وندرك ناحيةً من أخلاق العرب بما نراه من تأثير القاصِّين في الجمهور العربي الذي نعلَم أنه ذو حيوية مع وَقار، وقوة خيالٍ مع تمثيل، والذي يَبدو أنه يرى ما يَسمع، والذي يبلغ من فَرْطِ التأثُر ما يَظهر أنه يَسْمَعُه حقاً.
قال أحد السياح صارخاً:«ليَنظر الإنسان إلى أبناء الصحراء أولئك حينما يستمعون إلى قصصهم المفضلة، فهو يرى كيف يضطربون وكيف يهدأون، وكيف تَلْمَع عيونهم في وجوههم السُّمر، وكيف تنقلب دَعَتُهم إلى غضب وبكاؤهم إلى ضحك، وكيف تقف أنفاسهم ويستردونها، وكيف يقاسمون الأبطال سراءهم وضراءهم، حقاً إن تلك لروايات وإن الحاضرين لممثلون أيضاً، وحقاً إن الشعراء في أوربة، مع نفوذ أشعارهم وسحر بيانهم وجمال وصفهم، لا يؤثِّرون في نفوس الغربيين الفاترة عُشْرَ مِعشار ما يؤَثِّر به في نفوس سامعيه ذلك القاصُّ الذي هو من الأجلاف، فإذا ما أحُيط ببطل الرواية ارتجف السامعون وصرخوا قائلين: «لا! لا! حفظه لله! » وإذا ما كان في حَوْمَة الوَغَى محارباً كتائب أعدائه بسيفه أمسكوا سيوفهم كأنهم يريدون إنجاده، وإذا ما كاد يذهب فريسة الغدر والخيانة قَطَّبوا وصرخوا قائلين:«لعنة لله على الخائنين! »، وإذا ما قضى عليه أعداؤه الكثيرون تأَوَّهوا وقالوا:«تَغَمده لله برحمته وفسح له في دار السلام! » وإذا ما كان العكس فرَجَع ظافراً منصوراً هتفوا قائلين: «المجد لرب الجُنْدِ! » ويكون هتافهم وقتما يذكر القاصُّ محاسن الطبيعة ولا سيما الربيع: طيب! طيب! » ولا شيء يعدل السرور الذي يبدو على ملامحهم عندما يصف القاص امرأةً جميلةً، فتراهم ينصتون له إنصات من يكاد لُبُّه يطير من الوَجْد، وإذا ما أَتمَّ وصفَه قائلًا: «الحمد لله الذي خلق المرأة! قالوا قول المعجب الشاكر: «الحمد له الذي خلق المرأة!
(٦) الرِّق في الشرق
تثير كلمة «الرِّق» في نفس الأوربي، القارئ للقصص الأمريكية منذ ثلاثين سنة، صورة أناس يائسين مُقرَّنين في الأصفاد، مَقُودين بالسياط، رديئي الغذاء، مقيمين بمظلم المحابس.
ولا أبحث هنا في صحة صورة الرق هذه عند الأنغلو أمريكيين منذ بضع سنين، ولا في صحة تفكير صاحب رقيقٍ في إيذاء مالٍ غالٍ كالزنجي والقضاء عليه، وإنما الذي أراه صدقا هو أن الرق عند المسلمين غيرُه عند النصارى فيما مضى، وأن حال الأرقاء،