رأس خمسين ألف مقاتل متوجهاً إلى مصر، وقد احتل دمياط، وزحف إلى القاهرة التي كسر جيشه قبل أن يبلغها، ووقع أسيراً، وافتدي نفسه، وذهب إلى سورية، وأقام بها سنتين من غير أن يظفر بطائل، ثم رجع إلى فرنسة قبل أن يرى القدس.
ولم تنثن عزيمة سان لويس مع هذا الانكسار، فقد جهز حملة صليبية جديدة بعد ست عشرة سنة، وقد غادر إيغمورت في ٤ من يوليه سنة ١٢٧٠ م على رأس جيش مؤلف من ثلاثين ألفاً من المشاة وستة آلاف من الفرسان، وقد توجه إلى تونس طمعاً في حمل أميرها على انتحال النصرانية، فأصابه الطاعون حينما كان محاصراً لها، فمات في ٢٥ من أغسطس سنة ١٢٧٠ م.
وكانت تلك الحملة الثامنة أخرى الحملات الصليبية، فبها ختمت تلك المغازي الكبيرة إلى الأبد، وبقي المشرق خاضعاً لأتباع النبي العربي.
ولم يلبث النصارى أن خسروا ما كانوا يملكون من النواحي القليلة في فلسطين، وأراد البابوات أن يوقظوا حمية النصارى الدينية على غير جدوى، فقد فترت حرارة الإيمان في النفوس، وصار هم شعوب الغرب مصروفاً إلى أهداف أخرى.
ولا أحاول، في خاتمة هذه الخلاصة القصيرة التي سردتها عن تاريخ الحروب الصليبية، تسويغ ذلك الاعتداء الذي وجهته أوربة إلى المشرق أو ذمه، فأمور مثل هذه من نوع المجادلات التي تروق شبان المؤرخين ولا تستحق أن يبالى بها، ولا أعلم أن فاتحاً في القرون القديمة أو الحديثة فكر ثانية في عدل جهاده الحربي أو ظلمه ما لاءم ذلك الجهاد مصالحه، وما رأى وصوله إلى مقصده من غير خطر كبير، فإذا كتب له النجاح في جهاده كفاه نجاحه ولم يبق ما يستلزم تسويغه، ولم يعدم، عند الضرورة، فرسان بيان لتمجيد ما صنع، وإذا ما هجا بعض الكتاب مظالم القوة قائلين: إن على القوة ألا تتغلب على الحق كان ذلك من قبيل ذم الأمور الطبيعية غير المجدي، كشكوانا من السقم والهرم والموت.
حقاً إن مبادئ الحقوق النظرية المدونة في الكتب لم تكن دليل أمة في أي زمن، وإن المبادئ التي احترمتها الأمم هي التي أيدتها قوة السلاح كما أثبته التاريخ، وإن البابوات لم يسيروا على غير سنن الفاتحين في الماضي والمستقبل، حينما حرضوا النصارى على الحروب الصليبية الطاحنة المنافية لأبسط قواعد الإنصاف من الناحية النظرية، فلا يفيد لومهم على ما فعلوا، ولنترك، إذن، كل بحث من هذا النوع، ولندرس النتائج القريبة والبعيدة لذلك النزاع العظيم بين عالمين.