بعيدةً، وأن الصليبيين السابقين نهكوها غير تاركين فيها نهاباً، وأن كل الصيد في جوف القسطنطينية، فانضم بقية الصليبيين إلى هذا الرأي الصائب، وأخذوا ينهبون ما فيها وإن دخلوها حلفاء.
وكانت القسطنطينية تشتمل في ذلك الحين على ما تركه الأغارقة والرومان من كنوز الفن والأدب، ولم ير صليبيو أوائل القرن الثالث عشر في هذه الكنوز شيئاً نافعاً يمكن تقديمه إلى قبيلة من أصحاب الجلود الحمر (البوروج)، فصاروا يحطمون كل ما لم يكن من الذهب أو الفضة أو يلقونه إلى البحر، وصاروا يرون التماثيل الرخامية التي صنعها ليزيب وفيدياس وبراكزيتيل، ويتلفون، في يوم واحد، تأليف ديموستين وديودرس، وبوليب ... إلخ. المهمة.
ولم يفكر بودوان وأصحابه في الزحف إلى فلسطين بعد أن شبعوا من الغنائم فنصب بودوان قيصراً، وأجاز البابا إينوسان الثالث ذلك مع بيانه أن الصليبيين اقترفوا أفظع الجرائم.
ولا احتياج إلى ذكرنا أن سلطة هذا القيصر الجديد كانت مؤقتةً، فلم يكن الصليبيون من غير الهمج العاجزين عن إقامة دولة دائمة وعن غير التخريب، ولم ينشأ عن إقامتهم القصيرة بالقسطنطينية غير إبادة كنوز العالم اليوناني اللاتيني القديم.
ولم تكن الحملتان الصليبيتان، الخامسة والسادسة، من الحملات المهمة، ولم تباليا بالجهاد في سبيل القدس، وإنما ذهب أكثر رجالهما إلى مصر طمعاً في الغنائم فاضطروا إلى التقهقر بعد أن أوغلوا قليلاً فيها.
وتوجه جيش صغير إلى القدس بقيادة فردريك الثاني الألماني الذي تعاهد هو والمسلمون، فسمح له المسلمون بدخول القدس حليفاً، فعاد إلى أوربة مكتفياً بهذه المجاملة الحقيرة.
ومع ذلك فإن الحملات الصليبية أخذت تفقد صبغتها الأوربية الشاملة التي اصطبغت بها في بدء الأمر، فقد قام مقام أخلاط الزمر الأولى، التي كانت تنقض على آسية، بعض السرايا الصغيرة التي ركبت كل واحدة منها متن هواها فلم تبحث عن غير ما فيه الثراء.
وظلت القدس، وفلسطين تقريباً، قبضة المسلمين على الرغم من الحملات الصليبية الخمس التي جردت بعد الحملة الصليبية الأولى، ثم عزم ملك فرنسة، سان لويس، على العود إلى الجهاد فجرد حملة صليبية سابعة في سنة ١٢٤٨ م، وقد غادر إيغمورت على